تناولنا في مقالات سابقة منهجية الإسلاميين في تعاملهم مع القناعات والآراء المخالفة لتصوراتهم وتوجهاتهم العقائدية والسياسية، التي يعتمدون فيها على أسلوب التدليس والافتراء. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يعتمدون أيضا على أسلوب الشتم والسب المرفوض دينيا وحضاريا.، وهي نفس المنهجية التي نهجها - مع الأسف - الشيخ نجيب الزروالي في " مناقشته " لتصورات وآراء الدكتور عدنان إبراهيم. هذا إذا ما اعتبرنا - تجاوزا - أن ما قام به الشيخ المذكور سلفا يندرج ضمن خانة المناقشة وليس الشتم والتشهير بشخص الدكتور عدنان إبراهيم الذي يعتبر من ابرز المفكرين العرب الإسلاميين في الوقت الحاضر ، حيث شن كعادته هجوما لاذعا على الرجل دون أي مبرر منطقي يبرر من خلاله أسلوبه المتخلف في الرد على خصمه، واصف إياه بأوصاف لا تليق بمن يدعي العلم والمعرفة أولا، ويدعي ثانية تمثيله للإسلام " الصحيح " عموما، والإسلام السني خصوصا، ومنها وصفه "بالزنديق" و الفاسق " تارة و" بالخبيث والمجرم " تارة أخرى ، دون أن يحاول التطرق إلى جوهر الخلاف والنزاع الفقهي القائم بينه ( الزروالي) وبين عدنان إبراهيم، المتمثل في مواقف هذا الأخير من عدة قضايا ومواضيع فقهية وتاريخية، ومنها مسألة الصحابة وعدالتهم المزعومة، خاصة أن جميع المراجع والحجج التي يعتمدها الدكتور عدنان إبراهيم في نقده (مثلا) لرأي القائل بعدالة الصحابة هي مراجع سنية بامتياز. (25) وفي هذا الأمر بالذات تكمن قوة الدكتور عدنان إبراهيم الذي ينتقد خصومه من داخل مرجعيتهم والياتهم المعتمدة في صياغة وطرح وجهات نظرهم المختلفة. هذا إضافة إلى امتلاكه لقدرات معرفية وعلمية هائلة في شتى العلوم الحديثة، وهو الأمر الذي يفتقده معظم الوهابيين المنتقدين له، وعلى رئسهم الشيخ الزروالي الذي يشتم أكثر مما ينتقد، ويصرخ أكثر مما يوضح/ يفسر، وينقل أكثر مما يجتهد/ يفكر. (26) ربما يعتقد الشيخ الفاضل – نجيب الزروالي – أن صراخه من فوق منبر رسول الله كافيا لتصديق ادعاءاته ومغالطاته الفقهية والتاريخية ؟ ولا ندري أن كان يعتقد أيضا أن المستمع – الموضوعي والنزيه – لخطبه التافهة في واقع الأمر سيوافقه في أسلوبه المنحط في رده ؟ فإذا كان يعتقد بهذا فهو على خطأ عظيما؟ فانا شخصيا مثلا لا يهمني أطلاقا من يكون عدنان إبراهيم: هل هو زنديق، كافر، سني، شيعي، ماركسي أو مسيحي ؟ بقدر ما يهمني أولا وأخير، كمتتبع وباحث عن الحقيقة ما يقدمه بخصوص المواضيع التي يتناولها ويعالجها بمنهجية موضوعية واضحة ومقنعة. و يهمني ثانيا الحجج والبراهين التي يطرحها في صياغة ما يقدمه من المواقف والآراء التي قد نتفق معه في بعضها ونرفض البعض الآخر. (27) وفي سياق ذكرنا لطريقة تناول الشيخ الزروالي لمواضيع اختلافه مع الدكتور عدنان نشير هنا إلى أن عددا من المواطنين المغاربة بمدينة بني أنصار ونواحيها طالبوا في وقت سابق بوقف هذا الشيخ من مزاولته للعمل كخطيب بالمسجد الذي يشتغل فيه بسب أسلوبه المتشدد والعنيف مع مخالفيه. ففي عريضة الاحتجاج التي أصدرها هؤلاء المواطنين نقرأ ما يلي " أن دروس وخطب هذا الأخير ( المقصود هنا هو الشيخ الزروالي ) تكون عبارة عن هجمات شرسة يشنها ضد من لا يوافقه الرأي ويخالفه عقائديا وفكريا .." . (28) وعليه يمكن القول أن الشيخ الزروالي الذي يعتقد – ربما - بامتلاكه للحقيقة المطلقة فيما يزعمه بشأن عدنان أبراهم وآرائه النقدية التنويرية يكتفي بمناقشته كشخص فقط ولا ينفد إلى صلب الموضوع وجوهر الخلاف والنزاع القائم بينه وبين عدنان إبراهيم ومؤيده، إذا ما اعتبرنا رده - تجاوزا – كما قلنا أعلاه - مناقشة وليس قذفا وشتما في حق عدنان إبراهيم ، بل وفي كل من يوافقه الرأي، ومن ثم فانه لا يناقش أفكار وحجج خصمه في الرأي ، بالرغم أنه شخصيا ( = الزروالي) يحتج بشدة ضد من يناقشه كشخص ولا يناقش آرائه وأفكاره، وبالتالي فهو يطالب من منتقديه مناقشة أفكاره وآرائه والكف عن مناقشته كشخص، علما أنه لا يتوفر على رأي واجتهاد شخصي يمكن مناقشته فيه، وإنما يعمل على اجترار ما هو موجود في الكتب التراثية فقط. وبالتالي فانه يقوم باجترار المواقف التي سبق أن عبر عنها مجموعة من شيوخ الوهابية لا غير، وهي – بالمناسبة - نفس الآراء والمواقف التي يعمل عدنان إبراهيم وغيره من التنويريين والحداثيين على نقدها وتفكيكها اعتمادا على المناهج والعلوم الحديثة، حيث أنه من الصعب جدا على كل من له ذكاء بسيط وعادي جدا، ومستقل في اختياراته وتوجهاته ، أن يطعن في مصداقيتها وشرعيتها، خاصة في ظل غياب أي رد علمي ومنطقي – إلى حدود الآن – على اجتهادات عدنان إبراهيم بشكل عام، واجتهاده في مسألة الصحابة موضوع حديثنا.(29) لنقتصر هنا على مثال واحد فقط ، ولكنه غني بالدلالة : يرفض الدكتور عدنان إبراهيم رفضا باتا الحديث القائل بأن الرسول (ص) مات مسموما كما هو في الحديث المذكور في الصحيين، وهو حديث معروف ومشهور لدى عامة المسلمين. وتفاصيل هذا الحديث هو – باختصار- أن امرأة يهودية دست السم للرسول (ص) ومات بسببه بعد أربعة سنوات من " تناوله " ، فالدكتور عدنان يقول انه لا يمكن تصديق هذا الحديث حتى ولو كان صحيحا من الناحية الدينية؛ أي انه حديث قوى المتن والسند، وذلك لسببين أساسيين: الأول هو علمي، والثاني هو ديني (قرأني)، فعلى مستوى السبب الأول هو أنه لا يمكن قبول هذا الحديث بناءا على الاكتشافات العلمية الحديثة التي تؤكد عدم وجود أي نوع من السم ذات مفعول بعد مرور أربعة سنوات على تناوله. أما على المستوى الثاني، فلا يمكن قبول هذا الحديث - القائل بأن الرسول (ص) مات بالسم - نظرا لوجود نص قرأني حاسم وواضح في هذا الجانب وهو قوله تعالى : (( والله يعصمك من الناس)) .(30) وبالتالي كيف سنتعامل مع هذا التناقض الواضح بين الحديث والقرآن من جهة، وبين العلم والدين من جهة ثانية. (31) وهذا الأمر يطرح إشكالات عويصة جدا، خاصة إذا ما تمادينا في الاعتقاد السائد بأن الرسول (ص) مات نتيجة التسمم ، ومن بين الإشكالات والأسئلة التي يطرحها الموضوع، وبقوة، هي : إذا كان الله قد قال في كتابه العزيز (( والله يعصمك من الناس )) فكيف يقال لنا أن النبي محمد صلوات الله عليه مات بالسم؟ فأين وعد الله لنبيه بالحماية ( بالعصمة) ؟ وهل سنصدق كلام الله الواضح والبين جدا فيما يخص عصمة النبي أم سنصدق كلام البشر المنسوب للرسول(ص) ؟ وإذا كانت هذه القصة؛ أي: قصة موت النبي بالسم صحيحة مائة في المائة كما هي في الصحيحين ( البخاري ومسلم)، فلماذا تخل الله على عصمته للنبي؟ وهل يعقل أن يتناقض الله في كلامه والعياذ بالله ؟ وفي سياق حديثنا عن التناقض القائم بين العلم والدين، نذكر هنا فقرة من كتاب المفكر الليبي الصادق النيهوم " الإسلام في الأسر : من سرق الجامع وأين ذهبت يوم الجمة ؟ " نظرا لأهميتها وعلاقتها بالموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه في هذا الباب ، يقول الكاتب في كتابه المذكور – ص 135 – (( مصطلح الحديث، اسمه [ علم السنة] في لغة الفقه. وهو علم لا يعترف بمنهجية العلم، بل ينتحل لنفسه صفة القداسة، ويتوجه لاستنباط أحكام شرعية من أحاديث منسوبة إلى رسول الله، من دون دليل علمي واحد. لكن الصفة الأكثر مدعاة للريبة، في منطق هذا العلم المقدس، أنه يقوم صراحة على مخالفة صريحة لسنة رسول الله بالذات )). (32) نضيف إلى ما تقدم ، لم يكتفي الشيخ الزروالي بالهجوم على الدكتور عدنان إبراهيم فقط، بل شمل هجومه أيضا " مؤيده " و "أنصاره " (= عدنان إبراهيم) ، أو على الأقل الذين يحترمون وجهة نظره، أمثال الدكتور سليمان العودة وطارق السويدان وغيرهم، واصف إياهم بطريقة استهزائية ب " طلاب العلم " فقط ، دون أن يقول لنا ما هي مكانته بين هؤلاء الطلاب الذين يستهزئ بهم؟ علما أن شهرة ومكانة هؤلاء الأشخاص الذين ينتقدهم الشيح الزروالي تفوق شهرته هو. فمن يعرف نجيب الزروالي في السعودية مثلا ، أوفي اليمن، أو في مصر أو في غيرها من البلدان الإسلامية ، بل ومن يعرفه حتى داخل وطنه الأصلي؟ علاوة على هذا لم يقدم لنا الشيخ الزروالي، كغيره من الوهابيين المتشددين، أية حجة تثبت ما يدعيه في حق عدنان إبراهيم، ماعدا تكراره المستمر طيلة الخطب التي ألقاها بخصوص مواقف عدنان إبراهيم ، للعبارة التالية: " عدنان إبراهيم الزنديق، المجرم، الخبيث...، دارس الطب والفلسفة، الهارب إلى بلاد النصارى .." مع أعادة ذكره فقط لما هو موجود ومعروف عن الصحابة عامة، وعن أبو هريرة وعثمان خاصة، دون أن يتطرق إلى تناول الحجج التي صاغها عدنان إبراهيم في تبرير مواقفه ومن ثم دحضها وإبراز ضعفها وعدم معقوليتها ومنطقيتها، وذلك من أجل معرفتنا ( كمتتبعين لهذا " النقاش") أين يكمن الصواب، هل يكمن مع الشيخ الزروالي أم ضده ؟ فالعقل الذي يحترم نفسه ويحترم غيره، لا يقبل بتاتا الحديث بالصيغة التي تحدث بها الشيخ الزروالي في رده على الدكتور عدنان إبراهيم، حيث يكرر على مسامعنا قال عدنان ابر اهمم كذا.. وكذا.. وكدا .. الخ ، دون أن يبين لنا سياق الحديث؟ وأين قال ذلك ؟ فالإطار العام للحديث مهم جدا لمعرفة حقيقة ما عبر عنه الدكتور عدنان إبراهيم، تماما كما هو الأمر عندما نتناول آية من آيات الله ، حيث من الضروري معرفة أسباب نزول تلك الآية، وذلك من أجل معرفة أسباب وسياق نزولها حتى لا تفقد (= الآية) معناها الصحيح والمحدد في القرآن. هذا بالإضافة إلى نهجه لأسلوب التلفيق والكذب عبر تقديمه لمعطيات فقهية وتاريخية خاطئة سنكشف عن بعضها في الحلقة القادمة ، حيث لا ندري أين موقع كلام الله آلاتي " وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى " في خطاب الشيخ الزورالي ؟ فمن خلال خطبه ( خاصة الخطبة التي تناول فيها موقف عدنان من الخليفة الثالث) يتضح لنا مدى الجمود والغلو والتطرف الذي يعاني منه الشيخ الزورالي وحبه للذات. فالشيخ (هداه الله ) يريد أن يقول للعالم انه لا احد يفهم في الدين غيره، ولا احد يملك الحقيقة غيره، ونحن نقول له ونرد عليه بكلمتين فقط: الأولي: من تواضع لله رفعه. والثانية: الحجة يرد عليها بالحجة وليس بالشتم والسب. يتبع ...
بعض الهوامش الضرورية:
25: من المراجع التي يعتمدها الدكتور عدنان إبراهيم في نقده للمواضيع التي يتناولها، فبالإضافة إلى القرآن الكريم، يعتمد على سبيل المثال فقط على : صحيح البخاري، صحيح مسلم، الطبري، ابن تيمية، ابن كثير، ابن الأثير، ابن حزم، البيهقي، الألباني وغيرها من الكتب السنية المعتبرة لدى أهل السنة والجماعة. 26: من الملاحظ في ردود الشيخ الزروالي أنه يردد ما سبق أن رده مشايخه حرفيا تقريبا من الردود التي أوردها مجموعة من شيوخ الوهابية في ردهم على عدنان إبراهيم، أمثال المدعو عثمان الخميس، وبالتالي فإنه لم يقدم أي شيء يذكر في هذا المجال. 27: نؤكد هنا أن حديثنا عن الدكتور عدنان إبراهيم بهذا الشكل ينضوي في أطار إبرازنا للحقيقية، وإنصافنا للرجل لا غير، لكن دون أن يعني ذلك أننا نتفق معه في جميع الآراء والمواقف التي عبر عنها. 28: انظر في هذا الصدد مقال السيد علاء الدين السليماني " خطاب ودروس " الزروالي " تثير غضب وسخط مسلمين بالناظور" المنشور على الموقع التالي: www.rifday.com 29: معظم الردود المنشورة إلى حد الآن بخصوص آراء ومواقف الدكتور عدنان ، سواء الصوتية أو الكتابية، تنقسم إلى نوعين في نظرنا: النوع الأولى هو يمتز بالرفض، والاستنكار، والشتم، والقذف في شخص عدنان إبراهيم. والنوع الثاني يمتز بتكرار الآراء القديمة بشأنها ومحاولة تبريرها ، ومن ثم الدفاع عن صحتها وصدقها دون أن يقدم لنا الحجج المنطقية الدامغة التي تبرر مشروعيتها وصحتها. 30: للمزيد من المعلومات حول الموضوع يرجى مراجعة الرابط التالي مثلا : http://www.youtube.com/watch?v=t-HtLsNbVm8 31: راجع في هذا الصدد مقالنا السابق أعلاه " جدلية العلم في الخطاب الإسلامي: على موقعنا الفرعي في الحوار المتمدن http://www.ahewar.org/m.asp?i=4495 32: نشير هنا إلى أن الكاتب ( الصادق النيهوم) يقصد بالعبارة التالية " مخالفة صريحة لسنة رسول الله بالذات " مخالفة القرآن ولا يقصد بها ما يعرف بالسنة، كما أوضحه ذلك في الصفحة 138 من نفس الكتاب بحيث يقول " فكلمة [ السنة] لا تعني – لغويا- نص الحديث النبوي، بل تعني نص القرآن . وهي حقيقة يسهل اثباتها بشهادة من القرآن نفسه الذي لا يدخر وسعا، في الإعلان عن وحدة السمة بين جميع السنن " .