طبيعي جدا أن يشهر وزير الاتصال مصطفى الخلفي ورقة الأخلاق في البرلمان ويقدم حزبه كمدافع شرس عن المنظومة الأخلاقية للمغاربة أمام إعلام عمومي متهما المسؤولين عن هذا القطاع، الذين ليسوا منتخبين، بالرغبة في تكييف أخلاق المغاربة حسب هواهم. وها هي القناة الثانية التي هاجم الخلفي إدارتها بسبب المسلسلات المكسيكية المدبلجة بالدارجة تستعد لعرض مسلسل يحكي قصة راقصة في كباريه في عز شهر رمضان. قبل أشهر عرضوا في مهرجان طنجة السينمائي فيلما يحكي قصة الشاذ الجنسي عبد الله الطايع، وغدا سيعرضون مسلسلا حول راقصة كباريه في ليالي رمضان. «وزيد معاهم». مثل هذا التشبث بقشة الأخلاق طبيعي، فالحزب الحاكم يعيش أزمة أخلاقية حقيقية ويبحث بكل الوسائل لتفادي نتائجها الكارثية على صورته وبالتالي على أصوات ناخبيه. وها قد مرت حوالي عشرة أيام على اندلاع فضيحة أخلاقية كبيرة داخل الحزب الحاكم دون أن نسمع أي بلاغ تكذيبي أو توضيحي أو اعتذاري. فقد كشفت نتائج التحقيقات القضائية التي طلبتها النائبة آمنة ماء العينين أن الجهة التي قرصنت حسابها البريدي وشرعت تعمم رسائل ذات محتوى جنسي خادش للحياء على معارفها لم يكن سوى زوجها المسؤول في وزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني. هذه الواقعة كانت ستكون حدثا عابرا لو لم يجعل منها الحزب الحاكم وفريقه البرلماني وصحافته المأجورة التي تشتغل تحت إمرته معركة حياة أو موت. فقد اعتبر الفريق البرلماني في بلاغ ناري له أن ما حدث لزميلتهم البرلمانية مس خطير بالحياة الخاصة واعتداء على أسرتها الصغيرة بغاية تشتيتها، وطالب الفريق بكشف الجهة الفاعلة والاقتصاص منها قانونيا. اليوم بعدما ظهر الفاعل واكتشف الإخوان في العدالة والتنمية وفريقهم البرلماني وصحافتهم المأجورة أن المتهم الرئيسي هو زوج السيدة البرلمانية وليس «الدولة العميقة» أو «الدولة المارقة» كما اعتقدوا سكتوا جميعا ولم يعد أي واحد منهم يطالب بتطبيق القانون على الفاعل. إن الحرص على الأخلاق ليس مجرد خطاب للاستهلاك الإعلامي والانتخابي، بل هو سلوك ومعاملات. وعندما تيقن الإخوان في العدالة والتنمية أن أخا لهم اعترف في محضر رسمي أنه هو من كان وراء قرصنة حسابات زوجته ووراء تلك الحملة التشهيرية التي استهدفت عرضها وكرامتها كان عليهم أن يقدموا أولا توضيحات للرأي العام حول هذا الموضوع، ثم كان عليهم ثانيا أن يجمدوا وضعية هذا الأخ حزبيا إلى حين انتهاء القضية، فإما بسحب الزوجة لشكايتها وإما بترك العدالة تأخذ مجراها. لكن شيئا من هذا لم يحدث، وبالمقابل سمعنا خطابا إنشائيا للسيد وزير الاتصال في البرلمان جاهد فيه نفسه لكي يبدو مدافعا عن أخلاق المغاربة، مقدما نفسه كوصي على ذوق المشاهدين، مطالبا في شبه استغاثة بأن ينتهي هذا «المنكر». «وعلاه شكون اللي خصو يوقف هاد المنكر أسي الخلفي من غيرك»؟ هل يعتقد السيد الوزير أنه بمجرد ما يقول إنه شعر بالخجل عندما كان يتابع إلى جانب والدته سهرة القفطان التي عرضتها القناة الثانية وأنه يرفض تحمل المسؤولية أمام الله يوم القيامة في ما يبث لكي يخلي ساحته مما يعتبره إثما؟ لا يا سيدي الوزير، أنت مسؤول أمام الله وأمام دافعي الضرائب في كل ما يبث في الإعلام العمومي، لأن هذا القطاع أنت من يتحمل حقيبته. إن ما يقوم به وزير الاتصال يسميه المغاربة «الذيب حرام ومرقتو حلال»، فالسيد الخلفي «ماساخيش» بالمنصب والراتب والامتيازات وفي الوقت نفسه يريد أن يتبرأ من تبعات هذه المسؤولية. «وفيمن باغي تلصقها نعاماس»؟ هل نسي السيد الخلفي أنه هو المسؤول عن قطاع الاتصال والإعلام العمومي في البلد حتى يستجدي المستشارين بأن يضعوا أيديهم في يد الحكومة من أجل تصحيح هذا الوضع؟ هل نسي السيد الوزير أنه يمثل السلطة التنفيذية وأن من يطلب مساعدتهم يمثلون السلطة التشريعية وأن كل واحد منهما لديه دور يقوم به، فدور السلطة التنفيذية تنفيذ البرامج الحكومية لأن الدستور أعطاها وسائل التنفيذ، ودور السلطة التشريعية تشريع القوانين ومراقبة عمل الحكومة؟ وما نعرفه هو أن الحكومة تقرر وتنفذ ولا تحتاج إلى طلب مساعدة من أحد، فيما المعارضة والصحافة تراقب وتحاسب. لقد أصبح بعض نواب ووزراء العدالة والتنمية يخلطون «العرارم» عنوة لتضليل الرأي العام، فالنائب أفتاتي يطالب الصحافة والمعارضة بالكف بانتقاد المفسدين عوض انتقاد العدالة والتنمية، وكأن العدالة والتنمية ليس هو من رفع شعار «عفا الله عما سلف» في وجه المفسدين، يا سلام «نتوما متعوهم بالعفو وحنا نتاقدوهم». ووزير الاتصال يطلب مساندة المستشارين في البرلمان لإجبار القنوات العمومية على احترام أخلاق المغاربة علما أن دور المستشارين هو معارضة الحكومة، ووزير العدل يعترف بأن هناك جرائم ضد الحقوق والحريات يرتكبها مسؤولون ينبغي محاسبتهم، وكأن المواطنين هم المسؤولون عن النيابة العامة التي ستحاسب هؤلاء المسؤولين الذين يقترفون الجرائم وليس معالي الوزير. والصحيح ليس أن يقول وزير العدل إن هناك مسؤولين يقترفون جرائم ينبغي محاسبتهم، وإنما الصحيح هو أن يقول إن هناك مجرمين يقترفون جرائم ينبغي أن أحاسبهم. أليس معاليه هو رئيس النيابة العامة وحامي الحق العام؟ وإذا لم يكن وزير العدل، بكل الصلاحيات والترسانة القانونية التي لديه وبكل الحصانة الحكومية والحزبية التي يتمتع بها، قادرا على محاسبة هؤلاء المسؤولين الذين يقترفون جرائمهم ضد الحقوق والحريات فمن يا ترى سيكون قادرا على ذلك؟ ثم لماذا يشرح لنا هؤلاء الوزراء منذ أكثر من سنتين ونصف الأشياء التي نعرفها جميعا؟ لماذا لا يمرون مباشرة إلى تنفيذ سياستهم وشعاراتهم وبرامجهم؟ إنه لمنظر مثير للشفقة ذلك الذي يضع فيه وزير مسؤول عن قطاع الإعلام العمومي نفسه وهو يقول أمام المستشارين في البرلمان منتقدا التلفزيون «اللهم إن هذا منكر». يا سيدي قم بتغيير هذا المنكر، واستعمل الصلاحيات الموضوعة بين يديك كوزير، وإلا فإن المنكر الحقيقي هو أن تتقاضى مرتب وزير وتتمتع بالامتيازات المرافقة للمنصب دون أن تكون قادرا على تطبيق الإصلاحات التي جئت من أجلها. إلا إذا كان سعادة الوزير يتبنى تغيير المنكر باللسان الطويل ومحاربة الفساد بالتيمم فهذا شيء آخر. لذلك فدفاع وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحزب الذي يقود الحكومة عن الأخلاق في هذه الظرفية بالذات يبقى دفاعا مشكوكا فيه وغير مقنع، لأن الحزب الذي ينتمي إليه والذي شيد كل صرحه على تبني الدفاع عن خطاب أخلاقي يوجد وسط فضائح أخلاقية بالجملة لم يجد بعد الجرأة السياسية لكي يوضح موقفه منها. وللمزيد من الإيضاح نعيد التذكير بهذه الفضائح التي لم يتجرأ الحزب الحاكم على إعطاء توضح بشأنها للرأي العام. هناك أولا فضيحة انكشاف أمر زوج النائبة البرلمانية آمنة ماء العينين واعترافه بكونه هو من قرصن حسابها وشهر بها عبر الفايسبوك. وهناك فضيحة اتهام شباط لزوج وزيرة الأسرة والتضامن بالتحرش بطالبات في كلية المحمدية، وهو الاتهام الذي لم نسمع بخصوصه أي رد فعل سواء من طرف الزوج الأستاذ التي تم تنقيله نحو كلية أخرى ولا من طرف الزوجة الوزيرة التي قدمت مشروعا حول مكافحة التحرش وتجريمه. ثم هناك ثالثا فضيحة إرسال عبد العالي حامي الدين لتقرير لنتائج الحوار الوطني حول المجتمع المدني للمستشارة السياسية في السفارة البريطانية، وهي التهمة التي لم يملك حامي الدين دفعها أو إنكارها لأنه يعرف أنها ثابتة في حقه. زد عليها فضيحة تدخل حامي الدين لفائدة زوجته المستشارة في ديوان وزير العدل لكي تحصل على منصب أستاذة في كلية المحمدية، وفضيحة متابعة زوجة القيادي في حزب العدالة والتنمية بتطوان، الأمين بوخبزة، بتهمة إصدار شيك بدون رصيد. كل هذه الفضائح الأخلاقية، التي تشممها رئيس الحكومة بحواسه السياسة النافذة مما جعله يطلب من إخوانه في الحزب أن يستقيموا لكي يضمن لهم المستقبل، مازالت بدون توضيح من طرف المعنيين بها، فهم يعولون على الزمن لكي ينسى الناس الأمر، متناسين أن الزمن كشاف. مدير نشر جريدة " الأخبار"