أبانت الأحزاب السياسية المغربية عن فشلها في تأطير المواطنين، وأداء دور الوساطة بين الدولة والمواطنين. وكشف حراك الريف المغربي، المتواصل منذ مصرع بائع السمك، محسن فكري، تضارب مواقف الأحزاب حيال ما يجري في الحسيمة من مسيرات احتجاجية، طلباً لتحسين ظروف عيش السكان و»رفع العسكرة» عن المنطقة. ففي الوقت الذي خرجت فيه أحزاب الأغلبية في بداية الاحتجاجات ببيان تتهم فيه بعض نشطاء الحراك بأنهم يريدون الانفصال ويتلقون دعماً من الخارج، مما زاد من حدة الإحتجاجات وتصعيد وتيرة الاحتقان. حاولت فيه أحزاب المعارضة أن تمسك بالعصا من الوسط، من خلال التأكيد على شرعية مطالب المحتجين، وضرورة الحفاظ على استقرار المملكة. فالبرغم من أن الدستور المغربي، ينص على أن دور الأحزاب السياسية يتمثل في تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، والمساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين يرى مراقبون للشأن السياسي في المغرب، أن العديد من الأحزاب السياسية في المغرب اليوم أضحت تعتبر السياسة وتنظر إليها كوسيلة لتدبير العلاقات مع الدولة وإهمال تدبير العلاقات مع «الشارع». وفي هذا الصدد، قال جمال بن دحمان الأستاذ المتخصص في تحليل الخطاب بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء: «لم تكن الأحزاب السياسية في مستوى أدوارها في التأطير والمواكبة والوساطة، وارتبكت أخطاء استراتيجية في تدبيرها لمجريات الأحداث، ويمكن تصنيف المواقف الى ثلاثة: الموقف الأول مثله التدبير الكارثي للأحزاب المشكلة للحكومة من خلال مواقفها المتدبدبة والمتناقضة والمرتبكة، أما الموقف الثاني فمثلته الأحزاب التي اعتبرت الأحداث فرصة لتقوية شروط المطالَب الراغبة في ترسيخ العدالة الاجتماعية والمجالية والبناء الديمقراطي الحقيقي وهي بذلك تركب على الحركية المطلبية دون تمكينها من أجوبة تتجاوز بها لحظة الاحتقان، أما الموقف الثالث فتمثله أحزاب بقيت خارج التغطية وكأن الأمر يتعلق بأحداث في بلد أخر». وأضاف في تصريح ل «القدس العربي» قائلا: «لقد كشفت أحداث الريف، هشاشة المشهد الحزبي وحاجته لجرعات إصلاح قوية وتفعيل الديمقراطية الداخلية والتخلص من أي وصاية والعمل على امتلاك نجاعة الاقتراح والمبادرة والجرأة على طرح المواقف من دون حسابات ضيقة علما أننا بذلك نطمح إلى وجود أحزاب قوية لأن الأحزاب أساس الديمقراطية، وبدونها يصبح كل حديث عن المؤسسات من باب المجاز». ويرى نبيل الأندلوسي، المستشار البرلماني لحزب العدالة والتنمية عن جهة طنجةتطوان، أن من الخطورة بمكان أن يصل المواطن إلى قناعة مفادها أن الثقة لم تعد في الدولة وفي النخب الحزبية، وإذا فقد هذه الثقة يصعب أن نقنعه بوجود وسطاء أو مؤسسات، ممكن أن تترافع على مطالبه الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية. وهو يرجع أسباب غياب الأحزاب السياسية والنقابات وجمعيات المجتمع المدني في تأطير حراك الريف، إلى الدولة من خلال المس بالعملية الانتخابية الذي ينتج عنها بروز هيئات انتخابية صورية ليس لها أي امتداد شعبي. «الدكاكين السياسية» هي صفة أصبحت لصيقة بالأحزاب السياسية، التي وصفها نشطاء الحراك الشعبي ب«العصابة»، الشيء الذي جعل الدولة في مواجعة مباشرة مع الشارع. واعتبر عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية، أن الأحزاب المغربية فقدت دور الوساطة بين المواطن والدولة، وضعفت مكانتها في التأطير السياسي، بسبب الأزمات الداخلية المفتعلة، والدور الذي أدته معظم الأحزاب في الالتفاف على إرادة الناخبين. فغياب الوساطة الحزبية عن حراك الريف، والتي من المفروض أن تقوم بحمل مطالب الشارع وإيصالها للجهات الرسمية، والتفاوض من أجل تلبيتها كان نتاج لغياب ممارسة ديمقراطية حقيقية، كشفت عن خلل عميق يعتري الجسم الحزبي. وقال ل«القدس العربي»: «في مثل هذه القضايا كان على الأحزاب أن تلعب أدواراً محورية ومفصلية، من خلال إبداء مواقف صريحة ومعلنة بعيدا عن التناقض الصارخ الذي شهدنا من تصريح وتصريح مضاد». فاطمة الزهراء كريم الله / القدس العربي