زلزل حزب «بوديموس» الإسباني وائتلافاته اليسارية، المشهد السياسي الكلاسيكي في الانتخابات البلدية الإسبانية، والتي كشفت نتائجها يوم أمس، عن اكتساح هذا الأخير لأكبر معاقل الحزب الشعبي اليميني الحاكم. وخسر حزب ماريانو أكثر من مليوني صوت، إذ لم يحصل سوى على 26.76 في المائة من الأصوات، مسجلا انخفاضا قدره 11 في المائة عن نتائجه في انتخابات 2011، فيما فاز الحزب الاشتراكي العمالي المعارض بالمركز الثاني بعد أن حصد 25.18 في المائة من الأصوات، متراجعا بنسبة تزيد عن 2 في المائة عن نتائجه بالانتخابات الماضية. وبلغت نسبة المشاركة 49.78 في المائة، مسجلة ارتفاعا يقدر ب 0.5 في المائة، بينما سجلت مدينة سبتة أدنى نسبة مشاركة، لم تتجاوز32 في المائة، فيما بلغ عدد الناخبين خلال هذه الانتخابات من الذين لهم حق التصويت في هذه الانتخابات 35.1 مليون، من بينهم 460 ألف إسباني مقيم في الخارج، أما أغلبية المواطنين الإسبان المقيمين بتطوان فقد صوتوا لصالح اليمين الإسباني ممثلا في الحزب الشعبي الحاكم. نكسة حزب راخوي منذ24 سنة لم يتوقع الحزب الشعبي اليميني المحافظ أن يحظى بنكسة غير مسبوقة في تاريخه منذ أكثر من 24 سنة، فحزب «بوديموس» الإسباني، المشكل من حركة الغاضبين والمتذمرين من سياسته، خلخل المشهد السياسي، وقضي على أحلام راخوي وبفوزه الدائم في أكبر معاقله السياسية، بالأغلبية المطلقة، كالعاصمة مدريد، وفلنسية، وبرشلونة وسرقسطكة وغيرها من المدن والمحافظات الإسبانية. وظهرت الكونديسة إسبرانسا إغيري، التي تعتبر من صقور الحزب الشعبي، متحسرة على نتائج الانتخابات في فلنسية التي ترأستها منذ 22 سنة العجوز ريتا بابربيرا، البالغة من العمر 67 سنة، أو مدريد، المدينة التي ستترأسها الشيوعية مانويلا كارمينا. فيما ستعود رئاسة العاصمة الاقتصادية برشلونة للمناضلة اليسارية آدا كولاو، التي عرفت بمناهضتها لإفراغ البنوك للإسبان من منازلهم والحجز عليها وتزعمها لاعتصامات واحتجاجات ضد الفساد السياسي والمالي وجشع المؤسسات البنكية، واحتيالها على مدخرات المتقاعدين الإسبان. ووقف الحزب الشعبي المحافظ، مشدوها أمام وقع نتائج الانتخابات البلدية والإقليمية الخاصة بتجديد برلمانات 13 منطقة (من 17) وانتخاب 8122 رئيس بلدية بينها مدريدوبرشلونة وفالنسية أكبر مدن البلاد، معتبرا النتائج عقابا من الناخبين على سياسة رئيس الوزراء ماريانو راخوي خلال الأربع سنوات من خلال اعتماده لترسانة من التخفيضات الشديدة في الإنفاق التي مست جيوب السكان، وسلسلة من فضائح الفساد التي طالت العشرات من مسؤوليه ومستشاريه في عدد من البلديات والمحافظات، وذلك رغم حصوله على أصوات أكثر من أي حزب آخر إلا أنها أسوأ نتيجة انتخابية خلال أكثر من24 سنة. وطالب العديد من الأكاديميين والمراقبين الإسبان عبر وسائل الإعلام ليلة كشف نتائج الانتخابات بالدعوة إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها، في الوقت الذي عرفت فيه كل من مدريدوبرشلونة صراعا كبيرا وتعبئة أكبر مما كان قبل أربع سنوات من أجل الفوز بعمودية المدينتين. ففي الأولى بمدريد تواجهت إيسبيرانزا أغييري (62 عاما) عن الحزب الشعبي وهي رئيسة سابقة لمجلس الشيوخ، إذ تعتبر من الجناح المتشدد للحزب، مع الشيوعية مانويلا كارمينا، فيما تواجه في برشلونة اليسارية آدا كولاو من حركة «الغاضبين»، ضد إكسافيي ترياس (68 عاما) وهو قومي محافظ. قاضية شيوعية إلى عمدة لمدريد رفعت القاضية السابقة مانويلا كارمينا، (71 عاما) التحدي في وجه المرأة الحديدية لمدريد إسبرانسا أغيري، حيث تمكنت وفق نتائج الانتخابات من الإطاحة بالحزب الشعبي من أكبر معاقله بالجارة الإسبانية. فمدريد كانت دائما حكرا على حزب راخوي، قبل أن تقرر الناشطة الشيوعية، كارمينا الترشح للانتخابات. وتعتبر مانويلا كارمينا، مناضلة يسارية تقاعدت من سلك القضاء سنة 2010، قاومت استبداد الدكتاتور فرانكو في فترة شبابها، كما يعرف عنها لطفها ورزانتها وحزمها في مواجهة الخصوم السياسيين، حيث تقدمت للانتخابات كمرشحة لتشكيلات تضم حزب «بوديموس» وأحزاب أخرى يسارية راديكالية، وتطلق وسائل الإعلام الإسبانية على مانويلا اسم «المرأة العادلة» نظرا لمواقفها السياسية ضد الظلم والفساد ومحاربتها لسياسة التقشف التي اعتمدها الحزب الشعبي، انضمت كارمينا إلى الحزب الشيوعي الإسباني سنة 1965، لتنطلق في مناهضتها للإمبريالية عبر عدة مواقع سياسية، كنا أنها شغلت منصبا داخل المجلس العام للسلطة القضائية بناء على اقتراح من اليسار الموحد حينها، ومؤسسة للجمعية التقدمية لقضاة من أجل الديمقراطية. من مناضلة يسارية إلى عمدة برشلونة تعتبر أدا كولاو، البالغة من العمر 41 سنة، أيقونة لنضال الإسبان ضد الحجز على شققهم من طرف مؤسسات بنكية بسبب عدم قدرتهم على أداء الأقساط الشهرية بسبب البطالة التي عصفت بإسبانيا. اعتقلت آدا كولاو الموالية لحزب «بوديموس» مرات عديد، من طرف الأمن الإسباني وقوات مكافحة الشغب بسبب خوضها اعتصامات واحتجاجات ضد سياسة الحجز على المنازل، كما أنها قادت أكبر وقفات احتجاجية أمام إقامات بعض وزراء الحزب الشعبي الحاكم ومسؤوليه، وهي احتجاجات غير مسبوقة بإسبانيا، حيث تم اتهامها حينها من طرف هؤلاء بالموالية لمنظمة «إيتا» الانفصالية الباسكية، وهي تهم سخرت منها كولاو وبرأها منها القضاء الإسباني. بدأت آدا وذكولاو نشاطها السياسي في قترة التسعينيات من خلال معارضتها للعدوان الأمريكي على العراق خلال حرب الخليج، لتنطلق بعدها في تزعم حركات احتجاجية مناهضة للعولمة، والإمبريالية المتوحشة، ثم في مسيرات احتجاجية ضد العدوان على العراق سنة 2003، الذي شاركت فيه إسبانيا خلال فترة ترأس خوسي ماريا أثنار للحكومة. وقالت أدا كولا، في كلمة لها بعد فوزها إن «أهم شيء يمكن رصده هو أن فوز «بوديموس» يعتبر انتصار داوود على جالوت، فقد مكن هذا الترشح أهالي برشلونة وبلديتها من أن يفوزوا خلال أشهر قليلة بها.