تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    عضو في الكونغريس الأمريكي يضغط على قيس سعيّد ويقترح قانونًا لمعاقبة نظامه    ألباريس: إسبانيا ترفض استقبال فلسطينيين في حال تهجيرهم من غزة    مصدر خاص ل"الأول": "طاقم تونسي لمساعدة الشابي في تدريب الرجاء"    المغرب يحدث ثورة في البنية التحتية الرياضية استعدادًا لاحتضان كبريات التظاهرات    قاضي التحقيق يفرج عن بدر هاري بشروط    البطولة الاحترافية للقسم الثاني .. برنامج مباريات الدورة ال 16    تفاصيل المصادقة على اتفاقية لتهيئة حديقة عين السبع    العيون تحتضن المؤتمر العربي الأول حول السياسات العمومية والحكامة الترابية يومي 7 و8 فبراير الجاري    الشليح: قانون الإضراب يتعارض مع مبادئ الدستور والحكومة وضعت البلاد في أزمة خانقة    المغرب يعزز قدراته الدفاعية بتسلم طائرات "بيرقدار أكينجي" التركية المتطورة    الاتحاد الأوروبي: "غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية"    المغرب يشارك في النسخة الثامنة للقمة العالمية للأعمال بالبنغال شرق الهند    إنتاج التمور في الدول العربية.. ما مدى تقدم المغرب في الإنتاج والجودة؟    بنعلي من طنجة: الترابط بين الماء والطاقة والغذاء مجال حيوي للتحول نحو الاستدامة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    بهدف قاتل".. ريال مدريد يهزم ليغانيس وتأهل إلى نصف نهائي الكأس    توسعة الطريق التكميلية بين الداخلة والكركرات: مراحل هامة نحو تحسين التنقل أقصى جنوب المملكة    ارتفاع طفيف لأسعار الذهب    كيوسك الخميس | إسبانيا تمنح تصاريح إقامة لأزيد من 11.500 عاملة مغربية    المغرب يحقق رقماً قياسياً في توافد السياح خلال يناير 2025    معرض للفن الإفريقي المعاصر يحول مراكش إلى وجهة فنية    محاكمة مقاول بتارودانت يشتبه تورطه في عملية نصب على 24 شخصا من متضرري الزلزال    وزير الداخلية الإسباني يأمل أن تشرع "الحدود الذكية" في العمل بحلول أكتوبر بعد زيارته مليلية    فيديو: توافد المئات من المعتمرين والحجاج على معهد باستور بالدار البيضاء للتلقيح ضد التهاب السحايا    وزير الدفاع الإسرائيلي يأمر بالتخطيط ل"هجرة طوعية" من غزة بعد مقترح ترامب للسيطرة على القطاع    رئيس أولمبيك مارسيليا يشيد بمهدي بنعطية    شرطة ألمانيا تتجنب "هجوم طعن"    "قناة بنما" تكذب الخارجية الأمريكية    خدمة كوبرنيكوس: "شهر يناير" الماضي كان الأعلى حرارة على الإطلاق    أربع نقابات تطالب وزير التربية الوطنية والتعليم بتنزيل اتفاقي 10و26 دجنبر 2023    مطالب برلمانية بفتح تحقيق في اختلالات تدبير مديرية التّعليم بتيزنيت    تندوف على صفيح ساخن.. صدامات دامية بين الجيش الجزائري والبوليساريو    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    تعبئة أكثر من 40 مليون درهم لبناء وتهيئة الرّئة الخضراء المستقبلية لأكادير    معرض "أليوتيس" بأكادير : الدريوش تعقد سلسلة لقاءات ثنائية مع عدد من الوزراء ومسؤولي قطاع الصيد البحري    أستاذ مغربي في مجال الذكاء الاصطناعي يتويج بجامعة نيويورك    كأس انجلترا: نيوكاسل يؤكد تفوقه على أرسنال ويتأهل للمباراة النهائية    7 أطعمة غنية بالعناصر الغذائية للحصول على قلب صحي    طنجة وبرشلونة.. شراكة متجددة وآفاق واعدة استعداداً لكأس العالم 2030    اجتماع موسع بعمالة إقليم الجديدة لتتبع تموين الأسواق والأسعار (بلاغ)    بنعلي تبرز تحديات الماء والطاقة    عقبات تواجه "مشروع ترامب" بشأن غزة.. التمسك بالأرض ومعارضة العرب    مسؤولون وجامعيون ينعون لطيفة الكندوز رئيسة "جمعية المؤرخين المغاربة"    التاريخ والذاكرة.. عنف التحول ومخاضات التشكل    وفاة المغنية الشعبية غيثة الغرابي    غياب اللقاح بمركز باستور بطنجة يُثير استياء المعتمرين    تأجيل أم إلغاء حفل حجيب بطنجة؟ والشركة المنظمة تواجه اتهامات بالنصب    كعكتي المفضلة .. فيلم يثير غضب نظام المرشد في إيران    أجراس الحداثة البعدية في مواجهة منابر الحداثة    ماذا يعرف الأطباء عن أعراض وعلاج الاحتراق النفسي؟    الرباط.. العرض ما قبل الأول لفيلم "الوصايا" لسناء عكرود    الرباط: تنصيب الأعضاء السبعة الجدد بأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجريمة والعقاب
نشر في اشتوكة بريس يوم 20 - 11 - 2010

لا أعرف إن كانت وسائل الإعلام الإسبانية ستكون لديها الجرأة على نشر الشريط المروع الذي وزعته وزارة الداخلية، مساء الاثنين، خلال الندوة الصحافية المشتركة التي نظمها وزيرا الداخلية والخارجية ودعوَا إليها جميع الصحافيين المغاربة والصحافيين الأجانب المعتمدين في الرباط.
14 دقيقة تفضح بالصور كل الجرائم المروعة والبشعة التي ارتكبتها ميليشيات الانفصاليين الموالين للبوليساريو في مخيم «أكديم إزيك» ومدينة العيون.
إن هذا الشريط -الذي سجلته كاميرات مصالح الداخلية والجيش بالطائرة، واعتمدت في تركيبه على صور التقطتها كاميرات الهواتف النقالة، والذي تجدونه في الموقع الإلكتروني ل«المساء»- أصدق أنباء من كل المقالات الملفقة والصور المزورة التي ظلت تنشرها الصحافة الإسبانية طيلة هذه الأيام.
إن أول ما يشعر به المرء وهو يتابع هذا الشريط المروع هو الانقباض والغثيان والتقزز.
كيف يستطيع الإنسان أن يتحمل رؤية أشخاص يوقفون رجل إطفاء يسوق سيارة إسعاف وينزلونه من السيارة ويضربونه بالقضبان الحديدية حتى الموت.
كيف يستطيع المرء أن يتحمل مشهد جمع أفراد من القوات المساعدة داخل المخيم ورجمهم بالحجارة وركلهم بالأرجل وطعنهم بالخناجر والسيوف حتى الموت.
كيف يستطيع المرء تحمل رؤية شخص يفتح سرواله ويتبول على جثتي فردين من أفراد القوات المساعدة، قبل أن يدير وجهه ويركض منتشيا نحو زملائه؟
كيف يستطيع المرء أن يتحمل المشهد الوحشي والمريع لعملية ذبح أحد أفراد القوات المساعدة من الوريد إلى الوريد وسط شوارع العيون، وتركه يتخبط في دمائه أمام أنظار قاتليه؟
إن الجثث والجرائم التي ظلت تبحث الصحافة الإسبانية عن صورها دون أن تعثر عليها توجد في هذا الشريط، لكنها، لسوء حظ الصحافة الإسبانية، لم تكن جثث المدنيين التي ظلوا يكذبون بها على قرائهم، وإنما جثث قوات الأمن المغربي.
فهل ستكون لهؤلاء الصحافيين الإسبانيين الجرأة على الاعتراف أمام قرائهم بأنهم كانوا مخطئين عندما اعتبروا هؤلاء المجرمين، الذين يذبحون الجثث ويتبولون عليها، أبطالا يدافعون عن الكرامة؟
هل سيعتذرون عن إلصاقهم تهمة قتل المدنيين الصحراويين بالأمن المغربي، في الوقت الذي يرون فيه بالصورة الواضحة كيف أن رجال الأمن تم ذبحهم بدماء باردة والتمثيل بجثثهم بأبشع الطرق وأحطها. مع أن الأمن المغربي كانت لديه الإمكانية لسحق هؤلاء المجرمين وإردائهم بالرصاص الحي، بسبب بشاعة الجرائم التي ارتكبوها؟
كيف سيبررون أمام قرائهم لمعان السيوف والخناجر في أيدي هؤلاء القتلة الذين قدموهم إلى قرائهم كفرسان للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟
كيف سيقنعون قراءهم بشرعية ذبح رجال القوات المساعدة كما تذبح الخرفان؟ كيف سيجرؤون على الدفاع عن هؤلاء السفاحين الذين لا يحترمون حتى جثث قتلاهم؟
إن كل من سيبرر أو يتستر على هؤلاء المجرمين بعد رؤية الشريط، يعتبر واحدا منهم، سواء كان صحافيا أو شيئا آخر، لأن هذه الدقائق الأربع عشرة المليئة بالصور، التي تعكس وحشية الجرائم التي اقترفها الانفصاليون، هي صك اتهام واضح يضع المجرمين وحماتهم من الصحافيين الإسبان الذين زوروا الحقيقة في قفص الاتهام أمام أنظار الرأي الدولي.
الآن، عندما أرى كيف نفذ هؤلاء الانفصاليون جرائمهم الوحشية أفهمُ، بشكل أفضل، شهادات الأسرى المغاربة الذين كانوا في سجون البوليساريو. أفهم أكثر معاناتهم الإنسانية الاستثنائية، وأصدق أكثر ما كانوا يحكونه عن وحشية التعذيب الذي كانوا يتعرضون له على أيدي الانفصاليين: شق اللحم الحي ودس الملح فيه، غرس الأسرى في الرمال ووضع براميل فوق رؤوسهم إلى أن يموتوا اختناقا، ربط الأسرى وجرهم بالسيارات داخل المخيمات إلى أن تقطع أجسادهم إلى أطراف صغيرة..
إن هذا الشريط يفضح «التربية» الحيوانية التي تربِّي عليها جبهة البوليساريو أبناءَها، ويشرح، لكل من لازال في حاجة إلى شرح، أية كرامة يدافع عنها هؤلاء المجرمون.
لقد كان أفراد الأمن المغربي يعتقدون أنهم في مواجهة عصابة من المنحرفين الخارجين عن القانون، فإذا بهم يكتشفون أنهم في مواجهة أفراد ميليشيا مدربين على الذبح على الطريقة الزرقاوية في أدغال كوبا، ولديهم احتياطي مرعب من الكراهية والغل تجاه كل ما هو مغربي.
إنني، كمغربي، أطالب وسائل الإعلام الإسبانية بوضع هذا الشريط على مواقعها الإلكترونية، كما صنعت مع كل الصور المفبركة والأشرطة المزورة التي توصلت بها حول أحداث العيون من وكالة أنبائها الرسمية التي ضللتها طيلة الوقت بصور أطفال غزة التي تعود إلى أربع سنوات.
هل ستكون لوسائل الإعلام الإسبانية «المستقلة» الجرأة، هذه المرة، على «ارتكاب» المهنية ولو لمرة واحدة في حياتها عندما يتعلق الأمر بالوحدة الترابية للمغرب؟
إننا نعرف مسبقا أن هذا الشريط لن يجد الآذان الصاغية داخل هيئات تحرير القنوات والصحف والمجلات الإسبانية، والتي سترفق تعاليقها حوله بكونه يعكس الرؤية الرسمية لما حدث، ببساطة لأن هذا الشريط يفضح شيئا واحدا وخطيرا حدث في العيون، وهو أن الجثث والقتلى الوحيدين الذين سقطوا في العيون كانوا بين رجال الأمن المغاربة.
عملية ذبحهم وقتلهم بالقضبان والسكاكين والحجارة، قبل التبول على جثثهم، كلها موثقة بالصورة.
إن هذه الصور البشعة تفضح، بشكل قاطع، أن ما حدث في العيون عمل إجرامي ووحشي لا أحد يستطيع تبريره، إلا إذا كان يريد تبرير الإرهاب والمتورطين فيه.
وعلى عبد العزيز المراكشي، الذي ذهب يتباكى أمام مجلس الأمن لتكوين لجنة تحقيق حول ما حدث في العيون، أن يخجل من نفسه وهو يشاهد في الشريط كيف تصرف رفاقه «المسالمين» الذين «يقاتلون» من أجل «الكرامة» ذبحا بالسيوف والخناجر ويتبولون على جثث ضحاياهم مثل ما تصنع الضباع.
حاشا لله أن يكون هؤلاء السفاحون صحراويين. فالأنفة والروح الإسلامية وعزة النفس التي عرفت عن الصحراويين تنزههم عن تلطيخ أياديهم بدماء إخوانهم. هؤلاء ليسوا سوى «ملاقطية» ومرتزقة رمال الصحراء، وسكانها بريئون منهم ومن جرائمهم.
الآن، وبعد الانتهاء من مشاهدة هذا الشريط المرعب، ما هو أول سؤال يتبادر إلى الذهن؟
إنه، ببساطة: «لماذا لم تستعمل قوات الأمن الرصاص لكي تدافع عن أفرادها الذين وقعوا بين أيدي هؤلاء القتلة؟
إن أول رد فعل كان يجب أن تقوم به قوات الأمن التي كانت تتابع الأحداث من المروحيات، عندما كشف المجرمون عن نواياهم الحقيقية وأشهروا سيوفهم وخناجرهم وقنيناتهم الحارقة وشرعوا يذبحون أفراد قوات الأمن، هو اللجوء إلى استعمال الرصاص ضدهم.
وحتى لو سقط قتلى بين هؤلاء المجرمين فإن قتلهم كان سيكون مبررا، لأن قوات الأمن كانت ستكون في موقف الدفاع عن حياة أفرادها وهيبة الدولة التي مرغها هؤلاء الأوغاد في التراب.
إن الشريط، الذي صوره أفراد قوات الأمن من المروحيات، كاف لكي يعطي الدولة المغربية الحق في استعمال السلاح للدفاع عن حياة أفرادها غير المسلحين الذين سقطوا فريسة سهلة بين أيدي عصابة مدربة على القتل بدم بارد.
لقد كان على أجهزة الأمن أن تفكر مرتين قبل أن ترسل قواتها إلى ساحة المعركة بدون أسلحة للدفاع الذاتي، وبدون خطة مدروسة لتفكيك المخيم وإعادة الهدوء إلى العيون بدون وقوع قتلى وجرحى بكل هذا العدد الكبير.
إن عدد القتلى والجرحى في صفوف قوات الأمن يعطينا صورة واضحة عن الأخطاء الأمنية التي رافقت عملية تفكيك المخيم. وهذه الأخطاء يتحمل وزرها الجنرالات الذين قادوا العملية دون أن يضعوا في اعتبارهم السلامة الجسدية لرجالهم.
عندما نرى الشجاعة التي تحلى بها سائق سيارة الإسعاف وسائق سيارة الإطفاء اللذين تم توقيفهما وإخراجهما وقتلهما بالعصي والسيوف والخناجر، نتساءل هل كان صعبا على هذين السائقين أن يخترقا الجموع بسيارتيهما ويدهسا كل من يعترض سبيلهما دفاعا عن النفس.
الجواب أن السائقين كانا يستطيعان ذلك، لكنهما فضلا أن يوقفا سيارتيهما ويقعا في «أسر» هؤلاء المجرمين على استعمال العنف ودهسهم مثل الحشرات فوق الطريق.
والنتيجة هي أنهما دفعا حياتيهما ثمنا لهذا الاختيار.
نعم إنهما، رفقة الآخرين، سقطوا شهداء للواجب، لكنهما أيضا، رفقة الآخرين، ضحايا خطة أمنية فاشلة أعطت الأفضلية لحياة المجرمين، فيما وضعت حياة رجالها في المرتبة الثانية.
إن العنف يكون مبررا في حالة الدفاع عن النفس، وفي حالة الدفاع عن الوطن. وهؤلاء المجرمون، الذين ذبحوا رجال الأمن وتبولوا على جثثهم، كانوا يستحقون القتل رميا بالرصاص. وعدم التدخل من أجل حمايتهم لديه اسم في القانون، إنه عدم تقديم المساعدة إلى شخص في خطر، وخصوصا إذا كان الأمر يتعلق بخطر الموت.
الآن وقد أصبح هذا الأمر مستحيلا، فليس هناك بد من البحث عنهم واحدا واحدا وتقديمهم إلى المحاكمة العادلة لكي ينالوا الجزاء الوحيد الذي يليق بما ارتكبوه من جرائم وحشية: الإعدام لكل من يثبت أنه لطخ يديه بدماء هؤلاء الشهداء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.