شهدت مدينة الناظور منذ بضعة أيام مؤتمرا "باميا" حضره بعض قياديي الحزب وصقوره البارزين في عالم السياسة والأعمال أيضا، نظرا لكون الجرار يتحرك على عجلتين بالتوازي، سياسية ومالية، مع ما تطرحه هذه العلاقة الغير شرعية بين المال والسلطة من إشكاليات عميقة سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، حيث تغيب الشفافية ويغيب المبدأ وتسود لغة القوة على الجانبين. عرف أيضا هذا اللقاء توافد أعضاء جدد قيل أنهم ينتمون إلى الحركة الأمازيغية، وهو ما أثار ضجة إعلامية وسياسية. بين من اعتبر الأمر كونه لا يعدوا أن يكون زوبعة في فنجان، الغرض منها دغدغة عواطف الممانعين الرافضين جملة وتفصيلا لأي مشروع سياسي مخزني، خاصة والحالة هذه، أن الحزب مرتبطة بمؤسسة القصر ذات الباع الطويل في تهميش وتفقير وتهجير الشعب الأمازيغي، بل هي المؤسسة التي كانت وراء تصفية جيش التحرير ومحاربة الفكر التحرري الأمازيغي الذي يشكل التيار الأمازيغي الممانع امتدادها الموضوعي. ولذلك اعتبر أصحاب هذا الرأي أن الأمر ليس سوى سحابة عابرة يسعى من خلالها المهندسين الإعلاميين والسياسيين من أذرع المشروع المخزني إياه صرف الرأي العام لأمور جانبية وبالتالي تجنب خوض النقاش العمومي حول ملفات الفساد والنهب واستغلال ثروات الشعب من طرف النظام القائم وزبانيته التي يشكل هذا الحزب إحدى أعمدتها الأساسية. ومن الجانب الآخر، اعتبر بعض المتتبعين عن قرب لما يجري ويدور في ظواهر وبواطن الأمور، أنه لا يجب النظر من خلال هذه الزاوية إلى النزول الأخير لصقور البام إلى مدينة كانت أول مدينة ريفية شهدت ميلاد جمعية أمازيغية تحمل "الفكر البديل" في آواخر السبعينات من القرن المنصرم، بيد أن الناظور المعروفة بديناميتها الأمازيغية الممانعة التي طالما كان يُنظر إليها بكونها تلك الصخور الصلبة التي تكسرت عليها فقاعات أضغاث الأحلام المخزنية التي تسعى لتركيع الريف وأبنائه، ومحطة 1984 شاهدة على المنحى. بل وحتى عجلات التراكتور كانت قد فشت على أشواك المشاكل الاجتماعية، السياسية والاقتصادية التي ساهم المخزن بسياساته في نموها منذ منتصف خمسينات القرن المنصرم، حتى ظن البعض أنها آخر مدينة يمكن أن تسقط أمام وحش مخزني يغرس مخالبه المسمومة كل يوم أكثر في نسيج اجتماعي ممزق أصلا. لكن، يظهر أن المدينة "الحصينة" حذت حذو مدن ريفية أخرى كطنجة والحسيمة وسقطت بين أيدي هذا الوحش دون أية مقاومة تُذكر، وفي رمشة عين، وذلك بمجرد ما قرر الماسكين بزمام الأمور، سواء بتوافق أم لا مع النسيج السياسي المحلي، الدخول لهذه المدينة وتحويلها إلى بؤرة من بؤر الأخطبوط الفاسد والمتعفن إياه، ولنكتشف مع هذا الاقتحام البامي لقلعة الناظور أننا أمام كائنات كارطونية مصبوغة بالألوان الأمازيغية حتى دون أن تكون في رصيدهم أية صلة بالدينامية الأمازيغية التي ظلت ممانعة وأعطت الكثير من الشهداء والمعتقلين والمهجرين قسرا. كائنات كارطونية يسيل لعابها لامتيازات السلطة والمال التي جمعها حزب القصر، ادعت الأمازيغية لتجعل منها حصان طراودة تملئ بها قاعدة بياناتها الشخصية من أجل إطالة يد الاسترزاق على قضية لم تدافع عنها قط. وفي هذا المضمار، نشير إلى أنه حتى قياديي البام يدعون انتمائهم إلى هذه الدينامية الأمازيغية التي تتعرض للقمع كل يوم أكثر، وحتى عراب الحزب "إلياس العماري" يدعي ذلك، فهل يمكن أن نسميه مناضل أمازيغي يا تُرى؟ إن ما هو معروف عن هذا الحزب المخزني هو كونه يمتلك مشروع بعيد المدى، وهو نسخة طبق الأصل لجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، أو ما يُعرف اختصارا بالفيديك، بل وحتى لحزب الاستقلال الذي عمل على تقوية المؤسسة الملكية ومحاربة امتدادات جيش التحرير في مرحلة ما بعد انسحاب الجيش الفرنسي (أقول هنا الجيش وليس فرنسا، فهذه الأخيرة لا تزال حاكمة بما يسمى بالمغرب إلى يومنا هذا). لقد ظهرت أولى بوادره مع رفع الدولة لشعار "العهد الجديد" مع ما رافق ذلك من حملة إعلامية وسياسية تروج للمفهوم الجديد في بركة سياسية على وشك الانفجار، وهو شعار كان ولا زال يُقصد به حلفاء جدد وأتباع جدد وحتى خونة جدد، وبعيدا كل البعد عن المعنى الذي يمكن أن يذهب إليه القارئ السطحي لمثل هذه الشعارات الرنانة. لقد خُلق إذن الحزب بالعملية المعروفة في المكان المعلوم ليكون حليفا جديدا لدولة تقليدية لا زالت تعتمد على أساليب تقليدية قائمة على الترهيب والتخويف، بل حتى الاغتيال، وهي نفس الأساليب التي استطاع بها هذا الحزب تركيع جزء لا بأس به من النخبة السياسية والمدنية الريفية في وقت فشلت فيه المؤسسة الملكية في ذلك طيلة ما يناهز الخمسة عقود. لقد كان ما حققه الحزب ليومنا هذا بالاعتماد على الخونة من أبناء الريف الذين تم تسلقوا صخور الرحامنة لتقديم الولاء لعراب المخزن الجديد ثم السير على خطاه الرامية لتركيع أبناء الريف الصامد. إننا نعرف جميعا كيف تمت صياغة الخطوط العريضة لهذا الحزب الذي يشكل ذراعا سياسيا لمشروع مخزني أوسع وأشمل، وكيف تمت عملية ولادته داخل دهاليز القصر كمشروع سياسي متكامل، وحتى مناوراته هنا وهناك، ومنها استقالة صاحب المشروع الذي نزل من سيارة الداخلية زاعما أنه يسعى إلى إعادة هيكلة المشهد السياسي، قبل أن يدخل إلى القصر من بوابته الواسعة كمستشار لمحمد السادس، وهو يمسك بكل خيوط الداخلية والأمن والبام، ومتأبطا تحت ذراعه مختلف الملفات الحساسة. إنه مشروع أمني بكل امتياز ويختبئ وراء جلباب السياسة، سخر له عرابه بعض الريفيين ليقوموا بتسويق المشروع بكونه مشروعا سياسيا ريفيا علما أن باطنه المخزن المتعفن. ظاهره الخير والأمان وباطنه شتى أنواع المكر والخداع والشر، ولا يهدف سوى إلى تركيع أبناء المناطق الممانعة وصهرها في بوتقة النظام، خاصة الريف والصحراء الغربية من خلال استعمال أبناء المناطق نفسها من الخونة الذين فضلوا الاصطفاف في طابور المهانة والخنوع من أجل الشقق الفاخرة والأرصدة المنفوخة. وعليه قلنا بأن هذا الحزب ليس كغيره من الأحزاب، لأنه لأول مرة يتم فيه إسناد مسؤولية تسيير الحزب، وبالتالي تنفيذ المشروع المخزني المُشار إليه، لأطر ريفية تشتغل في إطار الدائرة المرسومة سلفا من طرف مهندسي الحقل الأمني والسياسي، قبل أن تلتحق، أو تحاول الالتحاق بنفس الدائرة بعض الوجوه الشابة الانتهازية المشاغبة التي ركبت التراكتور مؤخرا بالناظور مستفيدة من بعض الامتيازات الموسمية. لكن ما تجاهله عراب المشروع المخزني المذكور بالنيابة إلياس العماري وزبانيته الإنتهازيين من الوجوه الجديدة بالخصوص، هو أن المخزن لا يعترف بأي جميل وأية خدمات، ولا يستعمل هؤلاء الفاقدين لبوصلة التمييز السياسي إلا لأجل تجاوز المرحلة الحرجة، ثم الرمي بهم إلى مزبلة التاريخ مثل أية مناديل مستعملة كما فعل من الذين سبقوهم في نفس الطريق. حينها ستكونون أيها المغرر بهم مثل تلك العاهرة التي فقدت كل شيء وظلت تنتقل بين المواخير، وفي ذلك عبرة لكم.