لقد أقدمت السلطات الأمنية يوم الأحد 30 دجنبر 2012 في مدينة أسفي قبيل إنطلاق المبارة التي جمعت بين فريقي أولمبيك أسفي وشباب الريف الحسيمي على حذف صورة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي من جنبات الملعب البلدي بآسفي، وهي الصورة التي حملها الى عين المكان مجموعة من الشباب المنظمين تحت مجموعة "التراس لوس ريفينيوس". والذين تحملوا عياء السفر نظرا لطول للمسافة التي تفصل الريف بمدينة أسفي حبا في فريقهم الريفي وافتخارا بمنطقتهم الريف وبزعيمهم التاريخي وزعيم كافة المغاربة وبطل التحرر العالمي محمد بن عبد الكريم الخطابي. فقد يكون قصد السلطات الامنية هو الحفاظ على الطابع الرياضي الصرف للمباراة، دون الدخول في استعراض كبرياء التاريخ. رغم انها لم يسبق لها وأن قامت بنفس التصرف في حق صور مجموعة من الشخصيات التي رفعت في العديد من الملاعب الرياضية المغربية منها صور لشخصيات مغربية دون ذكر اسمها، وشخصيات عالمية مثل "شيكي فارا". ولكن جل الملاعب الرياضية العالمية تعرف رفع صور لشخصيات تاريخية وسياسية وازنة مثل صورة الزعيم التاريخي لجنوب إفريقيا "نيلسون مانديلا "( في مونديال 2010) أو الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات....
إن هذا التصرف قد يبدو لباقي المغاربة عاديا، لأنهم لا يعرفون الكثير عن محمد بن عبد الكريم الخطابي، وذلك راجع الى طبيعة السياسة التعليمية والإعلامية التي تنهجها الدولة، و التي لم تمنح لتلك الشخصية العالمية المكانة التي يستحقها. أما بالنسبة للريفيين فالأمر بالنسبة اليهم محرج ومجرح لشعورهم الجماعي، ويعيد اليهم والى الواجهة الحقد التاريخي الذي يكنه المخزن للريف ولرموزه التاريخية عبر التاريخ.
فرغم الشعارات التي رفعتها الدولة في العقود الأخيرة من قبيل المصالحة مع الريف وجبر الضرر الجماعي وتنمية الريف، فإن مثل هذه التصرفات والتصرفات التي قامت بها الدولة في الأحداث الأخيرة التي عرفها الريف في 2012، عرت عن وجهها الحقيقي، وكشفت على أن الدولة المخزنية مازالت ترى في الريف بنظرة أمنية صرفة، ومازلت صور وأفكار الأمير تزعزع أركانها. حيث لم تستوعب بعد أن محمد عبد الكريم الخطابي هو زعيم وطني لجميع المغاربة ومن حق أي مغربي أن يفتخر به، والأكثر من ذلك فهو رمز عالمي لحركات تحرر عالمية.
فالفرق بين "الحركة الوطنية" التي صارت تقدس في البرامج التعليمية وفي الفضاءات العمومية و بين مولاي موحند هو أن الأولى كان همها الوحيد هو الوصول بسرعة الى المناصب الحكومية والسامية والأراضي الزراعية الخصبة، وبتالي استطاعت أن تحكم قبضتها على المغرب و أن تبيعه من جديد في معاهدة "ايكس ليبان". اما الثاني فكان له مشروع إستراتيجي يرمي الى إقامة دولة وطنية تتسع لكافة المغاربة مهما يختلف وضعهم الاجتماعي وانتمائهم الجغرافي، وكاملة السيادة ومستقلة في اتخاذ قرارها ومتضمنة لجميع ترابها، بيما فيها الثغور المحتلة والصحراء المغربية، بل والأكثر من ذلك كان يسعى الى تحرير كافة دول شمال إفريقيا من قبضة الاحتلال.
إذن من خلال هذا التصرف الذي قامت بها السلطات الأمنية في أسفي ومن خلال السياسات الرسمية للدولة في كل المجالات، يتببن أن الدولة لا تتوفر على إرادة سياسية للمصالحة مع الريف ومع رموزه التاريخية. فالهاجس الأمني ما زال حاضرا في تعاملها مع الريف. فحتى المجال الرياضي لم يستثنى من هذه المعاملة الأمنية، فطريقة تعامل الشركة المغربية للإذاعة والتلفزة مع الفريق الريفي لكرة القدم تثير الكثير من الاستغراب خاصة عندما يصل الأمر في بعض المرات - وكما حدث في أسفي- الى عجز معلق القناة الرياضية بالنطق بالهدف الذي يسجله الريفيون في مرمي الخصم ، مما يبين أن الفريق الريفي يشكل شوكة في حلقهم يريدوا التخلص منه.
وتزداد هذه النظرة الإقصائية في اتجاه الريف أكثر عندما يتعلق الأمر بالمنتخب المغربي سواء بكيفية تعامله مع لاعبون ريفيون تألقوا في كبريات البطولات العالمية مثل الحمداوي ، السعيدي ،أمرابط ، القدوري، التيغدويني، لبيض ... أو بلاعبي شباب الريف الحسيمي الذين تألقوا في البطولة المغربية مثل اللاعب عبد الصمد المباركي الذي ظل سنوات يبهر ويبدع ويفنن في الملاعب الرياضية ورغم ذلك لم ينادى عليه للعب مع المنتخب المغربي.
وفي الأخير يجب التأكيد على أن المقاربة الأمنية الممنهجة في حق الريف منذ ازيد من خمسة عقود لم تستطيع ان تخدم مصلحة لا الدولة المركزية ولا الريف، ولهذا حان الوقت بتغيرها بمقاربة تنموية جديدة مدخلها رد الاعتبار لتاريخ المنطقة ولرموزها والحفاظ على ذاكرتها الجماعية وخصوصيتها الثقافية واللغوية وتفويض لأبنائها صلاحية تدبير شؤونها المحلية.