منطقة الريف بعد ما ظلت طويلا يؤطرها طابع الحياة التقليدية المتماشي مع وسطها الطبيعي٬ أصبحت الآن تعيش أزمة׃ الاكتظاظ الديموغرافي٬ الهجرة٬ نقص التجهيز٬ قلة مداخيل الفلاحة و الصيد البحري٬ انخفاض العائدات السياحية٬ زراعة و تجارة القنب الهندي٬ تراجع جودة التربة٬ إتلاف الغطاء الغابوي و مخاطر طبيعية هذه هي المظاهر الجلية الحالية للأزمة الاجتماعية – الاقتصادية و تدهور البيئة بالريف. ليست الاكراهات الطبيعية وحدها هي التي تجعل الحياة قاسية في هذه الجبال. لا نحتاج إلى تشخيص مفصل لنفهم المعظلة التي يعيشها الريف׃ قلة البنيات التحتية الأساسية و ندرة المشاريع الاقتصادية ساهمت بشكل كبير في تفقير هذه المنطقة في الماضي٬ عرف الريف ازدهارا بفضل غنى الموارد الطبيعية لفلاحته٬ و صيده البحري و تربية ماشيته و صناعته التقليدية التي ينشط التجارة بين فاس و نواحيه و اسبانية و الجزائر. الريف ضحية الاستعمار و السياسات التي تلت الاستقلال. بسبب تضاريسه الوعرة عرف الريف على امتداد تاريخه نظام اقتصادي مبني على الاكتفاء الذاتي بعيدا عن السلطة المركزية٬ رغم أن المنطقة سكنتها منذ زمن بعيد قبائل أمازيغية ظلت تستقبل على امتداد التاريخ شعوب قادمة من الخارج و هذا حتى فترة قريبة٬ لكن عليها أيضا أن تدافع على نفسها ضد الاجتياح الأجنبي المدفوع بالمسيحية في القرن الرابع عشر و القرن الخامس عشر و الاستعمار في بداية القرن العشرين٬ مدينتي سبتة و مليلية و جزيرتي بادس و النكور في الحسيمة التي لا زالت محتلة إلى يومنا هذا شاهدة على محاولات الاستيطان الأجنبية في الريف. استعمار الريف في بداية القرن العشرين من طرف اسبانيا٬ البلد الذي أضعفته حروب الأمريكيين من قبل و كان في هذه الفترة بلدا ناميا بالمقارنة مع القوى الاستعمارية الأخرى زاد أكثر من حدة الأزمة السوسيو-اقتصادية و من تدهور بيئة المنطقة بفعل تلويث التربة بالأسلحة الكيماوية السامة كما يجب أيضا الاعتراف بنصيب من مسؤولية الدولة المغربية في هذه الأزمة السوسيو-اقتصادية الحالية بعد استقلال المغرب الحكومات المتعاقبة همشت بشكل ممنهج المناطق التي كانت تابعة لنفوذ الحماية الاسبانية لصالح المناطق التي كانت تابعة لنفوذ الحماية الفرنسية و التقسيمات السوسيو-سياسية الراجعة إلى الحدود المرسومة بين الحمايتين و التقسيمات الترابية و الإدارية لا تتماشى مع الواقع الجغرافي٬ الاثني و الاجتماعي للريف زادت من عزلة و تهميش هذه المنطقة. بوجود هذه الوقائع التاريخية الملاحظة التالية تفرض نفسها׃ الريف متأخر بسنوات فيما يخص التنمية و الإدماج في الاقتصاد الوطني٬ منذ الاستقلال الدولة و الحكومات المتعاقبة انشغلت أكثر بالأمن و الاستقرار السوسيو-سياسي للمنطقة بدل تنميتها السوسيو-اقتصادية من الواضح أن الاستقرار السوسيو-السياسي لدولة ما أو منطقة ما لا ينفصل عن الشروط السوسيو-اقتصادية و بالتالي فلا يعقل أن الدولة المغربية لم تفكر خلال كل السنوات الماضية في إدماج الريف في النسيج السوسيو-اقتصادي الوطني عبر إنشاء البنيات التحتية الضرورية. بوجود هذه الوقائع التاريخية الملاحظة التالية تفرض نفسها الريف متأخر بسنوات فيما يخص التنمية و الإدماج في الاقتصاد الوطني منذ الاستقلال الدولة و الحكومات المتعاقبة انشغلت أكثر بالأمن و الاستقرار السوسيو-سياسي للمنطقة بدل تنميتها السوسيو-اقتصادي من الواضح أن الاستقرار السوسيو-سياسي لدولة ما أو منطقة ما لا ينفصل عن الشروط السوسيو-اقتصادية ة بالتالي فلا يعقل أن الدولة المغربية لم تفكر خلال كل السنوات الماضية في إدماج الريف في النسيج السوسيو-اقتصادي الوطني عبر إنشاء البنيات التحتية الضرورية. منطقة الريف من بين أكثر المناطق المتدينة اقتصاديا في المغرب هناك حالة تهميش على المستوى الجغرافي كما على المستوى الاقتصادي و تبعية متنامية للخارج﴿ التزود بالسلع العمل التعليم الصحة.......﴾ كل هذه الخصائص جعلت من المنطقة من بين المناطق الأكثر تدنيا على المستوى الاقتصادي و التنموي في المغرب بتنمية محدودة اعتبارا للحجم الديموغرافي و وضعيته الإستراتيجية بالنسبة للدولة الجغرافيا علمتنا أن المناطق الموجودة في الشمال هي الأكثر نماءا و أكثر أهمية اقتصاديا في العالم ٬المغرب يشكل استثناءا محاور التنمية و المراكز المهمة في الدولة موجودة حصريا بكثرة في الجنوب و التعاون الأورو-متوسطي يقام على الواجهة الأطلسية. الحجم الديموغرافي للريف مقارنة مع مجموع الشعب المغربي يمثل أكثر من 15% مع تزايد بمعدل 2 إلى %2.5 سنويا و هذا يصنفه من بين المناطق الأهلة بالسكان في الدولة و المنطقة تتميز بكثافة عالية﴿ أكثر من 120 نسمة في الكيلومتر مربع﴾ الساكنة الشابة﴿ أكثر من% 60 أقل من 20 سنة و% 50 أقل من 15 سنة﴾ مع هيمنة الساكنة القروية٬ النمو الديموغرافي يبقى مرتفعا٬ و بالتالي نتج عنه انعدام التوازن بسبب الاكتظاظ السكاني في منطقة جبلية حيث الموارد أصبحت جد محدودة. البحث عن توازن بين السكان و المجال لا يجب أن ينظر إليه فقط من داخل المجال الحضري بالفعل الضغط الديموغرافي على المجال الذي هو في تناقص و ضعف مستمرين يوجب نظرة شمولية لمشاكل المنطقة. يجب إرفاق نشاطات أخرى مدرة لمناصب الشغل و المداخيل بالزراعة و السياحة و الصيد البحري لأن هذه القطاعات لا تستطيع وحدها حل مشكلة الشغل و المستوى المعيشي لساكنة في تزايد مستمر٬ الوضعية الاجتماعية تزداد تدينا٬ ليس فقط بازدياد السكان الذين يحتاجون للغذاء و إنما أيضا بانخفاض المداخيل و قلة استغلال الموارد المحلية و يلاحظ وجود اختلال التوازن بشكل سافر بين الديموغرافية المتسارعة و إيقاع خلق مناصب الشغل في المنطقة٬ الوضعية تظهر عبر نسبة بطالة من بين الأكثر ارتفاعا في البلد. المنطقة حافظت على بقائها فقط بفعل التحويلات المالية للمهاجرين٬ و للأسف هذه التحويلات لم تساهم في تنمية المنطقة لأنها استثمرت أساسا في المضاربات العقارية و ليس في القطاعات الإنتاجية وضعية التهميش في هذه المنطقة في المجال الاقتصادي المغربي كان لها أيضا انعكاسات سلبية على التحويلات النشطة٬ أغلبية المهاجرين" يفضلون" الاستثمار في مناطق أخرى في المغرب حيث البنيات التحتية متطورة مثل المحاور الحضرية الكبرى لمثلث الدارالبيضاء-فاس-مراكش هنا نتحدث عن هروب الرساميل المحلية و القوى الحية للمنطقة. حل التنمية المستدامة يجب أن يبحث في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. حالة نقص التجهيز بشكل شامل بالريف و سيره على هامش التطور الاقتصادي الحديث للدولة يزيد من فقدان مواطني هذه المنطقة للثقة في مؤسسات الدولة هؤلاء لا يرون خلاصهم إلا في الهجرة٬ إذا كانت هذه الأخيرة مخرجا في وقت ما للأزمة الديموغرافية للريف لا يمكن أن تكون دائما إجابة للأزمة السوسيو-اقتصادية الحل الدائم يجب أن يبحث في إطار الفلسفة الجديدة لممارسة السلطة العمومية. الدولة الحديثة التي تدعي الديمقراطية الاجتماعية يجب أن تستمد شرعيتها و قوتها من قدرتها على إدماج كل مواطنيها و مناطقها٬ الدولة يجب أن تسعى دائما إلى رفع مستوى الرفاهية الاقتصادية و الاجتماعية للمواطنين و تحسين شروط حياتهم حيث يعيشون و حيث يعملون٬ الدولة مسؤولة عن ضمان الشروط الموضوعية لممارسة المواطنة و الديمقراطية و تدعيم تكافؤ الفرص٬ و استفادة الجميع من التنمية بدون تمييز ترابي أو اجتماعي. أهم مميزات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كبديل للنموذج التقليدي للتنمية الاقتصادية يكمن في قطعها نهائيا مع منطق و ممارسات الدولة المركزية و الآليات الهرمية في اتخاذ القرارات دون توافق مع المواطنين المعنيين٬ كما هو معروف كل برامج ناجح يحتاج إلى تعاون الشعب لبلوغ الأهداف و الشعب أن يكون مصدر الدروس لأصحاب القرار. إجراء هذا التوافق لم يؤخذ بعين الاعتبار في تحديد المفاهيم و إعداد البرامج في الماضي٬ أغلب البرامج كانت بصفة عامة تقنية و لا تهتم إلا بجانب هذه المشاكل المطروحة في المنطقة مشروع التنمية الاقتصادية للريف الغربي DERRO الممول من طرف الأممالمتحدة و المسير من طرف منظمة الأغذية و الزراعة FAO لم يهتم إلا بمحاربة التعرية و الحفاظ على الأراضي الزراعية لم يهتم بمصير السكان المعنيين لهذا فالنتائج المحصل عليها لم ترقي إلى الأهداف المتوخاة٬ المثال الأخر للمفهوم السائد للتنمية هو تأسيس وكالة الإنعاش و التنمية الاقتصادية ة الاجتماعية لأقاليم الشمال APND فرغم التزام الدولة المالي و تعبئة مساهمات الشركاء الأوروبيون في ميزانية الوكالة الوضعية لم تتغير بالنسبة للحياة اليومية للسكان بفعل العراقيل الكبيرة كالبيروقراطية٬ مشكل مراقبة اتخاذ القرارات و غياب الشفافية في الحكم. اعتبارا للتأخيرات المتراكمة في تنمية الريف و تدني الوضعية السوسيو اقتصادية بسبب زلزال الحسيمة يجب منذ اليوم اعتماد سياسة «الميز الايجابي» و الدعوة إلى تكافل وطني. دور الدولة و مساندة القوة الاستعمارية القديمة ضروريان لإخراج المنطقة من العزلة و التهميش٬ الدولة المغربية من مهامها و واجباتها إدماج هذه المنطقة بشكل مستعجل في دائرة الاقتصاد الوطني. *محمد سيحدو/ فرنسا