تطرح قضية اعتقال مصطفى ولد سلمى من طرف الدرك الجزائري أمام أبنائه ومنعه من العودة إلى مخيمات تندوف، سؤالا أخلاقيا على الصحافة والمنظمات الحقوقية الدولية ومجلس الأمن والخارجية الأمريكية. ومثلما تحركت كل هذه المؤسسات لمؤازرة أميناتو حيدار خلال مسلسل إضرابها عن الطعام في مطار لانزاروتي للمطالبة بعودتها إلى بيت أسرتها بالعيون، وطالبت المغرب باحترام حقها في التعبير عن نوازعها الانفصالية، فهذه المؤسسات الإعلامية والحقوقية والدبلوماسية مطالبة اليوم بالوقوف إلى جانب مصطفى ولد سلمى الذي لم يقترف جريمة أخرى غير ممارسة حريته في التعبير عندما قال إن «مشروع الحكم الذاتي، الذي تقدم به المغرب، هو الحل الأمثل لإنهاء معاناة أسوأ مخيمات في العالم». هذه الجملة، التي قالها مصطفى ولد سلمى خلال زيارته لمدينة السمارة، كشفت عن الوجه الفاشي والدكتاتوري لقادة جبهة البوليساريو وجنرالات الجزائر، الذين يحركونهم من وراء الستار، والحزب اليميني الإسباني وصحافته وبرلمانييه الأوربيين الذين يتكفلون بضمان الميزانيات المالية لتغطية تكاليف الحرب الدبلوماسية والإعلامية على المغرب. فالصحافة الإسبانية، التي تطالب المغرب باحترام حق أميناتو حيدار في التعبير عن أحلامها الانفصالية ومنحها حق العودة إلى بيتها في العيون، هي الصحافة نفسها التي تسكت عن اعتقال الدرك الجزائري لأحد الأعضاء المؤسسين لجبهة البوليساريو لمجرد أنه مارس حقه في التعبير وتبنى علانية فكرة مشروع الحكم الذاتي وأراد العودة إلى أسرته الصغيرة في مخيمات تندوف. ننتظر أيضا من هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، التي طالبت المغرب باحترام حق أميناتو في التعبير، أن تطالب الجزائر والبوليساريو باحترام حق مصطفى ولد سلمى في التعبير كذلك. فولد سلمى وأميناتو حيدار ينتميان إلى نفس الجبهة التي حملت السلاح ضد المغرب، والفرق بينهما هو أن لكل واحد منهما تصوره الخاص لمستقبل الصحراء. والأمم المتحدة والخارجية الأمريكية والمنظمات الحقوقية الدولية توجد جميعها اليوم أمام مسؤولية ضمان الحق في حرية التعبير لجميع الأطراف، وليس فقط للأطراف التي تتبنى خيار تقرير المصير. وإذا كنا، كمغاربة، نفهم حسابات الجهات الإعلامية الأجنبية ومنظماتها الحقوقية التي تتحرك طبقا لأجندة سياسية تتحكم فيها الجهات المانحة، فإننا، حقيقة، لا نفهم إصرار بعض الصحافيين من بني جلدتنا على الوقوف في خندق الخصوم، رغم أنهم يشتغلون في وكالات صحافية تعطي الدروس يوميا في أخلاقيات المهنة. وإلى حدود اليوم، لم يصدر مكتب وكالة الأنباء الفرنسية في الرباط أية قصاصة حول اعتقال الصحافيين المغربيين من طرف قوات الأمن الجزائري لمنعهما من تغطية عودة مصطفى ولد سلمى إلى تندوف. ولم تصدر أية قصاصة، إلى حدود كتابة هذه الأسطر، حول اعتقال مصطفى ولد سلمى من طرف الدرك الجزائري ومنعه من العودة إلى بيته بمخيمات تندوف. ولم تصدر منظمة «هيومن رايتس ووتش» أي بلاغ حول ما وقع للصحافيين المغربيين والقيادي والمدير العام لجهاز الشرطة في البوليساريو، رغم أن المنظمة لم توفر جهدا لتقريع المغرب في تقريرها الأخير حول حقوق الإنسان وحرية التعبير، والذي وصفته فيه بالبلد الذي يقيد الحريات ويزجر ويسجن المعارضين المسالمين الذين «ينتقدون الملكية ويشككون في مغربية الصحراء أو يسيئون إلى الإسلام». ورغم أن الصحافيين المغربيين اللذين اعتقلهما الدرك الجزائري لم يقوما سوى بواجبهما المهني في تغطية رحلة عودة مصطفى ولد سلمى إلى بيته بتندوف، من أجل إخبار قرائهما بتفاصيل الرحلة، فإن منظمة «هيومن رايتس» لم تر ضرورة لإصدار بيان تدين فيه منع الصحافيين المغربيين من القيام بواجبهما الإعلامي. وهي الممارسات التي ظلت تتباكى عليها المنظمة متهمة المغرب بتكميم أفواه الصحافيين واعتقال المعارضين المسالمين الذين يمارسون حريتهم في التعبير. وكأن مصطفى ولد سلمى، الذي تم اعتقاله من طرف الدرك الجزائري، لا يدخل ضمن خانة هؤلاء المعارضين الذين تدافع منظمة «هيومن رايتس» عن حقهم في التعبير عن آرائهم المسالمة دون التعرض للزجر أو السجن. خلال إضراب أميناتو حيدار عن الطعام لإجبار السلطات المغربية على السماح لها بالعودة إلى عائلتها بالعيون، كتبت الصحافة الإسبانية أكثر من 1500 مقال، كلها مساندة لأفكار السيدة، ولم تحترم هذه المقالات شروط المهنية وراحت تتبنى وجهة نظرها وتهاجم المغرب بشكل فج يخلو من اللياقة. وعندما عبر المدير العام لجهاز الشرطة في البوليساريو، مصطفى ولد سلمى، عن رأيه المساند لمشروع الحكم الذاتي في الصحراء وأراد العودة إلى أسرته في تندوف، رأينا كيف تعرضت عائلته للاعتداء من طرف البوليساريو وكيف تم اعتقاله من طرف الدرك الجزائري أثناء عودته، ومع ذلك لم تصدر في الصحافة الإسبانية أكثر من ثلاث مقالات. هنا نفهم أن الديمقراطية وحرية التعبير، اللتين تتبجح بهما وسائل الإعلام الإسبانية وبعض وكالات الأنباء الأوربية، لا تسريان على الجميع وإنما تسري فقط على الناشطين والحقوقيين والإعلاميين الذين يتبنون أطروحة الانفصال في الصحراء ويعادون المصالح الحيوية للمغرب. أما الذين يتبنون المشروع السياسي الذي اقترحه المغرب، فهؤلاء -في نظرهم- مجرد خونة يستحقون أن يعتقلوا ويختطفوا دون أن تكتب عنهم هذه الصحافة الديمقراطية سطرا واحدا، ودون أن تصدر في شأنهم منظمة عتيدة في الدفاع عن حقوق الإنسان، اسمها «هيومن رايتس ووتش»، بلاغا مقتضبا تدافع فيه عن حق هؤلاء «الخونة» في التعبير. إن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ونحن نرى التحيز الواضح لهذه المؤسسات الإعلامية التي تعتمد صحافيين في الرباط، ووقوف منظمة دولية كمنظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى جانب «ناشطين» صحراويين دون «ناشطين» آخرين، هو كيف يقبل مغاربة بالاشتغال والتعاون مع هذه المؤسسات الإعلامية والحقوقية وهم يرون كيف أن هذه المؤسسات لا تحترم المهنية ومبدأ الاستقلالية في الدفاع عن حرية التعبير وحقوق الإنسان؟ وإذا كان بعض الصحافيين المغاربة يقدمون يد المساعدة إلى هذه الوكالات الإعلامية الأجنبية ويعينونها على ضرب المغرب في أكثر مناطقه إيلاما أمام المنتظم الدولي، فإن هناك مغاربة آخرين يوجدون في مواقع المسؤولية داخل الأجهزة المقررة لمنظمات حقوقية دولية يطرح وجودهم فيها أسئلة محرجة حول «تعارض المصلحة». والجميع يعرف أن الأمير مولاي هشام، الذي لديه مشاريع استثمارية في المغرب كما في بقية دول العالم، يشغل منصبا مرموقا في المجلس الإداري لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» بنيويورك، وهو المجلس الإداري الذي لديه صفة استشارية. وتبعا لذلك، فإن تقارير المنظمة حول أوضاع الصحافة وحرية التعبير والخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تمر تحت أنظار الأمير قبل أن تتقرر «مباركتها» وتعميمها. ولذلك، فالتواجد داخل المجلس الإداري لمنظمة دولية مثل «هيومن رايتس ووتش» تهاجم المغرب في مجال حرية التعبير وحقوق الإنسان، رغم اعتراف العاملين في هذا المجال بتقدم المغرب حقوقيا على غيره من الدول العربية، يطرح إشكالا أخلاقيا، خصوصا إذا كان عضو المجلس الإداري للمنظمة المعادية لمصالح المغرب العليا أميرا ينتمي إلى العائلة الملكية ويتقاضى ميزانية سنوية مسطرة ضمن اللائحة المدنية التي يصوت عليها البرلمان. إن أول من يجب عليه أن يحتج على التعامل التمييزي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» وتعتيمها على قضيتي مصطفى ولد سلمى والصحافيين المغربيين اللذين تم اعتقالهما في تندوف هو الأمير مولاي هشام. أولا، لأنه أحد أعضاء المجلس الإداري للمنظمة. وثانيا، لأنه كاتب رأي في منابر إعلامية دولية مؤثرة. وثالثا، لأن الأمر يتعلق بقضية مصيرية هي مشروع الحكم الذاتي الذي يدافع عنه المغرب أمام المنتظم الدولي، وهي القضية المصيرية التي تحتاج إلى جهود جميع المغاربة في الداخل كما في الخارج، وخصوصا المغاربة الذين يشغلون مواقع حساسة داخل الأجهزة الاستشارية للمنظمات الحقوقية المؤثرة، ولديهم موطئ قدم داخل هيئات تحرير وسائل الإعلام الدولية. المغرب يحتاج إلى أبنائه هنا والآن للدفاع عن وحدته المهددة من طرف الخصوم الذين يخططون لتجزئته إلى دويلات تحكمها عواصم القوى الإمبريالية. هذه هي المعركة الحقيقية التي تواجه المغاربة اليوم. «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون».