انتهى المؤتمر الوطني الثالث لحزب الأصالة والمعاصرة، دون مفاجآت مثيرة على مستوى سيناريو مستقبل الحزب، بتولي الياس العماري منصب الأمين العام بشكل رسمي فقط، على اعتبار أنه ظل يتحكم في الحزب ويسيره بطرق معروفة رفضها حتى المنتمون لهذا الحزب الذين وجدوا أنفسهم أعضاء فيه لسبب من الأسباب. وبغضّ النظر عن الإخراج الرديء لمسرحية "انتخابه" أمينا عاما، فإن ما وقع يكشف عددا من المؤشرات التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار في أي تحليل لمستقبل المشهد السياسي بالمغرب: • إننا لم نكن إزاء مؤتمر حزبي برهانات سياسية وتنظيمية، بقدر ما كنا أمام لقاء اضطراري وتجميع ضروري، لبعث رسائل في اتجاهات كثيرة، من بينها أن الأطراف التي ظلت تُراهن على الأصالة والمعاصرة كذراع حزبي لمشروع السلطوية والتحكم، داخل بنية الدولة في مرحلة سابقة، أو على هامشها فيما بعد 2011، لم تعد تتحمل عبأه الثقيل وكلفته العالية، بشكل مباشر، ولجأت إلى سحْب "موظفيها" على الأقل على مستوى الواجهة، وسلمّت بالتالي الحزب إلى ذوي الاختصاص والحرفة. • إن تسليم الحزب لإلياس العماري، يكشف في الحقيقة إفلاس الحزب ونفاد البدائل التدليسية، ويشير كذلك إلى أن ما حدث طلية السنوات الخمس الأخيرة في المغرب لم يكن مجرد جملة اعتراضية، وإنما كان تحوّلا على درجة عالية من الأهمية ومن الدقة في مستويات بعضها بادٍ للعيان، وبعضها يحدث خلف الأبواب المغلقة في مواقع اتخاذ القرار السياسي للدولة، تظهر آثاره وارتداداته بين الفينة والأخرى للعموم. • تولي إلياس العماري الأمانة العالمة لحزب الأصالة والمعاصرة، فضلا عن كونه يمثل فشل مقاربةٍ، واندحار مشروعٍ، فإنه يعني اللجوء إلى عملية انتحارية، بالانتقال إلى مرحلة إعلان حالة الطوارئ في مواجهة حزب العدالة والتنمية، ومحاولة منعه بكل الوسائل من مواصلة تقدمه سياسيا وانتخابيا وتحجيم حضوره في المشهد، ولو تطلب الأمر التوسل لكوابح من الخارج، وهذا ما جعل العماري يُعلن منذ اللحظات الأولى على تنصيبه أنه جاء ليواجه الإسلاميين، وإلا فإن كثيرين قبله رفعوا هذا الشعار، وانتهى بهم المطاف إلى الانهزام أمام العدالة والتنمية، أو جرى تحييدهم من المواجهة المباشرة في أحسن الأحوال، وهذا أيضا يُعززه إعراض بعض الإسلاميين خاصة ذوو الامتداد الجماهيري والمواقف السياسية عن التعليق على "وعيد" العماري بالمواجهة. • إن تولي العماري بوجه مكشوف قيادة الأصالة والمعاصرة، يُعبر كذلك عن انتصار جديد لعبد الإله بنكيران رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، والذي ظل يدعوه ويدعو من يستعملونه إلى أن يتولى هذه المهمة بصفة رسمية والابتعاد عن الاختباء وراء غيره، وأن يمتلك الشجاعة للنزال داخل رقعة الملعب، وهو بذلك يُعلن هزيمته، في جولة أخرى أمام قراءات بنكيران وحزبه للحياة السياسية للبلاد. • إن مجريات المؤتمر الوطني الثالث للأصالة والمعاصرة، يضع المغرب في الحقيقة في موقف مُحرج جدا ازاء الديمقراطية الحزبية، حيث إن عملية الانتخاب بالتصفيق والزغاريد وبصيغة المرشح الوحيد، تفضح نزوعات الحزب ونزوعات من قبل أن يُصبح قائدا له بهذه الطريقة الفجة، التي تُسائل نوعية الفاعلين الحزبيين الذين يُمكن أن يصبحوا في يوم من الأيام مسؤولين عموميين مستأمنين على مصالح الناس وحريتهم وكرامتهم. • وعلى كل حال، فإن ما وقع يجعل الأحزاب الجادة أكثر من أي وقت مضى أمام مسؤوليات تاريخية، للمساهمة في عزل هذا الكائن الذي يرتدي جبة حزب، والمساهمة في إنجاح ما يبدو من خطة التخلص منه وبناء قبر له في التاريخ السياسي الحديث للمغرب، وذلك بمقاومة كل الإغراءات التي يسيل لها اللعاب والمرتبطة بتطمينات تحجيم خصم حزبي مشترك وإبعاده عن التدبير لاقتسام عائداته السياسية والمالية والمعنوية كذلك، والمرجو أن تكون هذه الأحزاب قد استفادت من انتخابات 4 شتنبر التي بيّنت ألا عائد من وراء التعاون مع "الأصالة والمعارصة" سوى السراب والخراب.