لن يختلف اثنان في أن الذي وقع في فرنسا، من قتل للأبرياء، وزرع للخوف والفوضى وسط الآمنين من الناس؛ هو إرهاب كامل الأوصاف، والمعالم. وهو فعل لا يسنده منطق من دين، وإن حاول مقترفوه أن يصبغوا عليه من معالم الدين وتوجيهاته، ما زعموا. لأنه- بكل بساطة- فعل جُرميٌّ لا دين له. هكذا اتفق العقلاء، وهكذا قال العلماء، والحكماء، وأصَّلوا، وحكموا،... ولكن كل هذه الأحكام، والتأصيلات، والخرجات المٌندِّدة، من العلماء، والسياسيين والمثقفين،... يعوزها فقدان الجرأة في تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، حينما يتعلق الأمر بالإرهاب الذي تقترفه الدول في حق الآمنين من الناس، أو يقترفه المنتظم الدولي، في محاصرة الأمم والدول، وتجويع الشعوب والمجتمعات. فالإرهابُ إرهابٌ مهما ألصقه به مقترفوه؛ أفرادا كانوا أو تنظيماتٍ، أو دولا؛ من مبررات دينية، أو قانونية، أو قرارات مُنْتَظَمِيَّة. لأنه كل فعل يتعرض فيه الآمنون من الناس، من غير المحاربين، كيفما كانت ديانتهم، أو عرقهم، أو لونهم، أو قناعاتهم؛ للتخويف، أوالترهيب، أوالقتل، أوالتشريد،... فما يقوم به العدو الصهيوني في فلسطين، من تقتيل، وتدمير، وحصار، وفتك، وهتك،... هو إرهاب دولة لا يقل فظاعة عن الإرهاب الذي اقترفته جماعات الدم والإرهاب في فرنسا وغيرها. وهو إرهاب يحتاج من العالم أجمع أن يسجل إدانته له بنفس الحدة، والجرأة، والتعبئة التي سجلها، ويسجلها اليوم، ضد الهجمات التي تعرضت لها باريس. كما يجب على هذا العالم أن يعلن عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني الجريح، بنفس الحماس، والمحبة، والإخاء، الذي عبر عنه إزاء بلد "الحرية" و "المحبة"، والإخاء"،... !! وما مارسته العساكر الأمريكية في العراق؛ من تقتيل، وتدمير، وتشريد، وتأليب للنعرات، والتلاعب بالأنظمة والحكومات؛ هو كذلك إرهاب. ولن يشفع لحكام الولاياتالمتحدةالأمريكية ما يُسَوِّقوه عن أنفسهم من كونهم رعاة للسلام، وحماة للأمن، ومحاربين للإرهاب !!. وما مارسه النظام الانقلابي المصري، أثناء فضه لاعتصامَيْ رابعة والنهضة، من قتل، وحرق، وتشويه للجثت،... أو ما يمارسه النظام السوري المجرم-يوميا- ضد الأطفال، والشيوخ، والنساء؛ من قتل، وترويع،... أو ما تعرضت له- في هذه الأيام- تركيا، ولبنان، ومالي، وتونس، وقبلها المغرب، من تفجيرات، ...هو كذلك إرهاب يحتاج من كل الذين يتباكون – اليوم- على الأرواح الفرنسية المزهقة، ويوشحون "بروفايلاتهم" بأعلام "ماما فرنسا"؛ نفس التضامن، والإدانة، والبكاء،... فإذا كنا نعتقد، فعلا، أن الإرهاب بلا دين ولا وطن، وأن النفس البشرية، واحدة في الحرمة، والمكانة، والفضل، والأحقية في الحياة؛ فلِمَ كل هذا التمييز في التضامن، والتنديد، والتعبئة، حينما يختلف دين الضحايا، وأوطانهم، وأعراقهم؟ !. ولِمَ لا نهُبُّ بنفس القدر من التضامن والتنديد الذي نتفضل به على النفوس الآدمية الغربية المزهقة، حينما تسقط نفس مسلمة، أو "عالمثالثيةٌ" (مالي نموذجا)، ضحية للإرهاب الأعمى؟ !!. لماذا لا نقيس وقع الإرهاب الدولي على العوائل والمجتمعات الإسلامية، حينما يسقط ضحايا منا تحت قصفهم العشوائي، وتدميرهم المتعمد، للحرث والنسل، بنفس الإحساس الجَمْعِي الذي نعبر عنه، ويعبر عنه الغرب، حينما تسقط نفس منهم؟ !!. هل للنفوس الغربية جينات خاصة تميزها عن سائر النفوس الآدمية؟ أم لدمائها قداسة لا نعرفها، يستدعي سيلانها كل هذا التضامن، والتنديد؟ !!. نعم، إنه عمل رائع، وأخلاق نادرة، ودرس بليغ، أن نتخلص- نحن المسلمين- من عنصريتنا، وقبليتنا، ونعلن للغرب العنصري، الذي اعتاد أن يحمي إرهابييه من تنديداتنا، وتضامننا، ووعيدنا، حينما يقترفون في حقنا المجازر، والمذابح، أننا معهم في مصابهم؛ متضامنون، مساندون، ضد هؤلاء الهمج من بني جلدتنا، المحسوبين على ديننا. ولن تمنعنا سلوكاتهم العنصرية ضدنا، ولا انتماء هؤلاء المجرمين إلى أوطاننا، أن نكون منصفين في أحكامنا. لأننا أمة بعثها الله رحمة للعالمين، ولا يجرمنَّها شنآن قوم على ألا تعدل، وتنصف، وتشهد على نفسها بالحق لصالح غيرها، وإن كان هذا "الغير" عدوا. قال تعالى:" (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة، 8]. أجل، لن يمنعنا شنآنهم أن نبقى أوفياء لتعاليم ديننا، الذي يحرم قتل النفس البشرية-أي نفس- مهما علا شأنها أو نزل، إلا بالحق؛ أو أن نتضامن معهم، ونندد بأفعال تصدر باسم ديننا، والدين، كما نحن، منها براء. ولكن في المقابل، لن نكف أن نقول لحكام الغرب: إن تضامننا معكم، في مصابكم الجلل، وتنديدنا لأفعال تنظيمات الدم والإرهاب، التي طالت أمنكم واستقراركم، لن يمنعنا-أبدا- أن نستمر في إدانة عنصريتكم ضدنا، وقتلكم لنا، وانتهاكاتكم ضد حياضنا، وأمننا، وتدخلكم في شؤوننا الداخلية... فدماؤنا دماء، وليست ماء.. !! دمتم على وطن.. !!.