أولا: مقدمة عامة: لعل الحديث عن موضوع الصراع الدائر الآن بين السنة والشيعة، خاصة بين السنة والروافض التي تعتبر من اكبر الفرق الشيعية، عددا وانتشارا ، له حساسية خاصة بين العاملين في حقل الفكر الإسلامي عموما، وفي حقل الفكر السياسي الإسلامي خصوصا، لأنه فهم ؛ أي الصراع السني – الشيعي، ( في تقديرنا) على غير حقيقته، حيث يغلب عليه النزعة السياسية والإعلامية. وفي ظل هذا السياق، وسياقات أخرى عرفها ما يسمى بالوطن العربي خلال العقدين الماضين، برز هذا الصراع مجددا، وبشكل قوي ومثير للانتباه، خاصة بعد تدمير العراق. ونتيجة لذلك ، سار يهدد العديد من المجتمعات " العربية " والإسلامية ( العراق، لبنان، اليمن، سوريا، مصر، البحرين.. الخ)، كنتيجة حتمية لتضافر العديد من العوامل الموضوعية التي أدت في نهاية المطاف إلى تنامي العداء الطائفي بين السنة والشيعة من جديد كما أسلفنا ، حيث وصل الأمر في بعض الأحيان إلى تبادل العنف ( الاقتتال) بين الطرفين المتنازعين على أمرين جوهرين: الأول هو حول من يمثل الإسلام الصحيح ، والثاني هو حول من يقود المسلمين. وهي أسباب يمكن تلخيصها في أربعة أسباب رئيسية وأساسية في نظرنا، وهي: * السبب الأول: هو فشل الأنظمة الوطنية في الدول " العربية " - بشكل عام - في تحقيق أمال وتمنيات شعوبها في التحرر والانعتاق، حيث أنها فشلت على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كما فشلت أيضا على المستوى الثقافي والتعليمي والتربوي..الخ، وبالتالي، فإنها فشلت في القضاء على الأمية والفقر والتعصب القبلي والطائفي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فشلت أيضا في تحقيق التعايش الثقافي والديني والعرقي القائم داخل مجتمعاتها المتعددة الروافد الثقافية واللغوية، والانتماءات الدينية والعرقية، حيث لم تستطيع، بل بالأحرى، لم تعمل أصلا على نشر ثقافة التسامح والتعايش الديني والطائفي والعرقي عبر وضعها لسياسة واضحة في هذا المجال، وذلك من خلال وضعها لبرامج تعليمية وثقافية علمية تقدمية تهدف إلى تحقيق المساواة الكاملة بين مواطني بلدانها، وبالتالي تحقيق مبدأ المواطنة للجميع. حيث أن كل ما عملت على تحقيقه في هذا المجال هو فرضها لنوع من الانسجام والتوازن الاجتماعي والطائفي المزيف عبر ممارستها للترهيب والقمع الممنهج؛ أي أنها فرضت التعايش الطائفي والعرقي من الأعلى إلى الأسفل وليس العكس، وفق ما يخدم مصالحها السياسية والإستراتيجية( الأمنية تحديدا). لهذا، سريعا ما برزت الطائفية من جديد مع بداية انهيار الأنظمة القمعية فيما يمسى بالوطن العربي ( حالة العراق نموذجا) . ومن هنا نرى أنها فشلت( = الأنظمة العربية) فشلا ذريعا في تحقيق المجتمع الديمقراطي العلماني ( خاصة تلك الأنظمة التي كانت تدعى الاشتراكية والعلمانية) الذي كان بإمكانه أن يستوعب جميع الأجناس والألوان الطائفية والعرقية والدينية واللغوية والثقافية المتعايشة في بلدانها مند قرون طويلة؛ وهو (= المجتمع الديمقراطي العلماني ) الذي لا بديل عنه في ظل السياقات والظروف السائدة الآن فيما يسمى بالوطن العربي. * السبب الثاني: هو التوظيف السياسي للدين من قبل الأنظمة الحاكمة بما فيها تلك الأنظمة التي كانت تعتبر نفسها اشتراكية وعلمانية، وبالتالي، فإن اخطر ما أنتجته هذه الأنظمة الاستبدادية على الإطلاق هو إنتاجها لثقافة الولاء للدين والطائفة وليس الولاء للوطن، هذا إلى جانب إنتاجها لمعظم حركات وجماعات الإسلام السياسي خلال العقود الماضية من القرن المنصرم (= عقد الستينيات والسبعينيات والثمانينيات..) نتيجة صراعها السياسي والإيديولوجي مع القوى اليسارية الثورية آنذاك، حيث كانت هذه الجماعات ( = جماعات الإسلام السياسي) تعتبر من ابرز الآليات التي وظفتها الأنظمة العربية لضبط التوازنات السياسية في بلدانها. * السبب الثالث: هو التطور الحاصل على المستوى التكنولوجي خلال العقدين الماضين حيث وفر لنا إمكانية التواصل مع الآخر(المسلم والغير المسلم). كما أنها وفرت لنا كذلك إمكانية الحصول على المعلومة بطريفة مريحة وسريعة في نفس الوقت، إلى جانب إتاحتها لنا إمكانية متابعة الأحداث والتطورات التي يشهدها العالم في وقتها ولحظتها، وذلك من خلال الانترنيت والقنوات الفضائية (لهذا السبب يحرم مثلا الشيخ نجيب الزروالي متابعة القنوات الفضائية الشيعية: انظر المرجع المذكور ضمن قائمة المراجع أسفله). * السبب الرابع: يتعلق بالصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، خاصة الصراع العربي الإسرائيلي، فالكثير من الناس الذين نعرفهم عن قرب( ومنهم من تشيعوا) ، خاصة الغير المتعلمين والمهتمين بالفكر الديني عموما، وبالصراع السني – الشيعي خصوصا، تعرفوا عن المذهب الشيعي من خلال المقاومة التي يقودها حزب الله في الجنوب اللبناني. على أية حال، يعتبر موضوع الصراع السني – الشيعي عموما، والسؤال السابق (الروافض مسلمون أم كفار؟) خصوصا، من أكثر المواضيع والأسئلة المطروحة، قديما وحديثا ، في الفقه الإسلامي السني، حيث يتجدد ( بشكل خاص) مع حلول عاشوراء من كل سنة. لكننا سوف لا نسعى هنا للخوض في التفاصيل التاريخية والفقهية لهذا الصراع، ولا سوف نسعى للإجابة عن السؤال السالف، سواء في هذا المقام ( = المقال)، أو في أي مقام آخر، فهذا الأمر لا يعنينا ولا يهمنا بأي شكل من الأشكال، وذلك لكوننا مقتنعون ومؤمنون اشد الإيمان بأن مسألة الأيمان والكفر هي مسألة شخصية أولا وأخير، كما أننا متيقنون اشد التيقن بأن الله سبحانه وتعالى هو من يحق له فقط أن يقرر من هو الكافر ومن هو المؤمن من عباده ( الإنسان ) المخلصين والغير المخلصين، وليس من حق الإنسان مهما كانت مكانته العلمية والدينية، خاصة إذا ما لم يعلن المرء عن كفره بالله بشكل واضح وصريح بحيث لا يحتمل الشك والتأويل، ومن هنا فإن مسألة تحديد، وتقرير ، المصير الأخروي( من الآخرة) للإنسان يعتبر من الاختصاصات الخاصة بالله وحده فقط ، والقرآن الكريم واضح وصريح في هذا الموضوع، (1) وبالتالي، فكل من يقوم بتكفير الناس يعتبر في نظرنا من المعتدين على حقوق الله الخاصة. وبناءا على هذا التوضيح الضروري في تصورنا يمكن القول أن الخطابات التكفيرية المتبادلة بين الشيعة والسنة، التي نتابعها عبر مختلف الوسائل الإعلامية الحديثة هي خطابات سياسية بامتياز ولا علاقة لها بالدين المحمدي الصحيح كما نعرفه نحن على الأقل؛ وهي خطابات تعبر أولا عن عجزها الفكري على مجابهة الآخر (= الخصم السياسي والفكري) بالعقل والحجة كما يفرض ذلك العقل( = العقل العلمي) والدين (2) ، وثانيا تعبر عن الانحراف والمغالاة في تفسير وتأويل النص الديني ( القرآن والسنة)، بالرغم أن المغالاة في الإسلام لا يجوز شرعا وفق العديد من النصوص الدينية (3)، ومن مظاهر الانحراف والمغالاة في الفكر الشيعي - على سبيل المثال – هو تكفيرهم لجميع الصحابة تقريبا وسبهم لعائشة وأبي بكر وعمر وعثمان .، أما في المقابل الآخر ؛ أي في الجانب السني ، فمن مظاهر الانحراف والمغالاة عندهم تعظيم وتبجيل الصحابة والتابعين من الأئمة والفقهاء. فعلى سبيل المثال فقط، يعتبرون أن مسألة الاقتياد بنهجهم والتراضي عليهم ( = الصحابة والتابعين) دون استثناء وتمييز هو واجبا دينيا لا نقاش فيه ، حيث أن " اتباعهم هدى، وخلافهم ضلال " (4) ، وبالتالي، فكل من يشكك في نزاهة واستقامة الصحابة يعتبر " كافر " في نظرهم ؛ أي في نظر أهل السنة والجماعة، (5) علما أن التاريخ الإسلامي الغير موجه سياسيا وإيديولوجيا يؤكد أن الصحابة فيهم المخطئ والمصيب(6) فإلى جانب أن عددا منهم (= الصحابة) ارتدوا بعد إسلامهم (7) فإن بعض الصحابة والتابعين مارسوا الزنا أيضا بعد تحريمها من قبل الله ورسوله (8)، بينما أن البعض الآخر شرب الخمر بعد " تحريمه " أيضا(9). ومن الصحابة والأئمة والفقهاء الذين شربوا الخمر/ النبيذ: عبد الله بن مسعود، وسفيان الثوري، والحسن البصري، وعلي بن الحسن بن علي بن أبي طالب وابنه زيد بن علي (10) ، أما ابن قتيبة في كتابه " الأشربة " فذكر عدة روايات تؤكد تناول معظم الخلفاء وأصحاب النبي والفقهاء للنبيذ الصعب (11) . أما ما حدث في عهد الأمويين والعباسيين من الفجور والفساد الأخلاقي والسياسي بحضور بعض صحابة رسول الله، الذين كانوا على قيد الحياة آنذاك، فتلك قصة أخرى يطول فيها النقاش، لكن لابأس من التذكير هنا، ولو بعجالة، ببعض الجرائم التي ارتكبها مثلا يزيد ابن معاوية بعد توليه خلافة المسلمين على اثر وفاة أبيه ( = معاوية ابن أبي سفيان)، وهو إمام وخليفة المسلمين. فبالإضافة إلى قتله للحسين كما هو معروف، هاجم جيش يزيد بقيادة مسلم بن عقبة المدينة واستباحها، فبعد انتصارهم في موقعة/ معركة ( الحرة) اصدر قائد الجيش أوامره باستباحة المدينة لمدة ثلاثة أيام، حيث قتلوا الآلاف المسلمين ( بعض المراجع تشير إلى قتله ما يزيد عن 4500 مسلم ) وانه قد فضت فيها بكارة ألف فتاة مسلمة..، لكن الغريب والمدهش في هذا الموضوع لا يكمن فقط في فداحة وبشاعة الأعمال الإجرامية التي ارتكبها جيش يزيد، وإنما تكمن – أساسا – في موقف الصحابة والفقهاء الذين كانوا على قيد الحياة آنذاك، حيث اعتبروا الأمر، بالإضافة إلى سكوتهم عن الجرائم التي اقترفها جيش يزيد في حق المسلمين، مغفورا له وفق الأحاديث النبوية، وبالتالي، فإنهم بهذا السلوك والموقف المتخاذل للصحابة يشرعون الجرائم والسلوك المنحرف للسلطان الطاغية (= يزيد ابن معاوية).(12). ففي هذا الصدد أورد ابن كثير في كتابه المعروف ب " البداية والنهاية " يقول (( كان يزيد أول من عزا مدينة قسطنطينية في سنة أربعين.. وقد ثبت في الحديث أن رسول الله قال " أول جيش يغزو مدينة قيصر مغفور لهم )) (13). انطلاقا من نفس المنطق يحاول أهل السنة والجماعة الآن تبرئة يزيد من مسؤوليته السياسية والأخلاقية في موضوع اغتيال الحسين وجميع أحفاد النبي ( ماعدا علي الصغير الملقب بزين العابدين) كما اشرنا إلى ذلك سابقا، علما أن يزيد هو من أمر بالخروج لمنع مبايعة الحسين في الكوفة ، ومن ثم فهو المسؤول الأول والأخير عن اغتياله، هذا بعض النظر عن موضوع من أمر بقتل يزيد، الذي يثيره عادة المدافعين عن براءة يزيد من تهمة قتله للحسين !!، فيزيد ليس ساذجا وغبيا إلى هذا الحد لكي يأمر بشكل علني على قتل وتصفية الحسين وهو يعلم جيدا رمزية ومكانة ( الدينية والسياسية) الحسين عند عامة المسلمين آنذاك، الذي كان(= الحسين) من اشد المعارضين لتولي يزيد الخلافة، وما يرجح نظرية قتل يزيد للحسين هو عدم معاقبته للمجرمين الذين نفذوا عملية قتله بدم بارد ، خاصة أن الحسين كان يطالب العفو والعودة من حيث جاء لما عرف بخيانة الشيعة له، وبالتالي، فإن رواية أهل السنة والجماعة حول مقتل الحسين تبدو لي غير صحيحة وواقعية إذا ما وضعنا الأمور في سياقها التاريخي ، خاصة إذا ما وضعنا مسألة خروج الحسين من مكة إلى الكوفة في سياقاتها وظروفها( وهنا يجب علينا معرفة أسباب وأهداف خروج الحسين)، وإذا وضعنا كذلك الأسباب والدواعي التي جعلت يزيد يأمر بمنع مبايعة الحسين ضمن سياقاتها التاريخية.ومن المهم،والضروري، التمييز هنا بين عملية قتل الحسين والمواقف المتخاذلة والخائنة لشيعة الكوفة آنذاك، فالموقفين مختلفين تماما. قبل أن نعود إلى سياق حديثنا، نشير هنا إلى ملاحظة منهجية غريبة وعجيبة ينهجها فقهاء ومشايخ أهل السنة والجماعة كلما تعلق الأمر بأحد رموزهم ، فكما حاولوا (و مازالوا يحاولون) تبرئة يزيد من مسؤوليته التاريخية عن اغتياله للحسين، يحاولون أيضا تبرير خروج معاوية ابن أبي سفيان عن الخليفة الشرعي (= علي ابن أبي طالب)، وذلك بقولهم بنظرية الاجتهاد ( اجتهد فأخطأ) علما أن حكم الإسلام في مسألة الخروج عن الحاكم الشرعي معروفة وواضحة جدا كوضوح الشمس في الصيف ، بل أنهم يتعاملون بانتهازية كبيرة مع الوقائع التاريخية. ففي الوقت الذي يحاولون فيه تبرير خروج معاوية ابن أبي سفيان عن الحاكم الشرعي بقولهم " اجتهد فأخطأ" ؛ أي أن أقصى ما يحكمون به على خروج معاوية ابن أبي سفيان على علي ابن أبي طالب هو الخطأ في ظل الاجتهاد ، تجدهم يكفرون الخوارج جميعا بسبب خروجهم على علي ابن أبي طالب علما أن سبب خروج الخوارج على علي أكثر موضوعية ومنطقية مقارنة مع مبررات خروج معاوية عن علي، إذا ما نظرنا إلى الأمرين بنظرة مجردة ومحايدة تماما. وبنفس هذا المنطق التبريري يحاولون أيضا تبرير مؤامرة عمر بن الخطاب في اجتماع السقيفة التي جرى فيها تنصيب أبي بكر خليفة للمسلمين، مؤامرة ضد الأنصار وضد علي ابن أبي طالب أيضا.
لنعود إلى سياقنا.. انطلاقا من هذه الحقائق التاريخية نرى أنه لا يمكن التساوي بين جميع الصحابة ، فكيف يمكن التساوي مثلا بين الصحابة الذين قتلوا عثمان ابن أبي عفان وبين علي ابن أبي طالب وأبي بكر وعمر بن الخطاب ؟ فهل يجوز التراضي مثلا على الصحابة الذين قتلوا عثمان بن عفان ؟ (14) وإذا كانت الدراسات التاريخية حول الصحابة تؤكد انحراف بعضهم عن الإطار العام للإسلام المحمدي، خاصة في الجانب الأخلاقي، بالرغم من وجود نصوص قطعية الدلالة (15)، فما هو المانع من انتقادهم باعتبارهم بشر غير معصومين عن الخطأ ؟ وإذا كان الأمر على هذا النحو فلماذا يثور السنيون ضد الشيعة عندما ينتقدون بعض الصحابة ( نتحدث هنا عن النقد وليس الشتم والسب) ؟ كما أنه لا يمكن التساوي بين التابعين من الخلفاء والفقهاء أيضا، فكيف يمكن التساوي - على سبيل المثال - بين يزبد بن معاوية وعمر عبد العزيز؟ أو بين عمر بن الخطاب ومعاوية ابن أبي سفيان؟ على أية حالة، لسنا هنا بصدد أعادة كتابة التاريخ السياسي والاجتماعي والأخلاقي للصحابة والتابعين من الخلفاء والفقهاء، ولا حتى أعادة كتابة تاريخ الصراع السني - الشيعي، كما أننا لسنا هنا من أجل الدفاع عن الشيعة (= الروافض )، ولا من أجل التهجم والنيل من السنة، كما قد يعتقد – ربما - بعض السفهاء والضعفاء( فكريا ونفسيا) من أبناء جلدتنا المنبهرين بالخطاب الطائفي والتكفيري القادم من الشرق؛ وهو الخطاب الذي بدأ يغزو ثقافتنا المغربية خلال الآونة الأخيرة بشكل خطير وملفت للنظر، خاصة بعد الانتشار الواسع للفضائيات الوهابية والخمينية التي تعمل على نشر التطرف الديني والطائفي تحت يافطة الحوار السني - الشيعي (مثل: قناة المستقلة،الصفا،الرحمة وغيرها من القنوات الفضائية)، الذين لا يستطيعون ( = أبناء جلدتنا ) مواجهة الآراء المخالفة والمغايرة لقناعاتهم وتوجهاتهم الفكرية والمذهبية، وبالتالي، عدم قدرتهم على الرد بالعقل والحجة كما يفعل جميع العقلاء، وذلك من اجل أغناء النقاش والحوار العلمي والديمقراطي الهادف إلى معرفة الحقيقة أولا، والهادف ثانيا إلى بناء المجتمع الديمقراطي العلماني الذي لا بديل عنه في سياق الظروف والمعطيات القائمة الآن على أكثر من صعيد، وإنما غايتنا الأساسية هي أثارة بعض الملاحظات الأولية والسريعة حول النقاش الدائر بين الشيعة والسنة ( بشكل مباشر أو غير مباشر)، وخاصة حول كيفية معالجته من طرف أهل السنة والجماعة الذين يدعون امتلاكهم للحقيقة والصواب، لعل نساهم بذلك في تفكيك بعض رموز هذا الصراع الشائك والمستعصي على الفهم والاستيعاب لدى عموم الجماهير المسلمة، وبالتالي، المساهمة – قدر الإمكان - في تنوير الطريق لمن يريد البحث في هذا الموضوع الشائك كما أسلفنا القول. لهذا فأنني في تناولي لهذا الموضوع لا أهدف إلى الخروج باستنتاج يبرهن ( = يفهم منه) على تزكية طرف ما على حساب طرف آخر، وإنما أحاول أن أبرهن أولا على طبيعة ونوعية الصراع الدائر بين السنة والشيعة، وان أبرهن ثانيا على وجود تقارب كبير في وجهات النظر لدى الأطراف المتصارعة، خاصة من حيث المصدر والمنطلق العام. وثالثا نسعى إلى توضيح المنهجية التي يسلكوها الطرفين ( السنة والشيعة) التي لا تخلو من الشتم والسب من ناحية، ولا تخلو أيضا من التضليل والتدليس من ناحية أخرى؛ وهي المنهجية التي تتخذ من الشعار التالي منطلقا لها " من لم يكن معنا فهو ضدنا ". وقبل أن نخوض في المحور الثاني من هذه المقالة نشير إلى نقطتين، الأولى هي أن الإسلام يحرم التدليس والتضليل بكل أنواعه، حيث يقول أبوزيد المقرئ الإدريسي في مقال له تحت عنوان " موقف القرآن الكريم من العنف " ما يلي (( والإسلام لا يؤمن أيضا بأي شكل من أشكال التدليس أو التمويه أو اعطاء معلومات محورة أو ناقصة، مما يمكن أن يؤدي إلى فعل قمعي رمزي، يحاول أن يصل بالإنسان، بطريقة ماكرة، إلى تغيير اقتناعاته بأسلوب مغشوش ..)) (16). والقاعدة الفقهية تقول في هذا الصدد " كل ما بني على باطل فهو باطل " . أما النقطة الثانية فهي أن الفريقين المتصارعين ( = السنة والشيعة) نهجوا أسلوب خلق الأحاديث من أجل التضخيم في فلان وفلان ، فكما توجد بعض الأحاديث والمعجزات التضخمية عند الشيعة الخاصة بأئمتهم، (17) توجد أيضا أحاديث ومعجزات تضخمية عند السنة، ومن بين هذه الأحاديث، بل الخرافات السنية التي لا يمكن أن يقبلها العقل العلمي هو قولهم على سبيل المثال أن عمر بن خطاب صارع الجن وغلبه، وان الشيطان يخاف من عمر ، فهل من المنطقي أن يخاف الشيطان من عمر وهو ( = الشيطان) الذي تحد الله ورفض الركوع له؟ فهل عمر أقوى من الله والعياذ بالله ؟ للحديث تتمة في الفصل الثاني والثالث .. محمود بلحاج/ فاعل أمازيغي الهوامش: 1: من الإشكالات التي يتخبط بها المسلمون في الوقت الراهن، ربما أكثر من أية وقت مضى، هي إشكالية الكفر، أو بصيغة أخرى من هو الكافر؟ هذا في الوقت الذي نجد فيه أن القرآن واضح وصريح في هذا المجال حيث يعرف الكفر بالشرك ؛ أي كل من يشرك مع الله إلها آخر فهو كافر، غير هذا فالأمور تتعلق بالمعاصي والكبائر. طبعا هناك بعض الآيات التي تشير وتصف بنا بعض سمات الكفار ، لكنها لا تعطي لنا الحق للحكم على الناس بالكفر بناءا على تلك الأوصاف. ومن أوصاف الكافر حسب القرآن الكريم البخل ( انظر مثلا النساء: الآية 37 ). 2: الإسلام هو دين الحجة؛ أي أنه يعتمد على الدليل والحجة في مناقشته للآخرين لقوله تعالى مثلا في سورة النحل الآية 125 { ادع إلى سبيل ربط بالحكمة والموعظة الحسنة } وهناك آيات أخرى تحض على الحوار والمجادلة بالتي هي أحس وأفضل، لكن - للأسف الشديد - الكثير من المسلمين لا يعتمدون على ما يقره الإسلام من الأخلاق والمبادئ سواء فيما يتعلق بالحوار أو غيره 3: هناك العديد من الآيات التي تؤكد هذا الأمر، منها الآية 77 من سورة المائدة التي تقول { لا تغلوا في دينكم}. 4: انظر كتاب " شرح في العقيدة الطحاوية " للعلامة ابن أبي العز الحنفي ، تحقيق ومراجعة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، منشورات الدار الإسلامي – عمان – الأردن، ص 382 . 5: انظر مثلا: خطبة الشيخ نجيب الزروالي ليوم 15 نوفمبر؛ وهي منشورة على الموقع التالي: اريفينو. كوم، أو انظر كذلك محاضرة عبد الله نهاري تحت عنوان " الفكر الشيعي " . 6:انظر كتاب " الدولة العربية الإسلامية: الدولة والدين " للدكتور محمد سعيد طالب –منشورات الأهالي- الطبعة الأولى 1897 – ص 140 7: من الصحابة الذين ارتدوا بعد إسلامهم أخ عثمان ابن أبي عفان من الرضاعة المدعو بعبد الله بن سعد بن أبي السرح من بني عامر: انظر كتاب شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة " للمرحوم الدكتور خليل عبد الكريم ، مطبعة سنا للنشر – القاهرة – الطبعة الأولى 1997 – الجزء الأولى( محمد والصحابة) ص 207 8: من أشهر الصحابة المشهورين بالزنا خالد بن الوليد الذي زنى بامرأة مالك بن نويرة بعد قتله مباشرة: خليل عبد الكريم، الجزء الثاني- من صفحة 58 إلى 61 . 9: انظر في هذا الصدد دراسة ا السيد علي المقري حول الخمر الصادرة تحت عنوان " الخمر والنبيذ في الإسلام" ، مؤسسة رياض الريس للكتاب والنشر، الطبعة الأولى 2007 – ص 56 . 10: نفس المرجع علي المقري ص 65 . 11:نفس المرجع علي المقري 64 . 12: انظر في هذا الصدد كتاب " الحقيقة الغائبة" للمرحوم الدكتور فرج فودة، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية – ص 82 13:نفس المرجع فرج فودة – ص 82 14: الصحابة الذين كان لهم دورا رئيسيا في قتل واغتيال الخليفة الثالث (عثمان ابن أبي عفان) هم: محمد بن أبي حذيفة، ومحمد بن أبي بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الحمق الخزاعي وعبد الرحمان بن غديس . انظر الجزء الثاني من المرجع السابق خليل عبد الكريم من صفحة 61 إلى 67 . 15: من التناقضات التي يعج بها الخطاب السني تجاه الشيعة، هو حديثهم المستمر عن أخلاق وفضائل الإسلام في الحوار والمناقشة، بينما أفعالهم (= خطاباتهم) تتميز بالشتم والسب في محاوريهم ( لا أتحدث هنا عن عامة الناس ولا عن التكفير أيضا) من قبيل وصفهم؛ أي وصف الشيعة ب " الحمير " و " الكلاب " و " القرد والخنازير " وغيرها من الأوصاف القبيحة الغير جائزة دينيا ولا أخلاقيا. وفي المقابل لم اسمع شخصيا أن شيعيا ما شتم أو سب السنة في مناظرة فكرية أو خطبة ما، (ماعدا المدعو ياسين الحبيب). ربما قد يقول البعض أن الأمر يتعلق بالتقية التي ينهجها الشيعة ونحن لا ننكر هذا؛ أي ربما قد يكون هذا الاحتمال صحيح ووارد، لكن رغم ذلك الشتم والسب ليست من أخلاق المسلم لقوله تعالى في سورة النحل / الآية 125 { وجادلهم بالتي هي أحسن} ولم يقول مثلا " وجادلهم بالشتم والسب " . 16: انظر كتاب " الديانات السماوية وموقفها من العنف " منشورات الزمن، مجموعة من الكتاب، الطبعة الثانية، ص 78 17: انظر كتاب " المعجزة أو سبات العقل في الإسلام " للمؤلف جورج طرابيشي، منشورات دار الساقي ، الطبعة الأولى – ص 125 – 126 * ملحوظة: نشير أن عدم استعمالنا للألقاب ( مثل الدكتور ،الأستاذ ، فضيلة الشيخ ..الخ ) أو عدم التراضي عن الصحابة أو الفقهاء كما جرت العادة لا يعتبر إطلاقا تنقيصا من مكانتهم وشانهم، وإنما نتعامل هنا مع جميع الأسماء والشخصيات التي ذكرناها في المقال كشخصيات سياسية واجتماعية على قدم المساواة في التقدير والاحترام الواجب بطبيعة الحال.