هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ومضات عن "وثيقة المطالبة بالاستقلال 11 يناير 1944" لماذا، وكيف؟
نشر في شبكة دليل الريف يوم 12 - 01 - 2015

مع وصول يوم 11 يناير من كل سنة تحل على الدولة المغربية ذكرى احتفال بما يسمى ب "وثيقة المطالبة بالاستقلال" حيث أقرت الدولة هذا اليوم، ك "يوم عيد وطني وعطلة رسمية في جميع مؤسساتها العامة والخاصة"، ويقدم هذا التاريخ من داخل الدولة ومؤسساتها على أنه "يوم تاريخي وطني من خلاله حصل المغرب على استقلال البلاد من الاستعمار الفرنسي"، وذلك نسبة إلى الوثيقة التي قدمها "حزب الاستقلال" في 11 يناير من سنة 1944، إلى فرنسا "مطالبا فيها باستقلال المغرب" وأمام هذه القراءة التي تقدمها الدولة بشكل رسمي لهذا اليوم قد يقف القارئ والباحث التاريخي الموضوعي في تاريخ المغرب مستغربا، وطارحا عدة تساؤلات عن مثل هذه المحطة التي نفخ فيه كثيرا لتجعل هي الكل والأهم في تاريخ المغرب المعاصر، في مقابل ذلك هناك استصغار من شأن محطات بطولية سجلتها المقاومة المسلحة وجيش التحرير في ملاحم تاريخية كبرى ضد العدو الاستعماري، أكبر من مجرد "وثيقة" تقدم للإدارة الاستعمارية حتى سنة 1944، مع العلم أن فرنسا الاستعمارية دخلت إلى المغرب سنة 1912، بمعاهدة وقعت مع السلطان المخزني نفسه لحماية عشره المهتري أمام تمرد القبائل الغير الموالية له، أو ما سمي ب "قبائل السيبة".
لن نركز في هذه المقالة عن "الحركة الوطنية" وكيفية بروزها حتى بعد مضي 18 سنة على دخول فرنسا لبلاد موراكش، مستغلة صدور ظهير 16 ماي 1930، ومن كان وراء ذلك؟ ومن أجل ماذا؟ بل سنعطي الأهمية لهذه "الوثيقة" وكيفية التأسيس لها، ولماذا تأخرت "الحركة الوطنية" في شخص "حزب الاستقلال" حتى 11 يناير 1944 لتطالب بالاستقلال من خلال هذه الوثيقة؟ وما سياق الدولي والوطني الذي أتت فيها هذه الوثيقة؟ وبعض البنود التي نصت عليها، وهل قدمت تصورا فعليا لما يسمى بالاستقلال أم هي مجرد وثيقة مطلبية لم تقدم أدنى شروط الدولة المستقلة؟ وأكثر من ذلك، هل استقلال الدول يخول لشعوبها من خلال وثائق مطلبية؟
يعلق محمد منيب عن تأخر المطالبة بالاستقلال من طرف "الحركة الوطنية" من خلال قوله هذا "لم يفكروا –الحركة الوطنية- قبل هذا التاريخ -1944- في مطالبة فرنسا بالخروج من المغرب بسبب ما كانوا يجنوه من فوائد وامتيازات وثراء من احتلال المستعمر الفرنسي للمغرب وبقائه فيه" (محمد منيب، الظهير البربري أكبر أكذوبة في تاريخ المغرب المعاصر ص.28)، إذن ما سمي بالحركة الوطنية وزعمائها لم تكن فرنسا الاستعمارية عدوهم، بل كانت تضمن لهم مصالح وامتيازات، وهذا ما يؤكده أحد زعمائها المسمى -علال الفاسي- بقوله "قطع مرحلة من التعاون تحت النظام القائم" (صحيفة المناضل-ة- العدد 11 مارس 2006)، ويتأكد ذلك أكثر من خلال المذكرة التي قدمتها الحركة الوطنية في شخص تنظيمها الروحي "كتلة العمل الوطني" تحت اسم "مطالب الشعب المغربي" المستوحاة مما سمي ب "دفتر الاصلاحات" Cahier des réformes الذي كتبته لجنة الاشراف الفرنسية Comité de patronage قبل أن ينسب للحركة الوطنية، حيث قدمت "كتلة العمل الوطني" هذه المذكرة في دجنبر 1934 إلى المقيم العام الفرنسي في المغرب، والسلطان ثم إلى رئيس الوزراء الحكومة الفرنسية تطالب فيه ما يلي:
المطالبة بتطبيق معاهدة الحماية
مشاركة الوطنيين في الوظائف الإدارية (مجالس البلديات والغرف التجارية)
تأسيس مجلس وطني يضم نواب مسلمين ويهود
إذن فالقارئ الموضوعي لهذه البنود سيستشف أن "الحركة الوطنية" لم تكن تعتبر فرنسا الاستعمارية عدوا لها ولا عدوة للوطن، حيث طالبت فرنسا بتسريع تطبيق معاهدة الحماية وليس إلغاءها وترحيل جيوشها عن الوطن، بل أكثر من ذلك طالبت في بندها الثاني الثالث برغبتها في التعاون المشترك، وذلك من خلال اشراك "الوطنيين" في الوظائف الادارية ومناصب السلطة، وهذا ما كان يعنيه علال الفاسي من خلال كلامه الذي ذكرناه أعلاه، كما أن القارئ لديباجة ما سمي ب "دفترالإصلاحات" الذي نسب للحركة الوطنية وغيرت اسمه إلى "مطالب الشعب المغربي" سيجد هذا "الدفتر" -عبارة عن كتيب صغير يحتوي على 134 صفحة- في ديباجته لا يعتبر فرنسا الاستعمارية عدوا للمغرب ولا للحركة الوطنية نفسها، بل يؤكد أن هذه الأخيرة "ليس لها أي مشكل مع الاستعمار الفرنسي وهي تسعى إلى بناء العلاقات الجيدة معه..." وهذا ما كان بالفعل، لأن الاستعمار الفرنسي والاسباني من يوم دخوله إلى البلاد مراكش، وهو يحارب القبائل الغير الموالية للمخزن المركزي، ولم تسجل أية مقاومة له من داخل بلاد المخزن والقبائل الموالية له.
فبعدما انشقت كتلة العمل الوطني في سنة 1937 بسبب الصراع على القيادة بين علال الفاسي ومحمد حسن الوزاني عند تأسيس أول مؤتمر للكتلة (محمد ظريف، الأحزاب السياسية المغربية 194-1975 منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي) وفي اطار هذا التعاون والدعم المشترك بين فرنسا و"الحركة الوطنية" أرسل "الحزب الوطني لتحقيق مطالب الشعب" عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية بعثة في غشت 1939 لمقابلة المقيم العام الفرنسي من أجل "التأكيد على التضامن المغربي الفرنسي ومساندة فرنسا أمام الخطر المحدق بها" (انظر كراسات حزب الاستقلال بعنوان "المغرب")، والتزام "الحركة الوطنية" وتعاونها المشترك إلى جانب فرنسا في حربها ضد دول المحور، كان على أساس طمعها بالاستفادة من نتائج الحرب العالمية الثانية.
وأمام نشوب الحرب العالمية الثانية، تغيرت الخريطة السياسية الدولية، حيث بدى الاستعمار المباشر صعب المواصلة والتحقيق أمام هذه التغيرات، وبدأت الدولة الاستعمارية تفكر في كيفية الانسحاب من مستعمراتها بأقل خسائر ممكنة، وذلك بالحفاظ على مصالحها السياسية طبعا، وبالخصوص الدولة الاستعمارية الأوروبية التي اجتاحت النازية بقيادة هتلر أوروبا ودمرها عن آخرها، ومن بينها فرنسا نفسها، ويذكر المؤرخ ألبير عياش في كتابة "المغرب والاستعمار حصيلة السيطرة الفرنسية" هذه التغيرات العالمية بشكل الآتي:
محاولة هتلر وموسوليني التقرب من الدول الإسلامية
تعبير روزفلت وتشرشل في ميثاق الأطلسي وميثاق الأمم المتحدة عن حق الشعوب في تقرير مصيرها
انتصار الجيوش السوفياتية بعد معركة ستالينغراد (12/194202/1943) كان له انعكاسات عميقة في المغرب
وهذه التغيرات التي برزت مع الحرب العالمية الثانية لم تحكم على "الحركة الوطنية" بالمغرب لوحدها أن تنادي بالاستقلال، بل حتمت على الدول الإمبريالية أن تراجع أسلوب تحكمها في البلدان المستعمرة، وذلك أمام تنامي حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار في كل بقاع العالم (شمال إفريقيا، الهند الصينية، الهند، استقلال سوريا ولبنان 1943...) مما خلق مناخا عالميا مناهضا ومعاديا للاستعمار، وجعل الدول الاستعمارية تفكر في اختيار الاستعمار الجديد الغير المباشر الذي سيضمن لها الحفاظ أكثر على مصالحها السياسية والاقتصادية من داخل مستعمراتها.
وفي هذا لم تجد فرنسا الاستعمارية من سيضمن مصالحها من داخل المغرب أكثر من عملائها الأوفياء من "الحركة الوطنية" الذين كانوا دائما يطالبون فرنسا بالعمل التعاوني المشترك، وهكذا ستدفع عملائها للمطالبة بالاستقلال، عندما أحسوا أن فرنسا تستعد للخروج من المغرب، بسبب ما تعيشه من أوضاع مزرية من داخل مستعمراتها، والخسائر الحربية الذي كبدتها من الحرب العالمية الثانية على مستوى فرنسا بالتحديد أمام النازية، لهذا ستخرج "الحركة الوطنية" لأول مرة مطالبة بالاستقلال، الذي سيطالب به لأول مرة في منطقة الشمال تابعة للحماية الاسبانية وذلك سنة 1942 من قبل حزبين بعد مثاق الوحدة في دسمبر 1942، حيث صدرا بيان مشترك يطالب فيه "الاستقلال المغرب، وإلغاء نظام المناطق، واقامة نظام عربي مسلم وطني براعة الاسرة الملكية" كما سيطالب بنفس الشيء "حزب الشيوعي المغربي" سنة 1943، الذي أسس سنة 1936، من قبل المثقفين الفرنسيين أساسا المستقرين بالمغرب، ولم يسيطر عليه "الوطنيين" حتى سنة 1946، حيث عرض سنة 1943 برنامج الحزب من خلال جريدة "الوطن" تطالب فيه ب "استقلال الأمة المغربية، وحق التحكم في نفسها" وبعدما تأسس "حزب الاستقلال" كان كاتبه العام بلافريج، سيقدم الحزب في 11 يناير 1944 بيانا إلى السلطان والسلطات الفرنسية والحلفاء يطالب بما يلي:
الاستقلال
دخول المغرب إلى المحفل الدولي
الإعهاد إلى السلطان بإصلاح المؤسسات السياسية
بعدما وقع على هذه الوثيقة 58 شخص تابعيين ل"حزب الاستقلال" من بينهم ¾ من المثقفين الذين ينتمون إلى البورجوازية المتوسطة، إلى جانبهم بعض التجار والملاكين الأغنياء، على شكل التالي (8 تجار وصناعيين، 5 فلاحين أو ملاكين عقاريين، 6 موظفين مخزنيين، 4 قضاة، 7 من أعضاء المهن الحرة، 10 علماء، 18 شخص من سلك التعليم). ويذكر عبد الكريم غلاب بالتفاصيل تلك البروتوكولات التي اعتمدها الحزب من أجل الترويج لهذه الوثيقة وكيف استعانوا بعلماء الدين واستغلال المساجد (بالنفس الأسلوب الذي تصدوا فيه للظهير 16 ماي 1930) وكيفية إيصالها إلى السلطان والمقيم العام الفرنسي. (عبد الكريم غلاب، تاريخ الحركة الوطنية المغربية من نهاية حرب الريف إلى إعلان الاستقلال، الجزء الأول).
إلا أن القارئ لهذه الوثيقة سيجد أن "الحزب" الذي قدمها لم يذكر ولم يحدد فيها طبيعة الاستقلال المنشود ولا المدة التي سيتحقق فيها هذا الاستقلال ولا الخطوات العمل من أجل تحقيقه، ولم تتطرق إلى أهم مقومات الدولة المستقلة متمثلة في السياسة الداخلية والخارجية والجيش والثروات الاقتصادية والحدود الجغرافية، ونصت الوثيقة في بندها السابع على "ضرورة العمل بين فرنسا والوطنيين من أجل إحرام عروبة المغرب" وهذا ما يبن بالملموس أن فرنسا عند دخولها للمغرب لم تأتي لحماية المخزن المركزي وفقط بل لكي تخلق له دولة جديدة ذات سلطة عروبية، لأن فرنسا كانت تعي جيدا أن خلق دولة تمارس السلطة في المغرب باسم الانتماء إلى الأرض كما كانت تمارس قبل سنة 1912 سيهدد استقرارها وبالتالي مصالحها المشتركة التي تجمعها بين عملائها الذين ستسلم لهم الحكم يوم مغادرتها للمغرب.
هذا هو السياق العام الذي أتت فيه هذه "الوثيقة" التي تقدم في التعليم المغربي ومع وصول يوم 11 يناير من كل سنة على أساس أنها، هي التي كانت وراء حصول البلاد على الاستقلال الشكلي، وطريقة التي أتت بها وحتى بعض مضامينها، فهل يكمن أن تكون مثل هكذا "وثيقة مطلبية" بدون تصور واضح ولا إستراتيجية واضحة وموقعت من 58 شخص محسوبين على "حزب الاستقلال" أن تكون هي السبب الرئيسي التي دفعت البلاد للحصول على ما سمي بالاستقلال؟ أليس هذا تحقيرا واستصغارا بالتضحيات الجسام التي قدمتها المقاومة المسلحة وجيش التحرير؟ وما موقع هذه المقاومة الباسلة من هذه المعادلة؟
اذن فالقارئ لسياقات الدولية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وافرازاتها الجديدة، سيستشف بكل موضوعية التغير الذي حدث في سياسية الدولة الاستعمارية الامبريالية في علاقتها بمستعمراتها، وما فرنسا المستعمرة لبلاد موراكش لا واحدة من هذه الدول الأوروبية التي تكبدت خسائر قاسية في جيوشها سواء من داخل فرنسا بعدما اجتاحتها النازية ولا خارجها (في المستعمرات)، وأمام هذا الحول في بروز على الساحة الدولية تشكل أحلاف جديدة، وذلك بصعود الحلف السوفياتي القوي (بلغاريا، هنغاريا، رومانيا، تشيكوسلوفاكيا، ويوغوسلافيا) واتساع المد الشيوعي الذي أصبح يهدد كل أوروبا، ودخول الاتحاد السوفياتي لبرلين سنة 1945، هذا كله سيجعل التواجد المباشر لفرنسا وللقوي الامبريالية عامة في المستعمرات أمرا مكلفا للغاية وبالخصوص لفرنسا في ظل بروز معطى ثوري من جديد في المغرب والجزائر بقادة جيش التحرير الذي ينضوي تحت "لجنة تحرير شمال إفريقيا" التي كان وراء تأسيسها الأمير الخطابي في القاهرة، وبالتالي اعلانها للكفاح المسلح بقيادة جبهة التحرير الوطني في الجزائر سنة 1954، وانطلاق جيش التحرير المغربي بقيادة عباس لمسعدي في 2 أكتوبر 1955 وما كبده من خسائر في الجيش الفرنسي، في مثلث الموت، (أكنول، البورد، تيزي وسلي) نواحي تازة، بالإضافة إلى الهزيمة التي تلقتها فرنسا في معركة "ديان بيان فو" في الفيتنام ماي 1955 التي لم يسبق أن عرفها تاريخها الاستعماري من حيث خسائرها...
هذه كانت من الأسباب الرئيسية التي جعلت الاستعمار الفرنسي للمغرب، يفكر في اختيار الجديد الذي يتمثل في الاستعمار الغير المباشر، وهكذا عملت فرنسا على فتح حوار مع عملائها وحلفائها المحليين في المغرب الذين يتمثلون في "الحركة الوطنية" حتى يتم إجهاض تنامي المقاومة وإيقاف القوة المتزايدة لجيش التحرير لمهددة لتواجدها ولمصالحها في المغرب، وبالتالي ستفتح المفاوضات في غشت-شتتبر 1955 ب "إكس ليبلن" بحضور ممثلي "الحركة الوطنية" (حزب الاستقلال، حزب الشورى والاستقلال) وممثلو السلطان والاستعمار الفرنسي، وفي 2 نونبر 1955 سيتم إعلان "نية فرنسا بمنح الاستقلال للمغرب" أما التفاصيل النهائية والاتفاق على البروتوكولات التوافقية بين الطرفين ستعلن حتى 2 مارس 1956، ، وبهذا ستتنازل فرنسا "للوطنيين" على قسط من الثروات التي كانت تسرقها من المغرب حتى تضمن لها مصالحها السياسية والاقتصادية الكبرى، وهذا سيشجع إسبانيا على إبرام اتفاقية على نفس الشاكلة مع محمد الخامس في 2 أبريل 1956.
هكذا ستباع البلاد في سوق نخاسة معاهدة "اكس ليبان" من قبل من يدعي "الوطنية" بأبخس الأثمان، في حين كان الوطنيون الحقيقيون ما زالوا حاملين لسلاح ويخوضون معارك باسلة مع المستعمر، في شخص جيش التحرير، وذلك انسجاما مع مواقف الأمير الخطابي ومشروعه التحرر الشامل، بجلاء كل القوات الاستعمارية عن البلاد، بما فيه الجزر المحتلة إلى يومنا هذا، لكن شاءت الوطنية الزائفة أن تبيع البلاد في معاهدة الخز والعار كما سماها الخطابي، وكما سبق أن وصفها المفكر المغربي المهدي المنجرة ب "الخيانية" ليعودوا للبلاد مهللين بأن "المغرب حصل على الاستقلال" ناسين ومتناسين أنهم باعوا البلاد وفوتوا عليها وعلى شعبها الاستقلال الحقيقي الشامل، بدل الاستقلال الأعرج الشكلي، الذي ما زال المغرب من خلاله يعيش التبعية السياسية والاقتصادية لفرنسا، ومن خلال تنفيذ بنود هذه المعاهدة الخيانية، قام "الوطنيين" بتصفية أعضاء جيش التحرير، حتى يتم تعبيد طريق الحفاظ على المصالح الفرنسية في المغرب المهددة بتواجد خلايا المقاومة الحية، هكذا سيغتال قائد جيش التحرير عباس لمسعدي وآخرون، ويفكك جيش التحرير، وما تبقي منه تم دمجه فيما سمي ب "الجيش الملكي"، وفي الأخير وصلت فرنسا الاستعمارية وعملائها المتمثلين في "الحركة الوطنية" إلى قتل مشروع التحرر الشامل الذي حملته المقاومة المسلحة وجيش التحرير، ومن ثم نجاح خطة فرنسا في الاستعمار غير المباشر للمغرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.