غموض يكتنف مجزرة الرحامنة، التي وقعت ليلة الثلاثاءو صبيحة الأربعاء الماضيين، بدوار الهلالت، دون أن يكتشفها أحد، بما فيها السلطات المحلية، قبل أن يكشف أول خيوطها من قبل الطاقم الطبي، التابع لمستشفى ابن طفيل، الذي استقبل، في الساعات الأولى من صباح أول أمس الخميس، آخر ضحايا المجزرة. ربط المسؤولون عن المستشفى الاتصال بالمصالح الأمينة للتحقيق في محاولة قتل تعرض لها شاب يتحدر من إقليم الرحامنة، مما دفع السلطات إلى الاتصال بمصالح الدرك الملكي، التي انتقلت إلى مكان الحادث، حيث عثرت على الجاني الذي أخبرهم بشكل تلقي ببالمجزرة، التي ارتكبها في حق خمسة من أقاربه، هم والدته وشقيقاه الأصغر والأكبر، إضافة إلى زوجة الأخير وابنها، الذي يبلغ من العمر 4 سنوات. داخل المنزل الفسيح، الذي يقطن فيه «محمد.ش» ووالدته وشقيقه وزوجته وابنهما الصغير، يجلس الجاني في زاوية مظلمة من البيت، يردد «تعاويذه»، كما «هو حاله منذ الأسابيع القليلة الماضية»، يقول أحد أفراد العائلة في لقاء مع «المساء». زاوية من المنزل وجد فيها «محمد» ضالته، لدرجة أنه كان يجلس فيها إلى أن يغالبه النوم، الذي يعتبره عدوه الأول، يقول مصدر «المساء». هناك كان يجلس إلى ساعة متأخرة من الليل، مما يجعل الأم تعاني في صمت مع معاناة فلذة كبدها. كانت الأم تحاول التخفيف من حدة الألم النفسي لابنها، الذي يبلغ من العمر 23 سنة، بمجالسته في مكانه المظلم، محاولةً ملء فراغه، وتكسير روتين خلوته، لكن الابن كان دائما يصدها، إما بمغادرة المكان أو الصراخ في وجهها، مما كان يزيد في ألم الأم، التي كانت تسعى إلى معالجة ابنها، ولم تكن تتردد في الاستغاثة ببعض الجيران قصد التدخل لإخراج فلذة كبدها من حالته النفسية، التي كانت تسوء يوما بعد يوم. ابعدي مني راسي كايطن طن عليا الساعة كانت تشير إلى الواحدة من صباح الأربعاء، بدا «محمد.ش» منعزلا أكثر من أي وقت مضى، يتحدث لوحده بكلمات غير مفهومة تجمع بين مجال الدين، والفلاحة، والحيوانات، قبل أن ينهي ذلك بعبارات ساقطة، جعلت الأم تهرع صوبه لتهدئ من روعه وتطمئن عليه. في تلك الليلة المظلمة، ظلام الحزن الشديد الآتي، والذي لم يطرق باب تلك الأسرة منذ أن انتقل رب الأسرة إلى جوار ربه، كان الابن في حالة نفسية مضطربة جدا، وكانت تصدر عنه في تلك الليلة تصرفات توحي بأنه سينتقل من وداعته إلى شراسته، التي ليس بعدها شراسة، حيث كان يشحذ سكينه دون أن يلمح ذلك أي شخص من أفراد الأسرة. في «خلوته» في زاوية البيت، كان «الجاني» يردد كلمات نابية في حق والدته وأشقائه، تصدر عنه كلما اشتد به الحال. حاولت الأم «نعيمة»، البالغة من العمر 53 سنة، التخفيف من ألمه، والتهدئة من روعه بدعوته إلى فراشه من أجل النوم، لكنه رفض تلبية طلبها وخاطبها قائلا: «بعدي مني، راسي كايطن طن». لم تشأ الأم أن تضغط كثيرا على ابنها، بعد أن رفض النوم أو تناول العشاء، لتجتمع رفقة ابنها وزوجته وحفيدها الصغير حول مائدة، ستكون الأخيرة. انتهت الأم من تناول وجبة العشاء رفقة ابنها وزوجته وحفيدها وغادرت صوب غرفة النوم، حيث يرقد بجانبها ابنها المضطرب نفسيا. أطفأت النور، بعد أن اطمأنت على ابنها بنظرة أخيرة، قبل أن تدخل في نوم عميق، بينما بدأ الشقيق الأكبر للجاني وزوجته وابنهما يستعدون للنوم، هذا في الوقت الذي كان الوضع النفسي ل»محمد» يزداد تعقدا وسوءا. قتل الأم نعيمة انتظر الابن/الجاني ساعات قليلة، حتى تأكد من أن الجميع دخلوا في نوم عميق. كانت الساعة تشير في تلك اللحظة إلى الثانية من صباح يوم الأربعاء، حينما استل «محمد» سكينه الكبير، والذي لازمه منذ مدة، وكان يعتني به أشد الاعتناء، سواء بوضعه إلى جانبه خلال نومه، أو حمله خلال رعيه للغنم، أو من خلال تنظيفه باستعمال مواد التنظيف. المعلومات، التي حصلت عليها «المساء» من أحد أفراد دوار الهلالات، حيث تقطن أسرة «علي» كما هي معروفة، فوق تل معزول عن باقي «الخيمات» الموجودة، في قبيلة تسمى ب»العواوجة»، تفيد بأن الجاني، الذي له سوابق في محاولات قتل أفراد أسرته، تسلل خلسة إلى الغرفة التي ترقد فيها والدته، وطعنها بسكينه جهة القلب. صرخت الأم من شدة الطعنة، قبل أن تخرج مسرعة من الغرفة صوب بهو المنزل الفسيح، مضرجة في دمائها. سقطت الأم غارقة في دمائها، وتوقفت استغاثتها، التي سمعها الابن الأكبر، الذي خرج من غرفته ليتفقد الوضع ومصدر الصراخ، لكن سكين الشقيق المضطرب نفسيا كان له بالمرصاد، حيث غرزه «محمد» في قلب شقيقه المتزوج، وتوجه صوب الغرفة التي ترقد فيها الزوجة رفقة ابنها الصغير. وسط بهو المنزل وبالقرب من مكان موت الأم، سقط الشقيق الأكبر «عزيز. ش» البالغ من العمر 27 سنة، لافظا أنفاسه الأخيرة، حينها توجه «محمد» حاملا سكينه، والدماء تغطي يده، صوب الغرفة التي ترقد فيها زوجة أخيه وابنها، حيث ذبح الأم من الوريد إلى الوريد، لكن صيحاتها أيقظت الابن البالغ من العمر أربع سنوات من النوم. استفاق الولد الصغير على وضع صراخ أمه «نهيدة»، البالغة من العمر 24 سنة، لكن مشهد الدماء تتناثر من عنقها، جعله يصدم جراء هول المنظر. أمر الجاني الطفل الصغير بالصمت وعدم التحرك من مكانه، وهو ما استجاب له الصغير على الفور. خنق الطفل وقتل حمزة ب"بونقشة" مرت حوالي 10 دقائق على تنفيذ الجاني لعملية القتل الثالثة، لكنه كان في تلك اللحظة يخطط لتنفيذ جريمة القتل في حق الضحية الرابع وهو ابن شقيقه. لم يعمد الجاني إلى ذبح أو طعن الطفل الصغير بسكينه، وإنما خنقه بواسطة قطعة ثوب كبيرة، غطى بها فمه وأنفه، ليسقط الطفل صريعا لافظا أنفاسه الأخيرة، وعلقه الجاني على الحائط باستعمال آلة حادة، في مشهد يرسم طريقة سلخ «كبش العيد». انتهى «محمد» من مجزرته، التي وصل ضحاياها في تلك اللحظة إلى أربعة أفراد، وهم والدته وشقيقه وزوجة الأخير وابنها، في الوقت الذي تشير معطيات أخرى إلى أن ضحية أخرى لم يتم الكشف عنها، على اعتبار أن «نهيدة» زوجة شقيق الجاني، كانت حامل في شهرها الرابع، مما يعني أن مرتكب هذه الجريمة أتى على ستة أشخاص. «هوس» الجاني بالقتل وتعطشه للدماء لن يقف عن حدود قتل أربعة أشخاص، بل ستطال شقيقه الأصغر، الذي نادى عليه من خارج المنزل من أجل ضمه إلى لائحة ضحايا المجزرة. فبمجرد أن ولجت قدما الشقيق الأصغر «حمزة. ش»، الذي يبلغ من العمر 12 سنة، ويدرس بالمستوى السادس أساسي باب المنزل، وجه له الجاني طعنة بسكين «بونقشة»، ليرديه قتيلا. نار القتل لم تنطفئ، وبحر الدماء لم يجف بعد، إذ حاول الجاني إلحاق شقيقه «بدر»، (18 سنة)، الذي يعمل حارسا بأرض فلاحية، بلائحة الضحايا الخمس، حيث نادى عليه في حدود الساعة الثالثة من ليلة اليوم الأسود، وبمجرد أن اقترب منه طعنه بسكينه على مستوى البطن، ليسقط الأخير أرضا، قبل أن يعمد إلى الهرب من موت محقق. نقل عم الضحية الأخير صوب المستشفى الإقليمي لبنجرير، حيث قدمت له العلاجات الأولية، قبل أن يتم نقله صوب مستشفى «ابن طفيل» بمراكش، حيث سيدخل إلى غرفة العناية المركزة، نظرا لوضعه الصحي الخطير، هناك حيث ستتفجر القضية، ويكون ضحية الحادث الذي استقبله مستشفى «سيفيل» بمثابة الشجرة التي أخفت «مجزرة» رهيبة راح ضحيتها أفراد أسرة بكاملها. غسلهم باجافيل وقاية من اللعنة قبل أن تحل مصالح الدرك الملكي بمكان الحادث وتكتشف المجزرة الرهيبة، بعد أن توصلت بمعلومات من السلطات الأمنية بمراكش عن محاولة قتل نجا منها شاب، قام الجاني بغسل جثث الضحايا الخمس بمادة «جافيل»، إذ صب عليه المادة الكيماوية، وتلاها بسكب الماء فوق جثتهم اعتقادا منه أنه بذلك يكون قد وقاهم من «اللعنة»، التي أسر له بها «الجن»، يقول مصدر «المساء». صعد «محمد» إلى أعلى المنزل، وشرع في الصراخ بأعلى صوته «ونوضو، راني قتلتهم كاملين، علمو المخزن، وما تخافو من تا حاجة»، صيحة دوى صداها في أرجاء الدوار الهادئ، مما جعل عون السلطة، وبعض أفراد أسرته يهرعون إلى المكان لمعرفة حقيقة «ادعاء» شخص يعتبرونه من الذين رفع عنهم القلم. حضرت عناصر من الدرك الملكي إلى الدوار، الذي يبعد عن صخور الرحامنة ب 8 كيلومترات، من أجل التحقيق في حادث الاعتداء على شقيق الجاني، لكن المفاجأة والصدمة ستكون قوية عندما اكتشفوا أن «ادعاءات» الجاني بأنه قتل الجميع صحيحة، ليتم ربط الاتصال بوكيل الملك، الذي حل بمسرح الجريمة، حيث وقف على الجثث الخمس، قبل أن يتم نقل الجاني إلى مقر الدرك الملكي حيث تمت مباشرة التحقيقات معه لمعرفة ظروف وملابسات ارتكابه لهذه الجريمة البشعة، فيما نقلت الجثث إلى مستودع الأموات بمنطقة باب دكالة بمدينة مراكش، من أجل إخضاعها لتشريح طبي وإعداد تقرير في طبيعة الوفاة، وتقديم المتهم إلى وكيل الملك، الذي يتابع الحادث عن كثب. أٌحضِر الجاني إلى مسرح الجريمة، من جديد، لتمثيل وقائع مجزرته، ومحاولة تركيب لحظاتها، وسط استنكار سكان الدوار وبكاء النساء. الغريب في الحادث أن الجاني لم تظهر عليه أي علامات للعنف، كما أن علاقته بوالدته وباقي إخوانه لم تكن مطبوعة بالخلاف أو النزاع، إضافة إلى أنه لم يعرف عن «محمد» تعاطيه لأي نوع من المخدرات، خصوصا «القرقوبي» أو ما شبهه. دس السم في الطاجين والحلوى المعلومات التي حصلت عليها «المساء» من مصادر بالدوار قريبة من الحادث، تفيد بأن الجاني قام بمحاولات عدة من أجل قتل أفراد أسرته جميعها، دون أن يتأتى له ذلك. واستنادا إلى معلومات دقيقة حصلت عليها «المساء»، فإن الشاب المضطرب نفسيا، حاول، قبل شهور مضت، تسميم أفراد الأسرة بالكامل، بعد أن دس السم في طاجين كان يحتوي على عشاء، قبل أن يتم اكتشافه من قبل الأم، كما سبق للجاني أن وضع مادة سام عبارة عن دواء مميت في حلوى، لكن يقظة الشقيق حالت دون تنفيذ هواجسه. تكررت محاولات دس السم في أكل أفراد الأسرة، لكن فشل الجاني في تحقيق هدفه بهذه الوسيلة، جعله يفكر في نهج طريقة أخرى للوصول إلى هدفه، الذي كان يمليه عليه «الجن»، كما ردد غير ما مرة، وذلك من أجل أن «يقيهم من اللعنة». كان الجاني من الذين يؤمنون بالتعاويذ ويمارسون طقوس الشعوذة والسحر، إلى درجة أنه كان يطالع كتبا عن طقوس السحر، ويختلي بنفسه غير ما مرة، إلى درجة أنه يتحدث بأعلى صوته مع الأغنام والأبقار والدجاج. فكرت الأسرة في إدخال الابن المريض إلى مستشفى الأمراض العقلية، لكن الأم كانت تعترض لأنها لم تكن تقبل الابتعاد عن فلذة كبدها. الرفض المتكرر للأم لاقتراح عرض ابنها على طبيب نفساني، أو وضعه داخل مستشفى للأمراض العقلية، من قبل الشقيق الأكبر، الذي يمتلك أزيد من 25 هكتارا من الأراضي الصالحة للزراعة، جعل الضحية (الشقيق الأكبر) يصرف النظر عن الموضوع، ويترك الوضع على طبيعته إلى أن لقي خمسة أشخاص مصرعهم.