"لا يمكن أن يتقدم الفكر العلمي إلا بتهديم المعارف الخاطئة الراسخة" {غاستون باشلار} ربما يجب منا الأخذ بهذه المقولة الباشلارية في قرائتنا "للتاريخ الرسمي" من أجل تجاوز كل المعارف التاريخية الخاطئة التي درسناها والتي ما زالت تدرس مع الأسف لحد الآن في مدارسنا التعليمية وتروج في كل القنوات الإديولوجية الرسمية للدولة المغربية، وذلك سعيا منا بالتصالح مع الذات وإعادة الإعتبار لها ولتاريحنا بعيدا عن كل القراءات الإديولوجية الضيقة التي تسيئ إلى التاريخ والوطن بدل من إعلاء شأنه وشأن الوطنيين الحقيقيين الذين كتبوا التاريخ بدمائهم. فلوضع حد لهذا الزيف المتكرر من "التاريخ الرسمي" في إحتفار الذات، يجب علينا كباحثين إحداث إنقلاب إبستمولوجي من أجل غربلة كل الأفكار الخاطئة التي تعلمناها في في المدرسة وفي العائلة والمجتمع...الخ كما يقول {إدكار موران}، وذلك عن طريق التفكير في "التاريخ الرسمي" من خلال "الذات" بدل التفكير في هذه الأخيرة من خلال "التاريخ الرسمي"، وهكذا سيتحول هذا الأخير من "ذات" للتفكير إلى موضوع له، وتتحول الذات من "موضوع" للتفكير إلى "ذات" تفكر وتحلل "التاريخ الرسمي" كموضوع، ومن هذا المنطلق سنكون قد تعاملنا مع التاريخ إنطلاقا من الذات والحقيقة والموضوعية، بدل التعامل معه من خلال المنطلقات الإيديولوجية الضيقة المليئة بالأكاذيب والأساطير. لذلك فإن أهم المسائل التي يجب علينا غوص البحث فيها عند تناولنا للتاريخ هي اللغة المفاهيم والدلالات أو المعاني التي تحملها، وذلك من خلال إستخراج الروابط التي توجد بين اللغة –المفاهيم- والفكر والممارسة والتاريخ، لأن بدون هذا لا نستطيع أن نقوم بدراسة مرحلة فكرية ما في الماضي البعيد أو القريب إذ لم نأخذ بعين الإعتبار وضع اللغة انذاك وطريقة التعبير السائدة والمفردات المستخدمة في تلك المرحلة وعلافة ذلك بالزمن وتغيراته، وذلك تفاديا السقوط في "المغالطات التاريخية". إن الوقوف عند التاريخ الرسمي من خلال هذا الجانب نجد أنه يقدم لنا إلى حد الآن مفاهيم "البربر" و"البيربير" و"إمازيغن" بإعبتارها مترادفة وحاملة لنفس المعنى، حيث تشير حسب فهمهم إلى الإنسان الإمازيغي، وهذه من بين المغالطات التاريخية التي وقع فيها "التاريخ الرسمي"، لأن لو قمنا بالبحث عن معنى هذه الكلمة "البربر" في اللغة العربية نجد أنها تحمل عدة معاني حيث في بعض الأحيان قد تحيل على قوم وفي حالات أخرى قد تحيل على صفة حيوانية، وعند تعمقنا البحث في القواميس والمعاجم اللغة العربية نجد أن معنى "الهمجية والوحشية" التي تحملها كلمة "البربر" إرتبطة باللغة العربية حديثا، ذلك أنه أيام إبن خلدون وإبن منظور مثلا لم يكن "للبربر" معنى قدحي أو وحشي، فالقواميس الحديثة مزدوجة اللغة هي التي إستحدثت هذا المعنى القدحي "للبربر" وتحديدا قواميس: إنجليزية – عربية، وفرنسية – عربية التي أنتجتها مجامع دمشق والقاهرة للغة العربية، والغريب في الأمر أنه لا أحد حرك ساكنا من المغاربة الذين لهم العضوية في تلك المجامع لإنصاف الأمازيغ من الحيف الذي طالهم وما زال إلى حد الآن من تلك المعاجيم، كذلك فالمعنى الذي تحمله كلمة "البيربير- الفرنسية" ليست هي كلمة "البربر" فلكل كلمة تاريخها وسياقها ومعانيها الذي يتطور بتطور إستعمالها، لأن كلمة "البيربير" مرادفة لمصطلح مرتبط بالإستعمار الفرنسي، وأكثر من ذلك فإن ترجمة كلمة "البربر" أو "البيربير" بالأمازيغ إنما هو خروج عن السياق التاريخي للكلمات وتحوير لمحتوى معرفي مرتبط بإنتاج له دلالاته ومعانيه، وأكثر من ذلك فإن هذه الكلمات التي نتحدث عنها لا وجود لها في اللغة الأمازيغية أو عند الإنسان الأمازيغي. نفس الشيء عندما نقف في التاريخ الرسمي عند مفهوم الوطن والوطنية "فالوطن في شعار المملكة يترجم ب Patrie في حين تترجم الوطنية المغربية كما هي الحال عند العروي ب Nationalisme والفرق شاسع بين الوطن Patrie والوطن Nation. فالأول يحيل على الأباء الذي تتماشى معه اللغة الأم، أما الثاني فهو فكرة خرجت من رحم "النزعات" الإستقلالية في الإمبراطوريات الأوربية خلال القرن 19" إذن "فالوطنية بالعربية تحمل في طياتها معنيين لا يتكاملان بالضرورة من حيث علاقة ذلك بالتراب: الباتري Patrie أو فكرة الناصيون أو الناشيون Nation"، فالوطنية في العربية إرتبطت بالاديولوجية العروبة التي تحيل فيها صيغ الجمع إلى الوطن العربي والأمة العربية، من هذا الفهم سيستمد أصحاب "اللطيف" مفهوم الوطنية، فالمقاومة المسلحة وجيش التحرير لم يعتبروا يوما وطنيين لا من طرف "الوطنيين" حسب "التاريخ الرسمي" ولا من طرف الباحثين، ففهم هؤلاء للوطنية ارتبط أشد الإرتباط بالإستشراق، فالمستشرقون يعتبرون من طرف طرف "الحركة الوطنية" من أصدقاء العرب والمسلمين، لأن هؤلاء {الأصدقاء} هم من رفعوا شأنهم وجعلوا منهم "أبطال" للعروبة والإسلام -إبان الظهير 16 ماي 1930- في وسائلهم الإعلامية التي كانوا يتوفرون عليها خلال تلك المرحلة، وذلك من خلال معارضتهم "للظهير 16 ماي 1930 المنظم لسير العدالة بالقبائل ذات الأعراف البربرية" وتسميته زورا وبهتانا ب "الظهير البربري" ثم إعطائه حجما أسطوريا عملاقا من قبيل أن هذا الأخير "جاء من أجل التفريق بين الأمازيغ والعرب وتنصيرهم" لتتزامن هذه الأسطورة مع نشوء أسطورة أخرى ظهرت بالمشرق هي "القومية العربية" هكذا سيلعب المشارقة وبالأخص -شكيب أرسلان- دورا رئيسيا في تحويل أسطورة –الظهير البربري- إلى أسطورة "قومية" تهم كل العرب والمسلمين في العالم. ومن هذا المنطلق القومي سيبني أصحاب "اللطيف" فهمهم للوطن وللوطنية وذلك بإقصاء كل ما هو وطني حقيقي، ونفس الفهم ستعتمده الدولة المغربية إبان الإستقلال الشكلي في كل قنواتها الأيديولوجية الرسمية من التعليم والإعلام والإدارة...الخ، لماذا؟ لأن هؤلاء المدعون أنفسهم ب "الحركة الوطنية" هم من سيتفاوضوا مع المستعمر الفرنسي وهم من سيوقعوا على معاهدة "إكس لبان" الخيانية وبالتالي ستسلم لهم السلطة من المستعمر مع الحفاظ على كل مصالحه في المغرب، في الوقت الذي كان فيه جيش التحرير المغربي ما زال يقاوم المستعمر محاولا بذلك إجلاء كل القوات الإستعمارية وتحرير كل شبر أرض من هذا الوطن، وأكثر من ذلك فالوطنيين الحقيقين الذين أطلقوا شرارتهم في وجه المستعمر قبل حتى توقيع معاهدة الحماية 1912 إلى حدود 1936 في كل من الأطلس والريف والجنوب لم ينصفهم التاريخ الرسمي ولم يقف إلى محطاتهم التاريحية وإلى معاركهم الخالدة في المقابل تجد أنه يقف عند محطات أكل عليها الدهر وشرب تسيئ إلى الوطنية أكثر من إعلاء شأنها.هكذا سينهج الباحثين نفس السياسة في تعاملهم مع الذات، من اللغة والتاريخ والثقافة والهوية...الخ، وذلك إنطلاقا من الفهم الذي رسمه أصحاب "اللطيف" من خلال أسطورة "للظهير البربري"، حيث بدل أن يطرح الباحثين هذا الظهير محظ شك والغوص البحث فيه من أجل إستنباط الحقيقة وإنصاف الذات هم أخذوه كمسلمة وبدأ يكتبون عن الذات إنطلاقا منه، هكذا أصبحت هذه الكتابات محتقرة دائما للذات الوطنية لأنها غير مؤسسة على البحث العلمي الجاد والهادف والموضوعي بقدرما اطرتها الأطروحات الإيديولوجية يثار من خلالها إستفهام عريض يتعلق بمستوى الوعي الفكري والمنطق العلمي ودرجته ونوعيته، الذي يسطر على هؤلاء الباحثين في تعاطيهم مع الذات التي يغيب في التعامل معها التجرد العلمي المرغوب، ويفضح إستسلام هؤلاء الباحثين بخصوص هذا الموضوع لنوع من البحث الدوغمائي المؤدلج على حساب المنطق العلمي السليم. إن إعادة قراءة التاريخ الوطني قراءة نقدية علمية صارت ملحة وضرورة أكثر من أي وقت مضى، وذلك من أجل تصحيح العديد من المغالطات التاريخية تم تمريرها وأحذت على أنها حقائق علمية وتاريخية لكثرة تداولها، والتي لها تأثير عميق على الذهنية والشخصية المغاربية والوطنية في تعاملها مع الذات، وكذا من أجل إعادة إسترجاع الحقائقة التاريخية الضائعة لإبراز حقول التقاطع بين الذات – الفكر – الواقع – المؤسسة والتاريخ، ثم الوصول إلى الحقيقة التي لا شك ستخلصنا من إستلاب كل أشكال النسقية المليئة بالمسخ والأوهام.