إن المثل الشعبي القائل: (دخول الحمام ليس مثل الخروج منه ) يذكرني بالمفهوم الجديد الذي جاء به الدستور: (ربط المسؤولية بالمحاسبة)،إن الداخل قبل ولوجه الحمام،يكون نجسا ملوثا فيدخل الحمام ليتطهر من دنسه ,فيخرج نقيا وقد تمت تزكيته من طرف الحمام و أصحابه وبالتالي -حسب لغة الدستور- وجب ربط مسؤولية دخوله لمحاسبته على خروجه لشرح الأسباب المنطقية حتى ينسجم دخوله مع خروجه.أما بخصوص الذي تجرأ على دخول الحمام ،فعليه أن يتحمل مسؤولية دخوله حتى نهاية العملية ليكون خروجه واضحا ومعقولا. مع عدم نسيان رد الجميل وتسليم أجر رمزي معقول يستحقه أهل الحمام بسبب فعل التطهير والمجهود الذي قاموا به مشكورين لاحتضان هكذا كائنات مستقيلة،كانت في يوم ما ملوثة وكادت صلاحيتها تنتهي لولا التحاقها بقافلة الحق، بحيث انها كانت آيلة لتندفن مع أدرانها في مزبلة التاريخ . فتم إنقاذها من تسممات التلوث والعدوى الحتمية بعملية التنظيف في آخر لحظة. و نظرا لأنانيتها وتكبرها استغلت فرصة عودة البريق إلى ماء وجهها، فراودتها وساوس الغرور والنرجسية و داعبتها كوابيس الاغراءات من لوبيات يتوهمون مجدها في عقولهم الصغيرة فقط، للالتحاق بحمامات أخرى فاخرة من سابقاتها، لانتهاز الفرصة للقيام بعمليات ماكياج أخرى داخلها، لتغير من ألوان جلدها حسب مقتضيات الموضة التي تتطلبها الرغبة الأنانية في الانخراط مع كل من شعرت وهميا أن القوة معه,فترى الكائنات المسكينة ترقص على إيقاع الذاتية المحضة و تميل حيث تميل ريح المصلحة الشخصية لتشرع من جديد للقيام بعمليات تجميلية لوجه سلوكها الممسوخ المشوه في مختبرات الفساد الذي اعتادته و أدمنته للأسف في محيطها الهذياني الموبوء ربما دونما أن تشعر بدمامة السلوك الذي تقوم به لأنه يتصادم مع ما كانت تعتقده أو كانت تظهر انها تؤمن به. هناك الكثير من الشخصيات الضعيفة بين بني البشر لا يعجبها الانخراط الفعال في العمل بل إنها تعشق التقليد و التفرج وضبط العثرات والنقد الهدام فقط, ولا تتقن سوى تعكير البركة الآسنة لإثارة الفتنة وتلويث الجو بنتانة منقطعة النظير, والسبب انها خاملة الذكر و ترغب في إيقاظ الذين غفلوا عن الانتباه لها فهمشوا إسمها و أهملوا وجودها. إن أمثال هذه الشخصيات تلعب دور الهرولة مع شتى الصيحات الموضوية التي تتجلى من حين لآخر. خاصة تلك التي تحمل معها مظاهر القوة والغلبة الظاهرة مؤقتا لأنها مجرد موجة قوة عابرة حاولت استقطاب ضعاف المواقف و استمالت إليها الكم الأكبر من غثاء الانتهازيين مثلما يجر النهر الغاضب غثاء السيل نحو وجهة مجهولة قاسية النهاية.كما استمالت ما تبقى من القلوب المشبوهة التي تترقب أكل التين في غير موسمه. هؤلاء الموهوبون في تقمص الشخصية الحربائية في تلوناتها المتعددة حسب الحال والسياق: إنهم مع الجميع لكنهم ابتداءا، ليسوا مع أحد ،لأنهم أصلا مع أنفسهم فقط. وبسبب أنتفاخ أنف (الأنا)لديهم حدث لهم خلل في توازنهم النفسي فاضطربت أمواج استقرارها ،وأصاب بوصلتهم غبش في القدرة على الاختيار الصحيح وعوض الاعتراف بالعجز، رفعوا شارة الاستقالة في وجه العاملين المنهمكين في أشغالهم, ليزعجوهم من جديد ويقلقوا راحتهم .مثلهم مثل الفيروس الوبائي الذي يأتي في وقت غير ملائم ليعرقل المسار الطبيعي للعمل. وبالتالي فهؤلاء بسبب عدم وعيهم بالقضية التي ارتبطوا بها ،لا يميلون إلى كفة الحق والحقيقة ونسوا قول الله تعالى إن كانوا يتلونه أصلا ويفقهون معناه فيما قاله الله عز وجل: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله). وهم كما يتخيل إليهم، خلقوا من طينة ليس مثل باقي الطينات البشرية لأنهم خلقوا وفي فمهم ملعقة التبرير التغليطي للضرب في مصداقية السيكولوجية الجماعية, وفي أياديهم تلمع سيوف الشرعنة الدونكيشوطية لكل نقص يعيشونه على مستوى الجماعة أو المنظمة التي انضموا إليها وسرعان ما تهربوا منها في حالة من القلق والتوتر وهم في عجلة من أمرهم لأن في جعبتهم تغلي ملايين المشاريع التي لم تتحقق بعد وزمن الحياة قصير و مفهوم الجماعة لا يستطيع أن يستوعب طموحهم الجشع الذي يريد ان يصل إلى مبتغاه في زمن قياسي ويحقق موعده مع التاريخ الذي سيصفعه على قفاه لأنه يريد حرق المراحل التي لا بد له من المرور منها حتى يتحقق النضج المرجو و يكون الوقت مناسبا لالتقاط الفواكه الطازجة. وعوضا عن حضور الملتقيات للتلاقح الواعي وتشكيل مركز اقتراحي للمساهمة في العمل الفعال وجمع قصاصات الحكمة والتربية في جيوبهم ليس لتخزينها في أرشيف الافتخار ولكن لأجل استثمارها في حياتهم وسلوكاتهم ،تراهم ينخرطون في الغياب الذي يدل على استهتارهم ،ويلمون ما تبقى من عثرات شركائهم يصيغونها في شكل استقالات صالحة لكل زمان ومكان أي جمل إنشائية عامة غامضة لا تفاصيل فيها و لا اسباب. وهم مثل الحكومات العربية العاجزة التي تغيب عنها كل إمكانية للتصرف بفعالية. فتراها مثلا تكتفي بالتنديد خطيا أو هاتفيا بالكوارث و تدين الاعتداء في إطار ببغاواتي نمطي و أسلوب تبريري جاهز حرث عليه الزمن وحصد.المهم أن المأساة كلما ارتفعت حدة درجتها يتم التصعيد في مستوى الأسف والتأسف عبر إضافة مجموعة من الكلمات والنعوت الشديدة الوقع في بيان بئيس وانتهى الأمر. ولا تعلم هذه الكائنات المستقيلة من عقلها أولا والتي تغتال المبادرات البناءة في مهدها، أن الأمر أيضا يعنيهم و أن القضية ليست فقط قضية هؤلاء العاملين الصابرين المستمسكين بحبل المشروع الاصلاحي والقابضون على جمر الحق مهما تغيرت ظروف اللعبة السياسية ومهما جفا الأصدقاء. إن الأمر شديد السخرية ويدفعنا إلى الاستلقاء على قفانا للضحك عاليا والقهقهة على ذقون هؤلاء المغرورين العاجزين الذين ينفخون في قربة مثقوبة لتعمية أبصارهم برماد الخداع والانخداع. إن العاجز عن تلبية رغبات زوجته الجماعية سوف لن يعترف بشذوذه ومرضه ، وبالتالي فأسهل الطرق لاختصار الطريق و إسكات الألسنة عن المزيد من التعليقات ثم الحفاظ على سمعة رجولته، هو الخروج من أوسع الأبواب للتخلص من ورطته اتي تورط فيها،هو التشهير بورقة الاستقالة من مهمة مستحيلة لديه هو الزواج الذي فاجأه بعبء مسؤوليته والذي برهن له أنه ليس رجلا كفاية ليقوم بواجبه بكفاءة.بل هو مجرد ذكر صوري عليه بالتدرب لا حقا كي يتقن فن الرجولة عبر تربية نفسه على ذلك وتطوير مؤهلاته ومهاراته و إنضاج شخصيته. و ليس الهروب من ميدان المواجهة كالنعامة الجبانة و التي من شدة غباوتها وحمقها ، تخبئ رأسها تاركة وراءها الجسم بأكمله بدون وقاية ومؤخرتها عارية بشكل مفضوح. المهم أنها لن ترى المزيد من كوابيس المسؤوليات التي تنتظرها مادامت فضلت الاختباء ببصرها في ظلام الهروب والاستقالة.وليتم إلقاء أعباء المسؤولية التاريخية على باقي الأعضاء لتتم محاسبتهم عبر بيانه قبل أن تتم مطالبته بتقديم كشف للحساب بما قدمه هو من مجهودات وخدمات جليلةللجماعة والمجتمع. بعدما خرق ميثاق العهد امقدس ونكث بكل الوود بكل وقاحة.فأصبح نكتة رخيصة تلوكها الألسن الغوغائية نظرا لسقوطه الفظيع في التناقض المواقفي والازدواج الخطابي والانفصام الشخصي متراوحا في ذلك بين ظاهر التقوى الملائكي الذي يخدع به السذج من المؤمنين و باطن النوايا الشيطانية التي ترنو إلى المصلحة الشخصية الأنانية. إن السؤال المطروح في هذا السياق هو: هل المستقيل هو الذي استقال من تلقاء ذاته أم أن عقله هو الذي استقال منه فأخذ يهذي هيستيريا مثلما يهذي المصاب بالحمى ؟ لماذا نتزوج أصلا إذا كان في نيتنا يوجد الطلاق مسبقا؟و لماذا نتطوع للعمل الخيري ابتداء إذا كان غرضنا هو مجرد الرياء والشهرة وتصفيق الآخرين وجلب المصلحة الشخصية فقط ولم يكن غرضنا منه هو الفوز برضا الله وأجره؟ و لما ذا ولجنا حقل السياسة أصلا إن لم يكن غرضنا هو المساهمة النزيهة في محاربة اللانزاهة وهدفنا هو ترجمة غيرتنا على المال العام والشأن المجتمعي لاصلاح ما فسد مبتغين بذلك ليس كرسي السلطة و إنما وجه الله تعالى ورضاه عنا؟لماذا تطفلنا أصلا على العمل السياسي لمجرد تمثيل مسرحية ادعاء النضج أمام الناس لخداعهم..؟ لماذا صدعنا رؤوس الناس بلهو الحديث و أضغاث الكلام لتغليطهم حول حقيقة شخصياتنا التي كنا نرقع عيوبها ونخفي ماهيتها؟ هل كان الغرض من الانخراط في العمل السياسي، كان غرضه قبل الإستقالة، هو التسويق الإعلامي لصورة وجوهنا فقط كي نمهد لمرحلة الاستقالة الحاسمة. وحتى يقال عنا أننا أبطال أشداء و فرسان الزمان المغاوير الذين يتصدرون عناوين الصفحات الأولى للصحف والمواقع الإليكترونية؟ هل كان دخولنا الحمام ابتداء كان غرضه هو الخروج فقط لأننا رغبنا في دخوله من باب تقليد الناس أو من باب العناد وتصفية حسابات شخصية ما؟ هل الاستقالة لأجل الاستقالة كغاية في ذاتها تورث فينا متعة معينة تستحق كل هذا الهرج والمرج وتدويل أسماء بعينها وكأنها أيقونات سجلها التاريخ بحروف الهراءلأنها قدمت أعمالا جليلة تستحق المناقشة والتنويه ؟ سأل المعلم التلميذ الكسول: لماذا تذهب إلى المدرسة وتدخل إلى القسم؟ أجاب التلميذ الكسول: أذهب إلى المدرسة وأدخل القسم لأ نتظر جرس الساعة و أخرج منه نشيطا مسرورا.إذن ما أشقى وعي الناس الذين يدخلون لا لغرض إلا لكي ينتظروا ساعة الخروج فينطلقون كالسهم نحو الخارج و كأن أحد أرغمهم على الدخول من البدء وجعلهم يتذوقون مرارة السجن.لهذا فالعمل كيفما كان و بدون قناعات يبقى مجرد إكراه عقيم لن تنتظر من وراءه سوى السراب و الاستقالة والقدح والشتم.و أمثال هؤلاء كثر تجدهم حيثما حططت حذاءك يتزلفون ويلحسون لعاب الخبث و يتربصون الدوائر بأفراد جماعتهم ويقتنصون الفرص الانانية وهم لا يستطيعون تشكيل مجموعة جيدة نسميها نخبة لأنهم مجرد رعاع ينساقون بسهولة وراء إشاعات الرعاع ويصدقون بغباوة كلما يقال لهم فتنخفض معنوياتهم في العمل الجاد الملتزم.ولم يبق في رصيدهم سوى رفع الراية البيضاء بعد إصدار فرقعات الريح النتن في هواء السكينة والاستقرار.غرضهم منها تلويث الجو وتعكير صفو مزاج الغافلين المنهمكين في مسؤولياتهم لإثارة انتباه الآخرين. لأنهم أصلا سلبيون مغمورون وكليلو الحضور ولا يتميزون بكاريزما محددة،وهم شديدي السذاجة لأنهم يصدقون ما يشاع عن مرجعيتهم وانتماءهم للأسف,في الوقت الذي يحسبون فيه أنفسهم أذكياء جهابذة يتميزون بخطبهم العصماء وقفزاتهم البهلوانية لإنقاذ البشرية من كوارث محققة. لكنهم في الواقع مجرد مغفلين ورثوا جينات الانبطاح المرتزق وعدم فهم السنن الإلاهية,أو ربما كما قال الدكتور المغربي محمد الفايد في إذاعة الراديو:أن فصيلة دمهم المشؤومة جعلتهم يرثون لعنة كراهية الحق واتباع الباطل والفساد ،فجعلتهم رهائن ربما لسلالاتهم التي كانت تحارب فيما مضى الحق و كل مبادرات الإصلاح في حقب زمنية مرت في التاريخ تحالفت فيه مع قوى الشر والباطل الفساد. وكراهية الحق قد لا تكون بمعارضته ومحاربته بشكل محسوس فقط, بل قد يكون بالانسحاب والاستقالة والصمت الذي اعتبره المناضل الأمريكي مارتن لوثر كينج خيانة بحيث قال :((إن أسوأ مكان في جهنم قد تم حجزه لأولئك الذين يرون الحق حقا فيصمتون وينسحبون من ميدان مناصرته )) وهذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الساكت عن الحق شيطان أخرس) و إن الانسان لينطق بكلمة لا يلقي لها بالا تهوي به في جهنم سبعين خريفا. إن من يتجرأ على دخول عالم المسؤولية ويريد ان يخرج منه سالما غانما، فإنه مخطئ ويحلم بتحقيق المستحيل عندما يستعد للهروب منه والتملص من تبعاته بأسهل مما يتصور.وبما ان دخول الانسان النجس للحمام قد ساهم في تنظيف نجاسته فإن خروجه لن يكون بالمجان،لأنه عليه أن يدفع ثمن الخدمة اتي قدمها له الحمام و أهله أولا.إذن منطقيا لا مجال لقبول الاستقالة كما لو كانت شربة ماء ودون تقديم الحساب أولا.و شرح الأسباب أمام الجماهير بكل وضوح لأن القضية لم تعد لعبة أطفال وبالتالي وجب علي التصرف بسلوك الراشدين الناضج.إن التخلص الاستعجالي وعدم التريث في ضبط الانفعال المنفلت وغياب الاعتدال الحكيم في إصدار موقف عاقل في لحظة غضب هي كلها من آفات الشخصية الارتجالية اللاواعية و الني تحتار حينما تمر بمحكات اختبارية قاسية فيفقد مفهوم الحق لديها كامل بوصلته ومعناه.و لا يجد حلا وسطا وسط الضغوط الممارسة عليه سوى نهج سياسة الكراسي الفارغة والهرولة الحمقاء وإعلان الانسحاب بشكل انهزامي كالفرار يوم المعركة، ومغادرة مركز الفعالية ليصبح رقما عاديا بعدما كان رقما صعبا في المعادلة و يصير مجرد طفيلي يضر بصح مجموعته التي ينتمي إليها, ويفتح باب التأويلات المغرضة للذين تربوا على معاداة مشروع الاصلاح ومحاربة الفساد بوسائل الحق, و إن أقبح شيء هو ان بتى أية منظمة أو مؤسسة أو مجموعة ببعض المنافقين والعناصر الدخيلة التي تتجسس لجهات بعينها من باب الارتزاق الخسيس و الذين قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا على مرض , ويعتقدون أن الشعب غبيا غافلا عما يخططون له والعكس هو الصحيح,ألا آنهم هم الأغبياء ولكن لجهلهم للسنن اإلاهية لا يفقهون ما يجري من مماحكات تعمل على إنضاج الحركة الإيجابية ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. يتبع,,,,,,,,في الحلقة القادمة سننشر الجزء الثاني للمقال إن شاء الله.