على إثر السجال والجدال الذين خلفهما مؤخرا مسألة استعادة رفات أمير الريف من منفاه القسري بالقاهرة، وما صاحب ذلك من تصريحات واتصالات وتحركات رسمية وأخرى غير رسمية تذهب جميعها إلى أن الحسم في المسألة بات شبه مؤكد، وأن الاختلاف الوحيد الموجود بين الأطراف المتحمسة لاستعادة رفات مولاي موحند، يكمن في مكان إعادة دفن الشهيد، إذ في الوقت الذي تشجع جهات رسمية أن تدفنه في العاصمة الرباط، وبالتحديد في مقبرة الشهداء، فإن عددا من نشطاء الجمعيات بالريف تفضل دفنه ببلدة أجديرحيث مسقط رأس الشهيد، وموطن بطولاته وأمجاده. وفي هذه المسألة بالذات، مسألة استعادة رفات مولاي موحند، ارتأينا نحن أعضاء تنسيقية العمل الأمازيغي بطنجة أن نوضح للرأي العام العام الوطني والدولي، وجهة نظرنا التي بنيناها على أساس مجموعة من النقاشات والقراءات المستفيضة، نظرا لما للموضوع من أهمية وحساسية. وهكذا وقبل طرحنا لموضوع استعادة الرفات من عدمه، نود أن نطرح سؤالا عريضا مفاده هل استطاع المغرب الرسمي في بداية القرن الواحد والعشرين، تحقيق الحد الأدنى من تطلعات مؤسس جمهورية الريف في بداية القرن العشرين؟. يبدو أن النظام المغربي وهو المعروف لدى القاصي والداني بكونه خبيرا في المقالب وتمييع المطالب، قد تعمد فهم مطلب الحركة الأمازيغية في شقه المتعلق باستعادة رفات مولاي موحند على الشكل الخاطئ، ولا بأس أن نكلف أنفسنا عناء توضيح بعض الأمور وتقريب بعض الرؤى لهذا النظام الذي يحاول "استغبائنا" عبر اختزاله ملف مولاي موحند في تابوت جامد لا يسمن ولا يغني من جوع. إن نشطاء الحركة الأمازيغية بمختلف تلاوينهم أيها النظام، لم يسبق أن وردت في أجندتهم في يوم من الأيام عودة مولاي موحند عودة تابوت فقط، ليدفن بحضور بضع عشرات من الأشخاص في أجدير، بل إنهم يهدفون من خلال رفعهم لهذا المطلب العادل إلى استعادة ذلك البعد التنويري والفكري في حركة مولاي موحند.. يريدون تدريس تلك التجربة التحررية التي قادها أسد الريف من أجل الكرامة والحرية في المدارس المغربية.. يريدون تلقين الأجيال دروس الديمقراطية ومبدأ فصل السلط الحقيقي التي جسدها عبدالكريم في دستور الجمهورية الريفية سنة 1921.. يريدون كشف الستار عن المساهمة الفعلية لمولاي موحند في تأسيسه لجيش تحرير شمال أفريقيا، وإبراز دوره التنسيقي والتأطيري في أفق بناء استراتيجية تحررية تتأسس على البعد الكفاحي والنضالي للمنطقة، وصراحة موقفه الرافض للدستور الممنوح سنة 1962، وحقيقة غضبه على ما يسمى زعماء الحركة الوطنية. إن الحركة الأمازيغية ومن خلال رفعها لمطلب استعادة الرفات، فإنها تريد من وراء ذلك أن تلقن الأجيال القادمة كيف كان النظام طيلة فترة دولة "الإستقلال"، ينبذ اسم عبدالكريم الخطابي، وتريد أن تكشف السرالكامن وراء عدم الترخيص لمؤسسة الأمير محمد بن عبدالكريم الخطابي للدراسات والأبحاث والتوثيق، التي أسسها الدكتور عمر الخطابي سنة 1996 وجعل منزله الكائن في أجدير مقرا لها رغم استيفائها لجميع الشروط المنصوص عليها في القانون المنظم لتأسيس الجمعيات، كما تحاول نفض الغبار عن السبب الحقيقي وراء الحصار الإعلامي الرسمي والحزبي المفروض على التراث النضالي لتجربة مولاي موحند وتصوره الحداثي للدولة. ثم ألم يكن الأحرى بهذه السلطات أن تلتفت إلى مقر قيادة الخطابي في أجدير... ومختلف الأماكن والمآثر الأخرى -الشاهدة على شجاعة إيمازيغن وبسالتهم- التي تكالبت عليها ظروف الطبيعة والمخزنة فأقبرتها وأطمرتها عوض أن تتأهب لاستعادة رفاته، في الوقت الذي تتسابق وزارة الثقافة لتنظيم مهرجانات فلكلورية تافهة في مختلف مناطق المغرب، والتي تصرف عليها أموالا طائلة كان الأجدر أن توفر لتنمية المناطق الفقيرة بالمغرب، ومنها منطقة الريف المجاهدة، والحقيقة أن الخط الزمني لاستعداء عبدالكريم من طرف النظام المغربي بدأ ولا يريد أن ينتهي، وفي هذا الباب نستحضر كيف رفضت السفارة المغربية في "بون" سنة 1990 تقديم المعلومات اللازمة للباحثين الألمانيين "رودبيرت كونز" و"رولف ديتير مولر" لإنجاز بحثهما حول المساعدة الألمانية السرية لفائدة إسبانيا لتشغيل مصنع الغازات السامة بمليلية وقصف الريف بقنابل كيماوية في الوقت الذي تواصلت فيه آنذاك المباحثات بجنيف حول حظر استعمال الأسلحة الكيماوية. هذه الأفكار وغيرها، مجرد خلاصة وعصارة أولية لورقة فكرية، تستعد تنسيقية العمل الأمازيغي بطنجة، طرحها في قادم الأيام على مختلف فعاليات الحركة الأمازيغية في الداخل والخارج، من أجل إبداء رأيها فيها وإغناء النقاش حولها، وعلى ضوئها سيتحدد موقفنا الصريح من مسألة إعادة رفات "ميس ن عبدالكريم". خلاصة أولية -قابلة لمجموعة من التعديلات- لورقة فكرية من إنجاز تنسيقية العمل الأمازيغي بطنجة