سألنا عند ولوجنا باب المحكمة الابتدائية بأكادير عن موقع مكتب مؤسسة الوسيط الذي سبق لوزير العدل أن اشرف على إحداثها خلال زيارته الأخيرة لتنفيذ برنامج”ميدا”الذي يروم عصرنة إدارة المحاكم وتجهيزها بنظم المعلوميات، فأشار أحد العاملين بالمحكمة بإصبعه إلى مكتب بني بالزجاج في بهوها. كان باب مكتب مؤسسة الوسيط دون غيره من المكاتب مغلقا، ولا يوجد به أي من الأطراف المشكلة له، والتي من المفروض أن تمارس داخله عملها. استفسرنا بعض المحامين والموظفين عن نشاط المؤسسة، فأجمع جميعهم أن هذه المؤسسة منذ أن تم إحداثها يوم الثلاثاء فاتح يونيو 2010، لم يشاهد بداخلها أي من أطراف الهيئة المشكلة له والتي تتكون حسب ما أعلنت عنه وزارة العدل”من قاض وممثل للنيابة العامة وأحد أطر كتابة الضبط ومشاركة هيئة المحامين فيها. وأوعز أحد العاملين بسلك القضاء سبب عدم اشتغال المكتب إلى غياب التواصل بين مركز وزارة العدل ورئاسة المحكمة الابتدائية. ففي الوقت الذي عينت فيه المحكمة الأستاذ إدريس بحسي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس بذات المحكمة، قاضيا بهيئة الوسيط، كانت وزارة العدل قد قررت تعينته من جهتها رئيسا للمحكمة الابتدائية في تزنيت، حيث أعلن وزير العدل عن ذلك في ذات اليوم الذي تم فيه إحداث مؤسسة الوسيط بابتدائية أكادير تحت إشرافه. وأفادت مصادر ل”الصباح”أن رأسة المحكمة الابتدائية قد اقترحت على القضاة مهمة القاضي الوسيط، غير أن أغلبهم لم يتحمس للمهمة، تحت ذريعة عدم تمكنهم من الإلمام باللغة الأمازيغية، باعتبارها لغة الأم بمنطقة سوس، من جهة، ولعدم تخصيص تعويض عن تلك الأعباء الإضافية من جهة ثانية. وقال المصدر ذاته أن المحكمة اقترحت أحد الأساتذة القضاء لهذه المهمة، غير أن ذلك لم يتم أجرأته على حد الساعة. وكان من المفروض أن ينطلق العمل بهذه الهيئة التي تعتبرها وزارة العدل آلية جديدة ناجعة لتسهيل ولوج المواطنين للعدالة، وتيسير استفادتهم من خدماتها، وتحسين ظروف استقبالهم، وكذا قضاء حاجياتهم القضائية في أسرع وقت، منذ ثلاثة أشهر، غير أن ذلك لم يحصل بابتدائية أكادير. وقد أشارت مصادر”الصباح” أن مؤسسة النيابة العامة قد استفسرت عن عدم تنفيذ مقرر إحداث هذه المؤسسة. من جهة أخرى، عللت بعض المصادر تعثر العمل بهذه المؤسسة، وعدم تحمس الأطراف المؤسسية(رئاسة المحكمة والنيابة العامة وكتابة الضبط وهيئة المحامين) لهذه الهيئة/الآلية الجديدة، على خلفية أن جميع المؤسسات الموجودة بالمحاكم وتعتبر طرفا بها، تنظمها قوانين خاصة وتخضع لها، غير أن مؤسسة الوسيط لم تحدث بموجب نص قانوني ينظمه ويؤطره، بل بني وجوده واختصاصاته على أساس مرجعي يتمثل في خطاب وزير العدل خلال لقائه مع المسؤولين القضائيين بالمعهد العالي للقضاء بالرباط يوم 8 فبراير 2010 بالطبع، كان الأمر صعبا كي نعثر بالمحكمة الابتدائية على القاضي الوسيط للتعرّف على نشاطه ومهامه أثناء مزولته لها، إذ لم نجد في المحكمة من يدلنا عليه لنطلع على هذه الآلية وهذا الإجراء الجديد، والإطلاع على عدد القضايا التي تم حلها، وعلى مدى نجاعة عمل المؤسسة التي أقرتها وزارة العدل. وبعد البحث الخاص تبين أن خلق مؤسسة الوسيط، حسب تصريحات وزارة العدل يعد إجراءا تنظيميا يرتبط بالتسيير والتنظيم الداخلي للمحكمة، ويمارس مهامه هيئة أو مكتب يتشكل من قاض وممثل للنيابة العامة وإطار من كتابة الضبط وممثل لهيئة المحامين. وتنحصر مجالات تدخل مؤسسة الوسيط في تذليل الصعوبات التي تعترض المتقاضين إن تلك المتعلقة بتسليم نسخ الأحكام، أو معرفة مآل القضايا أو الشكايات أو الخبرات. هذا، إضافة إلى تلبية الاستفسارات والتساؤلات حول القضايا المتعلقة بالتنفيذ، أو تحرير وتوقيع الأحكام، أو الاطلاع على الوثائق، أو إرسال ملفات الأحكام المطعون فيه إلى محكمة الطعن. إضافة إلى مشاكل التأخير في الحصول على الشواهد، أو الخلاف الحاصلة حول الوثائق المطلوبة قانونا للحصول على شهادة. وتناط بالقاضي الوسيط مهمة مساعدة المتقاضين للحد من الصعوبات التي تعترضهم في علاقتهم ببعض المصالح المكلفة بالإجراءات المعتادة بالمحكمة. وتعتبر مؤسسة الوسيط آلية بديلة لحل الخصامات والنزاعات بين من قرروا التقاضي واتباع المساطر الزجرية التي تأخذ وقتا طويلا وتهدر أموالا كثيرة. وهي أيضا وسيلة تهدف كذلك إلى الصلح والتسوية الودية للنزاع ومحافظة المتقاضين على حسن العلاقات بينهم.