مع وصول 11 يناير من كل سنة تحل على المغاربة ذكرى احتفال بما يعرف ب "تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال" هذه الوثيقة التي ما زالت تدرس لكافة أبناء الشعب المغربي للأسف في "المنظومة التربوية" وتقدم للتلاميذ على أساس أن أصحابها هم الذين كانوا وراء حصول المغرب على "الاستقلال" وهذه من أكبر الأكاذيب ومن أبشع أشكال تزوير التاريخ في المغرب المعاصر، لأن من أرضخ القوى الاستعمارية لتفكير بالخروج من المغرب بعدما أدت مهمتها التاريخية التي تتمثل في حماية المخزن من القبائل المتمردة لا يخصص لذكرهم في تاريخ المغرب الرسمي إلا أسطر قليلة، ولهذا اخترت في هذه المقالة المتواضعة أن أتوقف إلى هذه المحطة التي أراد لها مهندسو تاريخ المغرب المعاصر المفترى عليه، أن يجعلوا منها حدثا هاما يحتفل به المغاربة كل سنة ويتخذوها كعيدا وطنيا ويوم عطلة على غرار المحطات التاريخية الحقيقية التي قادتها المقاومة المسلحة وجيش التحرير، ونتيجة هذا الزيف والتكالب المتعمد على التاريخ من طرف مهندسي التاريخ الرسمي سنحاول بقدر ما أمكن الوقوف إلى هذه الأكذوبة وقفة باحثين في المجال حتى نستطيع تعرية هذه الجوانب الغامضة في التاريخ المغرب والكشف عن حقيقتها للقارئ حتى يعرف كيف استطاع مهندسو تاريخ المغرب تحايل على التاريخ المغربي الحقيقي وكيف بقية هذه الأكاذيب يحتفل بها إلى حد اليوم. فإذا كان مهندسي هذه الأساطير يريدون أن يقنعوا المغاربة أن بهذه الورقة المسماة "وثيقة المطالبة بالاستقلال" ومن خلالها نالوا "الاستقلال" وبهذه الورقة غادرت الجيوش الاستعمارية المغرب حبذ أن يجوبوا لرأي العام المغربي وللباحثين في هذا المجال عن هذه التساؤلات، فهل يعقل لأي دولة مستعمرة (بفتح الميم) أن تنال استقلالها عن طريق ورقة يقدمها المستعمر (بفتح الميم) إلى المستعمر (بكسر الميم) تسمى "وثيقة المطالبة بالاستقلال"؟ هل تحرير أي شعب معين من العدو الاستعماري يكون عن طريق ورقة أو وثيقة مطلبية؟ هل الاستقلال الحقيقي يطلب من المستعمر (بكسر الميم) أو ينتزع بفعل تضحيات أبناء الوطن المستعمر (بفتح الميم)؟ أليست هذه الوثيقة التي تقدم على أساس أن من خلالها حصل المغرب على "الاستقلال الأعرج" خيانة للتضحيات التي قدمها أبناء هذا الوطن في مقاومتها للاستعمار؟ أليس الوقوف إلى هذه الأكذوبة كل عام تحايلا على التاريخ المغربي ومحطاته الخالدة الحقيقية التي قادها أبطال المقاومة المسلحة وجيش التحرير؟ أضن أن الحقيقة واضحة للعيان وأن أي مغربي سواء كان عاش هذه المرحلة التاريخية التي نتحدث عنها أم لم يعشها سيتفق على أن والله لولا التضحيات التي قدمها أبناء الوطن، والله لولا المقاومة المسلحة ومقاومتها الباسلة ولولا أرواح النساء والأطفال والشيوخ ودمائهم الطاهرة التي سالت في الجبال والبوادي، ولولا المقاومين الحقيقيين الذين كتبوا تاريخا عظيما بدمائهم ولقنوا للمستعمر دروس في معنى الوطنية الحقيقية وفي الحرب التي يعترف بها المستعمر (بكسر الميم) نفسه لما تحقق ما يسمى اليوم ب "الاستقلال" ولما رحلت الجيوش الاستعمارية عن الوطن. وحتى لا نتهم بالسقوط وراء السيكولوجيات والإيديولوجيات السياسية الضيقة بكلامنا هذا سنحلل من منطلق الحقائق التاريخية ما دام أن التاريخ هو الحكم الذي يفصل الحقيقة من البهتان والصواب من الخطأ، فإذا كانت فرنسا دخلت إلى المغرب في سنة 1912 كدولة حامية للمخزن المركزي من القبائل المتمردة التي سميت "بقبائل السيبة" وهكذا ستعمل فرنسا على ترضخي (من الرضوخ) هذه القبائل للسلطة المخزن وهذا يتبين من خلال حقائق التاريخية ففرنسا وحلفائها منذ دخولهم إلى المغرب وهم يخوضون الحرب مع القبائل الأمازيغية التي كانت خارج ما يسمى ب "بلاد المخزن" ولم يسجل التاريخ أي مقاومة لفرنسا ولا لاسبانيا من طرف بلاد المخزن بل أكثر من ذلك كانوا يعملون في إطار التعاون المشترك للقضاء على المتمردين أو "الفتانين" على حد تعبير السلطان المخزنى نفسه، وبالتالي هدف الحماية كان هو القضاء على المتمردين وخلق للمخزن دولة جديدة تنضوي تحتها كل القبائل بها فيها القبائل التابعة للمخزن والقبائل المعروفة ب"بلاد السيبة" وهذا ما سيحدث بالفعل فعندما انتهت القوى الاستعمارية من حرب مع القبائل الخارجة عن ولاء السلطان المخزنى سنة 1934 وهناك روايات تاريخية أخرى تقول أن المقاومة لم تنتهي حتى 1936، ستفكر فرنسا في المرحلة القادمة التي تتمثل في بناء الدولة وكيفية خلق حركة سياسية التي من الممكن أن تسلم لها السلطة في بعد ولم تجد من يؤدي هذا الدور أحسن من عملاءها الوفيين الذين كانوا يدرسون في المدارس الفرنسية في الخارج والداخل والذين كانوا أبناء العاملين في الإقامات العامة الفرنسية وأبناء القواد والبشوات والملاكين الكبار، وبالتالي هذا ما يفسر عدم ظهور ما سيسمى ب "الحركة الوطنية حتى سنة 1930 (16 ماي) لكون أن هؤلاء كلهم (الحركة الوطنية) كانوا ينتمون إلا بلاد المخزن ( سلا، فاس، مكناس، الرباط، دار البيضاء...) أي أن فرنسا لم تكن عدوهم الحقيقي بل عدوهم يتمثل في القبائل الأمازيغية التي تنتمي إلا "بلاد السيبة" وهكذا سيخرجنا لقراءة "اللطيف" لأول مرة في مدينة سلا لتصدي للظهير 16 ماي 1930 "المنظم لسير العدالة بالقبائل ذات الأعراف البربرية التي لا توجد بها محاكم للتطبيق الشريعة" وسيسمونه زورا وبهتانا ب "الظهير البربري" مع العلم أنه ظهير صدر من فرنسا وبصم عليه السلطان المخزني بالعشرة، إذن فإذا كان هذا الظهير بالفعل جاء للتفريق بين "العرب والبربر" كما يزعمون سيكون المسؤول الأول عنه هو السلطان لأنه صدر باسمه، يجب أن نعرف أن فرنسا عند دخولها إلى المغرب تعاملت مع الأمازيغية من خلال السياسة البربرية فهي لم تنكر وجودها بل اعترفت بها وصدرت ظهائر لأجل ذلك، من ظهير 1914 الذي "أقر بالقضاء العرفي" إلى تأسيس مدرسة "أزرو" لتعليم الأمازيغية ليصل أوج هذه السياسة البربرية إلى صدور ظهير 16 ماي 1930، وبالتالي هذا للاهتمام بالأمازيغية من طرف فرنسا وفق سياستها البربرية اعتبره عملاءها الذي سيسمون أنفسهم بعد هذا الظهير "بالحركة الوطنية" تهديدا لمصالحهم وامتيازاتهم السياسية والاقتصادية التي كانوا يستفيدون بها في علاقتهم بفرنسا، من هنا يفهم لماذا لم يستعمل هؤلاء كلمة "الاستقلال" إلا بعد 11 يناير 1944 لأنهم كما يقول محمد منيب "لم يفكروا قبل هذا التاريخ (1944) في مطالبة فرنسا بالخروج من المغرب بسبب ما كانوا يجنوه من فوائد وامتيازات وثراء من احتلال المستعمر الفرنسي للمغرب وبقائه فيه"(1) ناسين ومتجاهلين هؤلاء أن فرنسا لو كانت تريد الاهتمام بالأمازيغية بالفعل لا كانت ستقحم الأمازيغية في رسميات الدولة وبالأخص الجريدة الرسمية التي كانت تهتم بكل ما هو رسمي (في غياب الدستور) هده الجريدة التي اقتصر صدورها باللغة العربية والفرنسية وفقط، إذن اهتمام بالأمازيغية كان اهتماما وفق السياسة البربرية والتي لا تقحم في الرسميات الدولة آنذاك، ونفس السياسية التي ستنتهجها الدولة المخزنية اليوم في إطار تعاملها مع الأمازيغية التي سماها الأستاذ محمد بودهان ب "السياسة البربرية الجديدة"(2) التي تحاول الاهتمام بالأمازيغية كلغة وفلكلور ثقافي في إطار هوية الدولة العربية، إذن ظهور "الحركة الوطنية" حتى 1930 لم يكن ورائها دفاع عن الوطن كما يحاول التاريخ الرسمي أن يوهم المغاربة بل من أجل الدفاع عن مصالحها السياسية والاقتصادية المهددة. وهكذا من أجل الدفاع عن مصالحها ستتكتل ما يعرف ب "الحركة الوطنية" في إطار تنظيمات سياسية وجمعيات مدنية حتى تكون هذه التنظيمات ورقة الضغط رابحة للحفاظ على مصالحها السياسية وامتيازاتها الاقتصادية ليس من خارج سلطة دولة الحماية ورفضها بل من داخلها وفي إطار العمل التعاوني المشترك بينهما كما سنبين، وبالتالي عندما أنهت فرنسا الحرب مع القبائل الأمازيغية بعد أن استنفذ لهذه الأخيرة كل مقومات المقاومة على حد تعبير الجنرالات الفرنسيين أنفسهم (لم تستسلم أي قبيلة بدون مقاومة...) بعد هذا بدأت فرنسا تبني تصورا جديدة للمغرب القادم وتحضر لمن ستستلم لهم السلطة فيما بعد من عملائها الأوفياء حتى يقوموا بحماية وحفاظ مصالح الفرنسية السياسية والاقتصادية في المغرب، وفي إطار هذا ستقوم فرنسا بتشكيل لجنة سمية ب Comité de patronage "لجنة الإشراف" التي ستعمل على تحضير ما يعرف ب Cahier des réformes أو "دفتر الإصلاحات"(3) الذي هو عبارة عن كتيب صغير يحتوي على 134 صفحة، هذا الدفتر الذي سينسب فيما بعد إلى "الحركة الوطنية" وستغير اسمه من "دفتر الإصلاحات" إلى "مطالب الشعب المغربي" فمن يطلع على مقدمته سيتبين بوضوح كيف تعتبر (بضم التاء الأولى) فيه الدولة الاستعمارية الفرنسية، حيث ستجد في هذه المقدمة أن "الحركة الوطنية" تقول "أنها هي ليس لها أي مشكل مع الاستعمار الفرنسي ونحن نسعى إلى بناء العلاقات الجيدة معها..." وبالفعل هذا ما كان موجود لأن "الحركة الوطنية" أبدا ما كانت تعتبر فرنسا عدوا لها بل كانت هذه الأخيرة حاميهم من "قبائل السيبة"وشريكهم في إطار العمل، وبعد ما برزت في 1930 مستغلتا الظهير 16 ماي ستتكتل فيما بعد ما يعرف ب "الحركة الوطنية" بهدف تأسيس أول تنظيم لها الذي سيعرف ب "كتلة العمل الوطني" والذي سيصدر باسمه في غشت 1933 جريدة بالفرنسية حملت اسم "عمل الشعب" التي سيتولى الإشراف علها في فاس أحد زعماءها الذي هو محمد حسن الوزاني ودعت هذه الجريدة إلى احتفال ب"عيد العرش" يوم 18 نونبر من كل سنة بهدف التقرب من السلطان والقصر، وفي دجنبر 1934 ستقوم "الكتلة" بتقديم مذكرة تحت اسم "مطالب الشعب المغربي" أي من بنود "دفتر الإصلاحات" إلى المقيم العام والسلطان ورئيس الوزراء الحكومة الفرنسية تقول فيها: -المطالبة بتطبيق معاهدة الحماية (ليس إلغائها !!!) -مشاركة الوطنيين في الوظائف الإدارية (مجالس البلديات والغرف التجارية) -تأسيس مجلس وطني يضم نواب مسلمين ويهود مما يتبين من هذه المذكرة التي أصلها من "دفتر الإصلاحات" أن "الحركة الوطنية" لم تكن تعتبر الدولة الحامية –فرنسا- عدوها الحقيقي وهذا يتبين في مطالبتها في البند الأول بتطبيق معاهدة الحماية وليس بإلغائها، كما يتبين في البند الثاني والثالث من هذه المذكرة أنها كانت تطالب لها بالعمل في إطار التعاون المشترك من خلال إشراكهم "الوطنيين" في الوظائف ومراكز السلطة وهذا ما أكده أحد زعماء هذه الحركة عندما قال "قطع مرحلة من التعاون تحت نظام القائم" علال الفاسي(4)، وفي إطار هذه التعاون نفسه وقبل أن يتأسس "حزب الاستقلال" أرسل ما يعرف ب "الحزب الوطني لتحقيق مطالب الشعب" (بعد أن انشقت كتلة العمل الوطني في سنة 1937 بسبب الصراع على القيادة بين علال الفاسي ومحمد حسن الوزاني عند تأسيس أول مؤتمر للكتلة)-(5) عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية بعثة في غشت 1939 لمقابلة المقيم العام من أجل "التأكيد على التضامن المغربي الفرنسي ومساندة فرنسا أمام الخطر المحدق بها"(6) وبسبب الحرب العالمية الثانية كانت تعمل فرنسا وكل الدول الاستعمارية الأوربية على الانسحاب من مستعمراتها في خارج أوروبا نتيجة ما كبدته هذه الدول من خسائر في هذه الحرب وبالخصوص أوروبا التي اجتاحتها نازية هتلر ودمرتها على آخرها بما فيها فرنسا، هكذا عندما أحست "الحركة الوطنية" أن فرنسا تستعد للخروج من المغرب بسبب ما تعيشه من أزمات على مستوى فرنسا ومستعمراتها في الخارج سيجعل "الأحزاب الوطنية" تلجأ إلى مطالبة لأول مرة "بالاستقلال" في هذا الوقت بالذات بالمنطقة الحماية الاسبانية سنة 1942 و"حزب الشيوعي المغربي" 1943 و"حزب الاستقلال" في 11 يناير 1944 الذي قدم ورقة سمية "بوثيقة المطالبة بالاستقلال" طالبين فيها فرنسا بفسخ معاهدة الحماية و"بالاستقلال المغرب" مع العلم أن فرنسا دخلت إلى المغرب في 1912، فهذه الوثيقة التي يقولون أنها كانت سبب وراء حصول المغرب على "الاستقلال" لم يذكر ولم يحدد فيها طبيعة الاستقلال المنشود ولا المدة التي سيتحقق فيها هذا الاستقلال ولا الخطوات العمل من أجل تحقيقه، ولم تتطرق إلى أهم مقومات الدولة المستقلة متمثلة في السياسة الداخلية والخارجية والجيش والثروات الاقتصادية والحدود الجغرافية، ويذكر عبد الكريم غلاب تلك البروتوكولات التي اعتمدها "الوطنيين" من أجل ترويج لهذه الوثيقة وكيف استعانوا بعلماء الدين واستغلال المساجد (كما فعلوا من أجل التصدي للظهير 16 ماي 1930) من أجل تجيش الغوغاء حتى يتم توقيع عليها وترويجها من أجل التعبئة الشعبية وكيف إيصال الفكرة إلى السلطان والمقيم العام...(7)، لكن ما هو الغريب في هذه الوثيقة عندما تجد في بندها السابع "ضرورة العمل بين فرنسا والوطنيين من أجل إحرام عروبة المغرب" وهذا ما يبن بالملموس أن فرنسا عند دخولها للمغرب لم تأتي لحماية المخزن المركزي وفقط بل من أجل أن تخلق له دولة جديدة ذات سلطة عروبية، لأن فرنسا كانت تعي جيدا أن خلق دولة تمارس السلطة في المغرب باسم الانتماء إلى الأرض كما كانت تمارس قبل 1912 حيث كنا نجد مثلا ظهائر السلطانية موقعة باسم الانتماء إلى "موراكش" (محمد بن عبد الله سلطان موراكش) سيهدد استقرارها وبالتالي مصالحها المشتركة ببن المخزن (وهكذا قبل دخول فرنسا سبقتها بعثات فرنسية دراسية التي عرفت بالجغرافية الاستعمارية حتى تتعرف على القبائل وكيفية تفكيرها وثقافتها)، وبالتالي عملت على هذا النهج باستقطاب القوميين العرب إلى المغرب –زيارة أبوهم الروحي شكيب أرسلان إلى "تطوان" 1928- من أجل التباحث بين عملائها "الوطنيين" وكيف عملت فرنسا بالتوظيف سياستها البربرية عند صدور ظهير 16 ماي 1930 حتى يكون أرضية للمعمل من طريف عملائها ومن بينهم بالمناسبة عبد اللطيف الصبيحي كانت مترجما في الإقامة العامة الفرنسية ومن مبدعي أسطورة "الظهير البربري" كل هذا من أجل سحب البساط من المشروع الفكري التحرري الذي نهجته المقاومة المسلحة وفيما بعد جيش التحرير. وفي ظل هذا الوضع الدولي الذي يعيش على الحرب العالمية الثانية وما عرفتها فرنسا وأوربا من تدمير من طرف النازية وكيف أكبدت الخسائر في هذه الأخير من طرف القوات السوفياتية عند دخولها برلين 1945، وفي ظل تشكل أحلاف جديدة في العالم وذاك بصعود الحلف السوفياتي (بلغاريا، هنغاريا، رومانيا، تشيكوسلوفاكيا، ويوغوسلافيا) واتساع المد الشيوعي الذي أصبح يهدد أوروبا، هذا كله سيجعل التواجد المباشر لفرنسا وللقوي الامبريالية عامة في المستعمرات أمرا مكلفا للغاية وبالخصوص لفرنسا في ظل بروز معطى ثوري من جديد في المغرب بقادة جيش التحرير الذي ينضوي تحت "لجنة تحرير شمال إفريقيا" الذي أسسها الأمير الخطابي في القاهرة، وما كبدته هذه الانطلاقة من خسائر في فرنسا فيما يعرف بمثلث الموت –البورد، تيزي وسلي، أكنول- في 2 أكتوبر1955 وإعلان كذلك الكفاح المسلح بقيادة جبهة التحرير الوطني في الجزائر سنة 1954 وإذا أضفنا إلى هذا هزيمة فرنسا في معركة "ديان بيان فو" في الفيتنام ماي 1955 التي لم يسبق أن عرفها تاريخها الاستعماري، هذه الأسباب هي التي جعل الاستعمار الفرنسي تلجأ إلى الاعتماد خطة جديدة تقتضي بفتح مفاوضات مع من سيضمن في هذه المستعمرات مصالحها السياسية والاقتصادية لأن الاستعمار المباشر لم يعد يلبي حاجياتها في ظل هذا الوضع الثوري الجديد، وهكذا عملت فرنسا على فتح حوار مع عملائها وحلفائها المحليين في المغرب الذين يتمثلون في "الحركة الوطنية" من أجل إجهاض التنامي المقاومة وإيقاف القوة المتزايدة للجيش التحرير وبالتالي ستفتح المفاوضات في غشت-شتتبر 1955 ب "إكس ليبلن" بحضور ممثلي "الحركة الوطنية" (حزب الاستقلال، حزب الشورى والاستقلال) وممثلون للسلطان والاستعمار الفرنسي في 2 نونبر 1955 سيتم إعلان "نية فرنسا بمنح الاستقلال للمغرب" أما التفاصيل النهائية والاتفاق على البروتوكولات التوافقية بين الطرفين ستعلن حتى 2 مارس 1596، وبهذا سيتفقان بتناول فرنسا "للوطنيين" على قسط من الثروات التي كانت تسرقها من المغرب حتى تضم لها مصالحها السياسية والاقتصادية الكبرى، هذا سيشجع إسبانيا على إبرام اتفاقية على نفس الشاكلة مع محمد الخامس في 2 أبريل 1956. هكذا إذن سيباع المغرب في سوق النخاسة من طرف أولائك الذين يدعون "الوطنية" بأبخس الأثمان من أجل مصالحهم السياسية في الوقت الذي كان جيش التحرير المغربي في الجنوب والريف بقيادة عباس لمسعدي يخوض معارك مع الاستعمار الفرنسي وذلك تلبية لموقف الأمير الخطابي بعدم التنازل عن السلاح حتى يرحل آخر جندي استعماري عن كل التراب المغرب بما في ذلك الجزر المحتلة (مليلية، سبة، الجعفرية...) وعن شمال إفريقيا عامة، لكن شاء "الوطنيين" أن يبيعوا المغرب في معاهدة الخز والعار كما سماها "مولاي موحند" وكما سماها المفكر المغربي المهدي المنجرة آنذاك ب "الخيانة"(8)، ويعودوا إلى المغرب مهللين أن المغرب "نجح في الحصول على الاستقلال" ناسين ومتجاهلين أن هؤلاء باعوا المغرب لفرنسا وفوتوا على المغاربة فرصة الحصول على الاستقلال الفعلي بدل الاستقلال الشكلي الممنوح على الأوراق في حين أن المغرب في الحقيقة ما زال تابع لفرنسا بصيغة غير مباشرة وكل القطاعات الحيوية والثروات الطبيعة ما زالت إلى يومنا هذا تابعة لفرنسا، ومن بنود هذه الاتفاقية "تصفية والقضاء على الحركات التحررية" وهكذا من أجل تلبية بنود المعاهدة عاد ما يعرف ب "الحركة الوطنية" لتعمل على القضاء على حركة المقامة التي كانت تتمثل في جيش التحرير لماذا؟ لأنها تهدد المصالح المشتركة بين "الحركة الوطنية" وفرنسا، وبالتالي سيعمل ميليشيات "حركة الوطنية" على تصفية وقتل أعضاء جيش التحرير واختطافهم حتى لا يشكلوا أي خطر على مصالح فرنسا و"الوطنيين"، وهكذا سيتقلد "الوطنيين" زمام السلطة في المغرب ويدونوا أكاذيبه وأساطيرهم التي ما يزال المغاربة للأسف يفق إلى هذه المحطات التي هي في الحقيقة خيانات للوطن والشعب المغربي وما قدموه من تضحيات في سبيل هذا الوطن الجريح. من هنا يأتي منا الدعوة إلى الباحثين الوطنيين الحقيقيين الوقوف إلى تاريخ المغرب القديم والمعاصر وقفة باحثين نزيهين بأقلامهم الموضوعية العلمية حتى يعاد الاعتبار إليه وإلى الشخصيات الوطنية الحقيقية وبطولاتهم الخالدة التي قادوها في المقاومة المسلحة وجيش التحرير (معركة أنوال، بوكافر، لهري...) بدل التطبيل بهذه الأكاذيب وهذه الأساطير التي تسيء إلى تاريخ الوطن والوطنيين الحقيقيين أكثر مما تعلي من شأنهما، ومن بين المحطات الخالدة كذلك التي يجب أن يقف عندها الباحثين ويجب أن تقف عندها جميع الدول في شمال إفريقيا هي محطة 13 يناير التي تؤرخ للتاريخ أمازيغي عريق لا ينكره التاريخ، هذه المناسبة التي تتعلق بالسنة أو التقويم الأمازيغي الجديد التي نحن مقبلين عليها عمى قريب، وأتمنى أن يعمل الكل من موقعه لفضح هذه الخزعبلات وهذه الترهات التي يحاول خونة هذه الوطن أن يجعلها حقائق ثابتة مع العلم أنها أساطير وأكاذيب ليس إلا. المراجع (1) "الظهير البربري أكبر أكذوبة سياسية في المغرب المعاصر" محمد منيب ص:28 (2) "في الهوية الأمازيغية للمغرب" محمد بودهان (3) ندوة تحت عنوان "من تعريب السلطة إلى تعريب الإنسان والمحيط" محمد بودهان http://www.youtube.com/watch?v=S4SNI0VskjM (4) "المناضل-ة- العدد 11 مارس 2006 (5) "الأحزاب السياسية المغربية 194-1975" منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي. محمد ظريف (6) "كراسات حزب الاستقلال" بعنوان (المغرب) (7) "تاريخ الحركة الوطنية المغربية من نهاية حرب الريف إلى إعلان الاستقلال" الجزء الأول. عبد الكريم غلاب (8) "المغرب في السوق النخاسة" منشورات http://www.goud.ma للتواصل معنا [email protected] https://www.facebook.com/Wakim.amghnas.amazighe