طرحنا لهذا السؤال ومحاولة الإجابة عنه، أتى ايمانا منا بأن "دستور يوليوز 2011" لم يقدم أي قيمة مضافة للقضية الأمازيغية على مستوى "العملي" لا "الشعاري" -الشعارات-، ولتبيان ذلك، سنحاول مقاربة الموضوع من خلال خطاب الحركة الأمازيغية وتطور مطالبها التاريخية من جهة، ثم ما تم التنصيص عليه في "الوثيقة الدستورية" المعلنة من جهة أخرى. يجب التذكير في البداية بأن طرح "الإشكال الدستوري" في جل الحالات المقارنة دائما ما يكون تعبيرا عن رغبة مجتمعية وسياسية لتجاوز "إنسداد سياسي" في مجتمع ما، أو من أجل تدبير مطالب سياسية مجتمعية ملحة وذات أولوية وراهنية، وذلك رغبة من المجتمع في الإنتقال إلى بناء مجتمع ديمقراطي يتمتع فيه الشعب بحقوقه وحرياته ومواطنته الكاملة، ويواكب التحول والتطور السياسي الإقليمي والدولي، وهذا غالبا ما يأتي كفرصة تاريخية مجتمعية لتدارك مجموعة من النواقص الديمقراطية وتحقيق قفزة نوعية في مجال ممارستها السياسية والحقوقية الحداثية في الدولة والمجتمع. ظل "الاشكال الدستوري" في المغرب، منذ 1956، محور "طابو سياسي" في مطالب معظم "الفرقاء السياسيين" والاجتماعيين والثقافيين، من "أحزاب" وتنظيمات يسارية ودينية، بما فيهم الحركة الأمازيغية التي طورت نظرتها للإشكالية الدستورية من خلال قفزها على مقاربة ثقافية ترتكز على اللغة والثقافة والهوية منذ ميثاق أكادير، إلى مقاربة شمولية تحوي جميع الأبعاد المجتمعية، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية فضلا عن الثقافية واللغوية... هكذا طورت ووسعت الحركة الأمازيغية "مطالبها الدستورية" ورفعت من سقفها، لتكتسي صبغة سياسية تتماشى والخيار الديمقراطي الحداثي، وذلك من خلال المطالبة بدستور ديمقراطي شكلا ومضمونا يقر بالمغرب دولة أمازيغية مدنية فيدرالية علمانية، وبترسيم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية في جميع التراب الوطني ووتدريسها والتدارس بها وبحرفها "ثيفيناغ" لجميع المواطنين سواء كانوا ناطقين بها أو غير ناطقين -معربين-، ثم دسترة مؤسسة وطنية مستقلة تعنى بالأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة، تخول لها كل إمكانيات ووسائل التدخل في تسطير السياسة اللغوية ، الثقافية ، التاريخية وتنفيذ مقرراتها، ثم مطلب اعتبار الأعراف الأمازيغية الإيجابية مصدرا من مصادر التشريع الوطني، واعتماد مبدأ سمو القانون الدولي على القوانين الوطنية... إذن، فلنساءل "دستور 2011" حول مدى استجابته لمطالب الحركة الأمازيغية التاريخية منذ أن برزت ثقافية -لغوية-هوياتية، إلى أن تحولت إلى مطالب اقتصادية-اجتماعية ثم سياسية تتعلق بالسلطة وشروط ممارستها الديمقراطية، ولكي نأكد ما قلناه في البداية بكون هذا "الدستور" لم يقدم أية قيمة مضافة للأمازيغية بالمقارنة مع خطاب إيمازيغن وتصوراتهم ومطالبهم السياسية والثقافية... نتوقف عند النقاط التالية التي تضع بشكل واضح، التصورات السياسية للحركة الأمازيغية ومطالبها في مقابل الاستجابات الدستورية المعدلة والمعلنة: - حول دسترة اللغة الأمازيغية هو تصور ومطلب تؤرخ له الحركة الأمازيغية بالمغرب من خلال مجموعة من الأرضيات واللجان والمذكرات، أولها "ميثاق أكادير 1991" ثم "بيان الاعتراف بأمازيغية المغرب" و"اللجنة الوطنية لدسترة وترسيم اللغة الأمازيغية" ثم "بيان الريف من أجل الترسيم"، أمام كل هذه المذكرات وما حملته من تصورات سياسية في شأن ترسيم اللغة الأمازيغية وإعتراف بأمازيغية المغرب، أتى الرد الدستوري في 2011 بالشكل التالي: (تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة)، بعد الإعتراف ب "اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة"، فالنص الدستوري هنا، بقدر ما ينص على "البعد الرسمي للغة الأمازيغية" بقدر ما يجعلها في موقع ثانوي بالقياس مع اللغة العربية، أضف إلى هذا، "تقييد الترسيم بالقانون التنظيمي" قد لا يصدر إلى الأبد، إذن بمقارنة ما تم التنصيص عليه وتصور الحركة الأمازيغية للترسيم، نجد أن المخزن تجاهل وتحايل عن الترسيم الحقيقي للأمازيغية كما بات يطالب به إيمازيغن، اذن لا قيمة مضافة للأمازيغية بخصوص الترسيم، بل نفس سياسة خطاب "أجدير 2001" من حيث التعامل مع مطالب الحركة الأمازيغية. -حول سمو القوانين الدولية على التشريعات الوطنية تصور تؤرخ له الحركة الأمازيغية من خلال، "التقارير الموازية للمنظمات الحقوقية الأمازيغية في المحافل الدولية حول الملائمة والسمو لما هو دولي، في إطار العهد الدولي للحقوق الاجتماعية الاقتصادية والثقافية، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واللجنة الأممية لمناهضة التمييز العنصري" وذلك بما يتماشى دائما والدولة الديمقراطية الحداثية، إلى أن الرد الدستوري جاء بالشكل التالي: (جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملائمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة)، أية قيمة مضافة إذن في ظل هذه التناقضات المتباينة بين سمو القانون الدولي على التشريعات الوطنية؟ فبقدر ما تقر الدباجة بسمو القوانين الدولة تكبدها بشروط قابلة للتأويلات عدة، وبعيدة عن الدقة ولم تحسم بين المشروع الحداثي الديمقراطي والمشروع الاستبدادي المحافظ المكبد والمقيد لكل تشريعات العهد الدولي وسموها، وهذا ما عبرت عنه بشكل واضح الجملة الإستدراكية التي تقول: (العمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصداقية)، معناه ما هو وطني يسمو على ما هو دولي وليس العكس. هاذين المثالين كافيين لنحسم أن "دستور 2011" لم يقدم أي قيمة مضافة للقضية الأمازيغية ولا بخصوص تعامله مع مطالب ايمازيغن وفق تصوراتهم السياسية، فضلا عن تجاهله وعدم تبنيه أي من المطالب السياسية الأخرى للحركة الأمازيغية، سواء مطلبها بالتنظيم الفيدرالي الذي يقتضي إعادة النظر في التقسيم التراب وتوزيع السلطة والثروة بين المناطق، وكذا تجاهله مطلب العلمانية وفصل الدين عن السياسة، ثم اعتماد الأعراف الأمازيغية الايجابية في التشريع، ومطلب دسترة مؤسسة وطنية مستقلة تعنى بالأمازيغية في شموليتها، أما المطلب الهوياتي فتعامل معه "الدستور المعدل" بنوع من "الجهل" جمع فيه كل المتناقضات وكل الحساسيات مشتتة بين لغة "المكون" و"الرافد" و"الثابت" و"الراسخ"... كل هذا، جعلنا نطرح السؤال أعلاه حول ما القيمة المضافة التي قدمها الدستور المعدل للأمازيغية؟ لنخلص إلى أنه لم يقدم أي شيء جديد، ما عدا استعمال الأمازيغية كمطية لشرعنة السلطة وتكميم أفواه ايمازيغن، وبالأخص إذا استحضرنا "اللحظة التاريخية" التي كان يمر منها المخزن والربيع الديمقراطي، فلم يكن للمخزن فيها من هدف سوى الالتفاف والتحايل على المطالب الديمقراطية وليس الانتقال الديمقراطي والقطع مع واقع الاستبداد والتحكم. إذن نحن أمام دستور ممنوح غير متعاقد عليه وغير تشاركي فرض بمنطق فوقي اعتمد منطق "المنحة" بعد الاستشارة الشكلية ل"الأحزاب السياسية" التي تضطر للتصويت بنعم في استفتاءات شكلية، وبالتالي هو دستور غير ديمقراطي، لم يستجيب لأي من المطالب الديمقراطية للحركة الأمازيغية والقوى الديقراطية والتقدمية في المغرب ولا لمطالب "الشارع" المطالب بالحرية والعدالة والكرامة ومحاربة الفساد والاستبداد.