لقد تابع الرأي العام المحلي و الوطني وكذا الدولي بكل اهتمام المحاكمات الصورية و المطاردات البوليسية، للنظام المخزني المغربي اللا وطني لا شعبي لا ديموقراطي القائم بالمغرب، في حق مناضلي آيث بوعياش، قلعة الصمود و النضال، و ما تابع ذلك من ردود تستنكر هذا الأسلوب المعتمد في التعامل مع الإحتجاجات، الذي يهدف إلى تركيع أبناء أريف، و ثنيهم على النضال من أجل مطالبهم المشروعة و العادلة. قبل الخوض في التفاصيل، و كيف و من أين استمدت السلطة القضائية الجرأة للزج بمناضلي حركة 20 فبراير بأريف في السجن، بتهم واهية و ملفقة، نريد أن نعود بكم ولو بشكل سريع إلى الوراء و بداية الإحتجاجات بمنطقة آيث بوعياش. قبل سقوط أي نظام ديكتاتوري في الشعوب التي طالها الربيع الديموقراطي، كانت ساكنة آيث بوعياش، قد تجرأت على رفع شعار إسقاط النظام، بالإضافة إلى القيام بمجموعة من الإعتصامات من داخل بعض "المؤسسات"، كما استطاعوا رفع علم جمهورية أريف لمؤسسها محمد بن عبد الكريم الخطابي، لأول مرة بعد مرور 84 سنة على حل الجمهورية، هذا العلم الذي يعتبر جزء لا يتجزأ من تراثنا و تاريخنا العريق و مكون أساسي للوعي الجماعي لأبناء أريف، و منذ هذه اللحظة - لحظة رفع العلم - و النظام يتصيد الفرصة للإنتقام و الإيقاع بالمناضلين بغية تقويض النضال بالمنطقة، فبعد كل المحاولات الفاشلة و الحيل الماكرة التي لجأ إليها النظام لتنويم الحس النضالي لدى العموم عبر: محاولة عزل حركة 20 فبراير عن باقي مكونات الشعب ( ملحدين - عاهرات -وكالين رمضان ..)، "انتخابات جاهزة مبكرة" منح دستور جديد، خطاب تاريخي، حكومة ملتحية ... إلى غير ذلك من المفاهيم و المصطلحات الفضفاضة و الفارغة المحتوى، اختبر النظام منطق القوة بأريف و بالضبط ذلك التدخل الهمجي يوم 5 مارس 2012 وما نتج عنه من إصابات و اعتقالات أثارت ردود أفعال وطنية لحركة 20 فبراير و دولية للجالية، أرغمت النظام على التراجع عن هذه المقاربة لأنه يعرف جيدا عواقبها. إذن فبعد فشل هذه السياسة في إخماد لهيب الإحتجاجات بآيث بوعياش، التجأ النظام إلى سيناريوهات جديدة، وهي تسخير "مناضلين ابطال" من صناعة مخزنية، كصاحب " نداء الريف" و تقرير جمعية الريف لحقوق الإنسان، الذين نشرا عبر المواقع الإخبارية الإلكترونية حيث كان الغرض منهما التقليل من أهمية و شأن الإحتجاجات بآيث بوعياش، واعتبارها مطالب اجتماعية بسطية، كما اعتبر صاحبنا من خلال هذا النداء و التقرير، أن هذه الإحتجاجات يطغى عليها طابع الفوضى و عدم التنظيم و أن المحتجين ليس بمقدورهم إيصال مطالبهم إلى المعنيين بالأمر، و الحقيقة أنه كان يصبوا إلى كسب الشرعية التي تخول له الحديث بإسمهم حتى يتسنى له توجيه الإحتجاجات في المسار الذي يخدم النظام، لكن أمام يقظة مناضلي أريف، بقى صاحبنا ونداؤه كالوشم على ظهر صاحبه، مما جعله يحج هذه المرة إلى البرلمان الأوربي بملف يحمل أكثر من علامة استفهام حول فحواه و محتواه، إذ أفضى لنا شخصيا أحد من كان بمعيته يومها، أنه لا يحيط علما بمكونات الملف، وأن عملهم اقتصر على تقديم الوثائق لسكرتير الإستقبال. أما ما نشر في بعض المواقع حول هذا الملف، مجرد بهرجة و تضخيم، الغرض منها تلميع صورته التي أسدل عنها الستار في ندوة الربيع الأمازيغي بأوتريخت، حيث تأكد أنه صناعة مخزنية. إن لم يكن الأمر كذلك، لماذا لم يتحدث بصفته ك"حقوقي" عن التجاوزات التي أقدمت عليها القوات العمومية من أعمال تخريبية في الأملاك الخاصة و نهب المحلات التجارية على طريقة العصابات الإجرامية، إذ هناك شريط مصور يثبت بالملموس تورط هذه العصابات الإجرامية للنظام المخزني، ولم يعتمد كدليل للتحقيق في هذه الأعمال التخريبية كما تم اعتماد الشريط الذي يُظهر المناضل عبد الحليم البقالي في مقدمة المسيرات الاحتجاجية والذي بموجبه حوكم ب4 سنوات سجنا و 10 ملايين سنتيما كغرامة. إضافة إلى توظيف المخزن هذا "الحقوقي" كوسيلة لردع الاحتجاجات، كانت ثمة وسائل أخرى من إنشاء هذا المخزن، حيث تم "استشكال" لجينة مشبوهة أخذت على عاتقها زمام المبادرة للتحاور مع الوالي بخصوص التعويضات المادية للتجار وفقط، معطية بذلك الشرعية لنفسها كمحاور شرعي عن المتضررين، و معطية في نفس الوقت الشرعية للوالي و تبرئته من مسؤوليته المباشرة في ما وقع، تماما كما برأه النظام من خلال تجديده الثقة فيه و تركه على رأس نفس الولاية، ربما لإنجازاته الدموية (5 شهداء، اعتقالات عشوائية، انتهاكات...)، هنا نريد أن نتساءل، هل شرفنا و عرضنا و نخوتنا و رجولتنا ونساؤنا، تشترى ببعض الدراهم؟ - ما مصدر هذه الأموال التي منحت للتجار الذين يستحقون في الواقع أكثر من بضع دريهمات؟ أليس مصدرها جيوب بعض أعيان المخزن الذين يستفيدون من الوضع اللاديموقراطي القائم؟ هذه اللجنة بسلوكها الحقير هذا (المطالبة بالتعويضات المادية فقط) تكون قد أعطت صورة على تواضع الحس النضالي لدى أفرادها، الشيء الذي حفز النظام على التكشير على أنيابه أكثر في مواجهة الحركة الاحتجاجية في أريف، و متابعة و اصطياد كل مناضليها الشرفاء الحقيقيين، ومحاكمتهم بتهم ملفقة عبر محاضر جاهزة، كإهانة القوات العمومية أثناء قيامها بمهامها. السؤال المطروح، عن أي مهام تتحدث أيها القاضي، عن سرقة اللحوم؟ كسر الواجهات التجارية؟ تهديد النساء بالاغتصاب في عيدها الأممي (8 مارس)؟ ترهيب الأطفال و التلاميذ (ثانوية اسماعيل)؟.. أهذه هي مهام قواتكم؟ لا تظنوا بأن الأمور انتهت بهذه الاعتقالات أو أنها ستكون هي الحل، اقرؤوا التاريخ جيدا، لتعرفوا مكانة أريف و دوره في اللحظات الحاسمة، فمسألة التعنت و منطق القوة و الحيل، لن يجديا.