بعيدا عن الحشود البوليسية المنتشرة في ساحات وشوارع المدن الريفية وتهديدات الدولة_وزراة الداخلية_، ربما من المفيد، أو بالأحرى من الضروري، أن يتأمل الشعب المغربي قاطبة من ألفه إلى ياءه بهدوء، قدر الإمكان، صورة الريف الحقيقية بكل تفاصيلها وجزئياتها انطلاقا من تاريخ هذه المنطقة الأبية، وحاضرها الذي يفقأ العينين، وليس الصورة التي يريد المخزن أن يكرسها في ذهنية الرأي العام عن هذه المنطقة من خلال الألاعيب والدسائس التي يفبركها جواكر هذا النظام السياسي من داخل أحزابه السياسية وأذرعها الجمعوية. إذ كان من المفترض دائما أن يكون الريف قطبا حضاريا، فكراوثقافة، وإقتصادا، لكن ما حصل، كان غير ذلك. فقد سبق للإستعمار الإسباني والفرنسي أن يبقي الريف خارج العصر لولا المقاومة الشرسة التي خاضتها الحركة التحررية الريفية بقيادة الزعيم "مولاي موحند" لهذه القوة الاستعمارية التي عقدت كل آمالها على احتواء منطقة الريف باعتبارها صخرة صلبة يستحيل تكسيرها. ورغم ذلك، أي رغم المقاومة الشرسة التي أدت إلى هزم المتسعمر الإسباني والفرنسي شر هزيمة، ظل الريف خارج العصر، بفعل الحصار والقمع الذي شنته الدولة المغربية على هذه المنطقة منذ ما يسمى بعهد "الإستقلال" إلى عصرنا الراهن، والذي تميز بتحالف هذه الأخيرة_د.م_ مع الإستعمار المباشر من أجل إقبار قضية الريف. ليس الهدف هنا التقييم، سلبا أو إيجابا، لما جرى وما يجري في الريف، إنما الإشارة والتأكيد إلى أن شيئا خطيرا ما يجري الآن، وسيقود إلى تطورات عميقة في المستقبل ومن شأن ذلك أن ينعكس بشكل مؤثر على دور وأهمية الدولة المغربية في علاقتها بمنطقة الريف خاصة وبباقي مناطق الوطن المغتصب عامة. إن ما يجب الإشارة إليه، هو أن الأنظمة السياسية التي تعتمد الديكتاتورية والقمع في علاقتها بشعوبها، مهما استطاعت أن تقمع وتحاصر الانتفاضات والثورات الشعبية الديمقراطية، يستحيل ان تصمد في الوقت الذي تتقوى فيه القيادات والذوات الثورية التقدمية، أضف إلى ذلك ضخامة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وكذا التغير المستمر الذي يطرأ على العلاقات الدولية والمناخ الدولي. هذا ما يستدعي على الدولة المغربية اعادة النظر في السياسات العامة الممنهجة في المغرب عامة وفي الريف خاصة، فالسياسات العامة والمقاربة القمعية التي تنهجها الدولة على منطقة الريف قد تؤدي بها الآن، وأكثر من أي وقت مضى إلى مسارات خطيرة، فتجارب القمع والارهاب التي مارستها الدولة المغربية بمنطقة الريف سنوات 58_59 لخير دليل على فشل المقاربة العسكرية ومقاربة الحصار السياسي والاقتصادي والاديولوجي بريفنا الحبيب. لكن تبقى القناعات والايمان بقضيتنا من أجل التحرر والانعتاق من براثين هذه الدولة الديكتاتورية التي طالما تعرفنا جيدا اجهزتها بشتى تلاوينها المؤسساتية التي خبر خونة قضية الريف دهاليزها بجعلها مجرد قنطرة عبور من أجل الوصول إلى إقبار قضيتنا التي تبقى قائمة بذاتها ولذاتها إلى حدود المرحلة، كقضية جميع الشعوب التواقة للحرية والانعتاق. ونستسمح من عبد الرحمن منيف الذي سبقنا وكتب "الديمقراطية اولا.,. الديمقراطية دائما" أن نكتب اليوم "الريف اولا.. الريف دائما" إلى أن ينتصب الريف شامخا بعليائه في كبرياء هذا الوطن الجريح.