بمناسبة اصداره لكتابه الجديد حول انتفاضة الريف 59/58 اجرت شبكة دليل الريف حوار مع الحقوقي والكاتب الصحفي الذي يقيم ببلجيكا سعيد العمراني تحدث من خلاله ولو بايجاز حول بعض النقاط المتعلقة بكتابه "انتفاضة 58/59 الريف كما رواها لي أبي" الذي سيكون متاحا للجميع في "الاكشاك" بداية من شهر يناير المقبل، كما تحدث العمراني عن فكرة وكذا الصعوبات التي واجهته اثناء انجازه لهذا الكتاب الذي اعتمد في انجازه على شهادة والده (الذي كان قائدا للثلاثين) خلال الانتفاضة. واليكم نص الحوار : كيف تبلورت عندكم فكرة كتابة كتابك حول انتفاضة الريف 59/1958؟ منذ نعومة أظافري، و أنا اسمع من اقرب الناس إلي، و من بعض أولئك الذين صنعوا تلك الملحمة، رواياتهم و حكاياتهم بأدق تفاصيلها حول ما وقع من ماسي و بطولات و ملاحم و مجازر و قمع التي شهدتها قبيلة ايث يطفث إبان انتفاضة 58/59،. هؤلاء بدأنا نفقدهم الواحد تلو الآخر و نحن الذين يدعون "النضال" أو "النخبة المثقفة"، نتفرج و لا نحرك ساكنا لكي نجمع تلك الشهادات و تدوينها لجمع ذاكرتنا المشتركة لتحصينها و الحفاظ عليها و تركها للأجيال القادمة، و خدمة للبحث العلمي في المغرب كله. و قلت مع نفسي، قبل أن ألوم أحدا، لماذا لا أبدا أنا، لتدوين تلك الملحمة في ايث يطفت مثلا من خلال كتابي هذا، لكي ربما س"استفز الآخرين" (الاستفزاز بمعناه الايجابي) و حث باقي الإخوة للقيام بنفس الشيء. هكذا قررت استجواب إن لم اقل "استنطاق" أبي حول الموضوع و خاصة انه كان قائدا ل"مجموعة الثلاثين" في التنظيم في قبيلة ايث يطفت، و عاش بعض أدق تفاصيل و تطورات الانتفاضة، و ذاق اسوة بباقي أهل بلدته مرارة كل أشكال التعذيب و التنكيل و الاهانات و المعاملات القاسية و الحاطة بالكرامة الإنسانية. إنني متأكد بان هناك مئات الشهود ممن عاشوا فترات عصيبة، وأخرى مشرقة وحاسمة من تلك المرحلة من تاريخ المغرب الحديث. لكن نلاحظ للأسف أننا نفقد يوميا كنوزا من الرجال والنساء، و نتألم كثيرا لرحيلهم لأنهم هم من صنعوا تاريخنا المعاصر بإخلاصهم ودمائهم و وفائهم، و اليوم أصبحوا يندثرون واحدا تلو الآخر دون أن ينتبه إليهم أحد، ولا إلى ما يحملونه معهم من أسرار غنية، ومعلومات ومعطيات تتعلق بتفاصيل هامة ودقيقة، حول أحداث بعينها كما هو الشأن بالنسبة لانتفاضة الريف خلال الفترة الممتدة من أكتوبر 1958 إلى فبراير 1959، والتي يشار إليها بانتفاضة 1959/1958. هل ممكن أن نتعرف و لو بإيجاز على مضمون كتابكم ؟ الكتاب يتحدث عن الأسباب التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة في الريف عامة، و ايث يطفت خاصة و كيف تطورت و تنظمت. و كيف، و من تم تدبير أمورها من ألفها إلى يائها. و هنا وقفت كثيرا عند شخصية فذة و بارزة تسمى الرئيس "موح انحدوش" قائد الانتفاضة في قبيلة ايث يطف. موح انحدوش هذا ابن مدشر لحواض ببوصمادة بقبيلة ايث يطفت، كان من قيادات جيش التحرير في بوزينب. و بتواصل مع قادة الانتفاضة و منهم ميس الحاج سلام، قدم من بوزينب و التحق بالانتفاضة و ليتحمل مسؤولية تاطيرها و الدفاع عن أهلها و تحمل مسؤولية كل ما وقع حتى أمام جلاديه. تكلمت طبعا على تنظيم الانتفاضة و الشعارات التي رفعت و السلاح و المواجهات و علاقة رئيس انتفاضة ايث يطفت برئيس انتفاضة الريف ميس الحاج سلام. تحدثت في كتابي عن الجرحى و القتلى و كيف استسلمت ايث يطفت و ما تلاها من اعتقالات و اهانات لنساء و رجال المنطقة و تعذيب شديد للمعتقلين. اعتمدت في الكتاب على شهادة أبي (الذي كان قائدا للثلاثين). لكن في نفس الآن حاولت اغنائها بما كتب في بعض المصادر حول الانتفاضة و خاصة ما كتب في بعض المجلات و الصحف الأوروبية و الوطنية. تحدثت بتفصيل كيف اندلعت و تطورت و قمعت الانتفاضة في منطقة ايث يطفت. ما هي الصعوبا ت التي التقيتها أو تلك التي اعترضت طريقك و أنت تنجز هذا المشروع؟ الصعوبة الأولى تكمن في كيفية إدراج الشهادات الشفوية في إطار بحث بمنهجية علمية مقبولة. الصعوبة الثانية، تكمن في جمع باقي الشهادات و ذلك راجع إما لاكراهات الوقت و لبعدي عن وطني (جسديا)، أو لاستمرار حالة الخوف و الذعر و الرعب لدى العديد من الناجين من الموت و الذين يرفضون الحديث إلى يومنا هذا، حول ما جرى خوفا من بطش المخزن بالرغم من مرور 56 سنة عن ما حدث. ثالثا، و للإشارة أنني كنت أود أن انشر هذا الكتيب قي أكتوبر 2012، و إهدائه لأبي في ذكرى ميلاده الثمانين، لكن بعض الأصدقاء نصحوني للتريث مما جعلوني أؤجل نشر هذا العمل لأكثر من سنة. ما هي أهم شيء اكتشفته أنت و أنت تنجز هذا البحث؟ إن أهم حاجة اكتشفتها عندما كنت ابحث عن بعض المصادر و المراجع هو المواكبة الدقيقة للصحافة الأوروبية لتك الانتفاضة. إذ ما كنت اعلم أن الصحافة الهولندية والألمانية و الفرنسية و الانكليزية اهتمت بانتفاضة 58/59. كنت اعتقد كالكثيرين أن الانتفاضة بدأت في الريف و دفنت بقمعها، لكن في إطار بحثي عن بعض المعطيات اكتشفت أن بعض الصحف الأوروبية بعثت مراسلين لها إلى الريف لتتبع تطوراتها كما هو الشأن بالنسبة إلى مجلة "التايم" البريطانية، التي كانت حاضرة في المنطقة من خلال مراسلها "ستنالي كارنوف"، و عرفت مقالاته بكثير من الموضوعية إلى حد ما في نقل الأخبار الحية عن الريف المنتفض. بالإضافة إلى مواكبة الانتفاضة من طرف جرائد أخرى لها صيتها و وزنها في المشهد الإعلامي العالمي كجريدة "لوموند" الفرنسية و جريدة "زايت" الألمانية و جريدة " فولكس كرانت / جريدة الشعب" الهولندية. هل من هدف من وراء نشر كتابكم في هذا الظرف بالذات؟ أول هدف هو تكريم و إعادة الاعتبار لرجالات الانتفاضة الأحياء منهم و الموتى. إذ كثيرا ما كنا ننسى أو نتناسى أن هناك رجالا بسطاء اشتغلوا في صمت، لكن تحت شمس ملتهبة، أحرق لهيبها الكثيرين منهم، لعبوا أدوارا حاسمة في توجيه الأحداث، وصنعوا جزءا هاما منها بكل تفان وإخلاص؛ لكنهم لم ينصفوا في حياتهم، ولا بعد وفاتهم. لقد تم إسكاتهم بقوة الرصاص، وتهميشهم من طرف ذوي القربى، ونسيانهم بعد وفاتهم من طرف الجميع. و اشدد هنا على شخصية "موح انحدوش" كقائد للانتفاضة بايث يطفت، و "عبد الله تهامي" قائد الانتفاضة بايث احذيفة. هذا الأخير كان ضمن الوفد الريفي الذي حاور الملك محمد الخامس في قصره حول مطالب انتفاضة الريفيين و بعده تصدى ببسالة للقوات النظامية عندما أرادت أن تزحف من تاركيست إلى القلب النابض للانتفاضة بايث بو يخلف و نواحيها. هل من رسائل من وراء كتابك؟ بالتأكيد أن هناك رسائل موجهة إلى كل من يهمهم الأمر، لكن ما يهمني بالدرجة الأولى هو إبراز كون الانتفاضة لم تكن مختصرة في قبيلة واحدة أو قرية معزولة بل كان لها صيتا عالما و أن اغلب خطواتها كانت مدروسة. و أن في الريف كان فيه دائما حكماء و أناس يشتغلون بصبر وببعد النظر .فالكتاب يتحدت مثلا عن شخصية ميس الحاج سلام، رئيس الانتفاضة الذي كان حكيما في توجيهاته و تعامل مع وفود باقي القبائل المنتفضة لقد نهاهم و أوصاهم و وجههم. فالكتاب تحدق و لو بإيجاز عن علاقة المنتفضين بايث يطفت بميس الحاج سلام رئيس الانتفاضة. فميس الحاج سلام كان يدعو الناس للتريث و عدم التسرع وتجنب الصدامات مع ''آيث بوقبارن''، وعدم مهاجمة الإدارات. و روى لي أبي ، أن قائد منطقة ايث يطفت موح انحدوش أرسل في يوم من الأيام وفدا يطفتيا مكونا من 25 فردا يمثلون كل مداشر ايث يطفت وقد كانت مهمة الوفد محددة في التشاور حول مختلف القضايا التنظيمية، ومطالبة ميس الحاج سلام بتزويدهم بالسلاح. ولما أثيرت معه قضية السلاح كان جوابه " عاذ نتباع منيا شواي شواي...عاذ اوذني بوسلاح..''، ما معناه، "نحن نتابع التطورات بتدرج، وليس هناك السلاح الآن"، وطالبهم بالهدوء وعدم مهاجمة الإدارات، لكنه حثهم على مقاطعتها ومقاطعة الأسواق الرسمية. أما الرسالة الأخيرة، فأريد توجيهها إلى الحاكمين، كون أبناء و أحفاد أولائك الأبطال، لا يمكن لهم أن ينسوا أو يتناسوا ما وقع لآبائهم و أجدادهم رغم مرور الأعوام و السنين، نضرا للجرح الغائر في أجسادهم و الظلم الموشوم في ذاكرتهم. و القول بان أي مصالحة مغشوشة و سطحية مع الريف قد لا تؤدي إلا إلى نتائج عكسية و تكرار نفس الأخطاء. و ما أحدات ايث بوعياش لسنة 2011 ، و التي جوبهت بنفس الطرق من المعاملات المليئة بالاهانات و الحكرة و القمع و الاعتقالات و كذا الحصار المفروض الآن على المنطقة، وكذا استمرار منع كل التجمعات السلمية إلى حدود اليوم لخير دليل على فشل تدبير المخزن لملف المصالحة مع الريف و معالجته للماضي المؤلم في المنطقة. هل من كلمة أخيرة؟ أوجه دعوة إلى جميع طلاب من أبناء ايث يطفت و كل أبناء الريف الكبير و أيضا إلى شرفاء الوطن العمل على تدوين باقي الشهادات قبل رحيل أصحابها. و ابدي شخصيا استعدادي للتعاون مع أبناء البلدة للاشتغال على الموضوع و جمع باقي الشهادات (في قبيلة ايث يطفت) و لماذا لا نشرها في جزء ثاني لكتابي "انتفاضة 58/59 الريف كما رواها لي أبي". أو في كتاب مستقل أو في فيلم يسجل بالصوت و الصورة حكايات أبائنا و أجدادنا. و شكرا لشبكة دليل الريف على مواكبتها للأحداث و المستجدات التي تهم الريف.