تزايد الحديث في الأشهر الأخيرة عن موضوع الجهوية الموسعة في المغرب،خصوصا بعد تنصيب اللجنة الاستشارية المكلفة بالموضوع،وإن كانت الجهوية معروفة الظروف والدوافع والأهداف،وأقصد أنها جاءت في سياق حلحلة ملف الصحراء،ودعم المبادرة المغربية لمنح هذه الأقاليم حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية،إلا أن هذا لا يعني حصر الجهوية في ملف الصحراء،بل يجب التعامل معها كخيار يمكن أن يساهم في إعطاء دفعة للانتقال الديمقراطي في المغرب، ويمكن أن يساهم كذلك في مسلسل التنمية المتعثر نتيجة سيطرة المركز على كافة الموارد واحتكاره للسياسات الاستخراجية والتوزيعية في عموم البلاد. ومن بين الملفات التي يعول على الجهوية حلها،ملف الريف، المرتبط بملفات كثيرة كالتنمية والتقسيم الإداري وغيرها ،فإذا كان واضحا أن الريف لازال يصارع الهشاشة والتهميش،فإن هذا الريف يمكن أن يلعب دورا ريادي في تنمية نفسه وعموم المغرب،والتاريخ يؤكد هذا الاتجاه،إذ طالما لعب الريف الكبير،أو المحيط المتوسطي للمغرب دورا إستراتيجي في تطور المغرب،فمنذ الممالك الامازيغية التي استطاعت الوقوف في وجه إمبراطوريات عاتية كالرومان،بفضل هذا الموقع الاستراتيجي،وكذلك الازدهار الذي عاشته (الدول المغربية المتعاقبة) من خلال ما كان يسمى بالتجارة الصحراوية،وإمداد القارة الأوروبية بالبضائع المختلف،القادمة من مختلف بقاع المعمور،كالهند وغيرها،وكل ذلك كان يتم عبر الريف الكبير،ومدن تاريخية في ساحل الريف،كالنكور والمزمة وتازوظا وغيرها شاهدة على ذلك ،هذا في الشق الاقتصادي والتنموي،أما سياسيا فالدور الذي لعبه الريف في إيصال المسليمين إلى الأندلس،لا يخفى على أحد،وكذلك الدور الذي لعبه في الإطاحة بالبرتغاليين،والانتصار على الإمبراطور دون سيباستيان في معركة واد المخازن الشهيرة. إلا أن ظهور ما يسمى بالاكتشافات الجغرافية،وركب المحيط الاطلسي إلى ماورائه،وجلب الذهب والمعادن النفيسة مباشرة والاستغناء عن تجارة القوافل،أدى إلى أفول شمس الريف،وفقدانه دوره الاستراتيجي ما أدى إلى ضعف الدول المغربية التي جاءت بعد الدولة السعدية،وكذلك سقوط الاندلس،وإحتلال كل من سبتة ومليلية وغيرها من الثغور. لكن الان مع تراجع اهمية التجارة العابرة للمحيطات،نتيجة لمجموعة من التطورات خاصة في الجانب الحقوقي،وتجريم الاتجار في البشر،الذي كان من بين أهم السلع في زمن الاكتشافات الجغرافية،وعودة الحياة إلى المحيط المتوسطي،ووعي الجيران في الضفة الشمالية إلى حد ما بمكانة الضفة الجنوبية،خاصة معا تزايد الاهتمام بما يسمى الاتحاد من أجل المتوسطي،والوضع المتقدم الذي منحه الاتحاد الاوروبي للمغرب،كلها أمور ومؤشرات على بزوغ شمس الريف الكبير من جديد،فإذا إستجابة الجهوية الموسعة لهذه التطورات التي تحدث في البيئة الداخلية،وأقصد به الحراك الذي تقوده نخب الريف في الداخل والخارج،من خلال تناول موضوع الجهوية وربطه بمطلب الحكم الذاتي للريف،وكذلك البيئة الخارجية التي شهدت الحراك السابق الذكر. هكذا فإذا نجحت الجهوية في تكوين قطب (مغرومتوسطي)،الذي سيمتد ساحليا من السعيدية إلى طنجة،متمتع بحكم ذاتي يأهله للعب دور رائد على الصعيد السياسي من خلال العمل على تحرير الثغور المحتلة،وعلى الصعيد التنموي إذ لا شك أن تمكين الريف من التمتع بخيراته،سيكذب المعادلة المغربية المعاكسة للقاعدة العالمية التي تقسم العالم تنمويا إلى الشمال الغني والجنوب الفقير،ففي المغرب الان كلما إتجهت شمالا إزداد التهميش والتفقير،فإنها ستنجح في الخطو بالمغرب خطوت هامة في سلم الدمقرطة والتنمية.