"لايمكن أن نبني ديمقراطية حقيقية دون تصويت سياسي،والتصويت السياسي لا يتأتى إلا بتصويت الأغلبية الساحقة للمجتمع". هذه هي العبارة التي استهل بها امحمد كرين ،عضو مجلس الرئاسة لحزب التقدم والاشتراكية عشية يوم الجمعة الماضي ،عرضه حول "النخبة السياسية والمجتمع المدني ،أي علاقة؟' متأسفا على نسبة التصويت الضعيفة التي شهدتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي ،لم يتجاوز فيها عدد المصوتين الخمسة ملايين مصوتا من أصل 14 مليونا مسجلا، ومن أصل أزيد من 20 مليون مواطنة ومواطن ، لهم الحق في التسجيل في اللوائح الانتخابية وفي الإدلاء بأصواتهم، داعيا بالمناسبة الشعب المغربي إلى التصالح مع العمل السياسي، كما تصالح فيما قبل مع المرأة ومع المتضررين من سنوات الرصاص ومع المكون الأساسي للهوية المغربية ألا وهي اللغة والثقافة الأمازيغيتين ،لاسيما وأن المغرب يتوفر على ما يكفي من الأحزاب التي تمثل كل التيارات وكل الأفكار و التوجهات وكل الإيديولوجيات التي يحفل بها المجتمع المغربي . المسؤول الحزبي ،وتأكيدا منه بالدور الريادي الذي يلعبه حزب الكتاب في المنظومة السياسية للبلاد ،ذكر الحضور المشكل أساسا من مناضلات ومناضلي الأحزاب اليسارية التقدمية والمهتمين بالشأن السياسي بالبلاد ،بالمواقف الثلاث التي عبر عنها حزبه خلال مؤتمره الأول سنة 1966 والمتجلية في إيمان الحزب بعدم قدرة المجتمع المغربي على التطور، ما لم يرتكز على التنظيمات التقدمية، وأن النظام الملكي هو وحده الكفيل بتوحيد الأمة شريطة العمل على تحويله إلى ملكية دستورية .والموقف الثالث هو تغيير اسم الحزب من الشيوعي إلى التحرر والاشتراكية انسجاما مع مبادئ وتوجهات الشعب المغربي .ومن هذا المنطلق يضيف المتحدث ،فبلادنا محتاجة أكثر من أي وقت مضى إلى أحزاب سياسية قوية مستمدة شرعيتها من انخراط كلي للمواطن المغربي،الشيء الذي سيقوي، بما لا يدع مجالا للشك، المؤسسة الملكية التي تحتاج إلى رئتين قويتين تساعدها على الخلود والاستمرار، ولأن في استمراريتها وقوتها ضمان لاستقرار البلاد وضمان للأمن والأمان وحماية له من أي منزلق محتمل . وأضاف كرين بأن علاقة المجتمع المدني بالأحزاب تكاد تكون نفعية براكماتية، بحيث نجد كل جماعة من المواطنين تدافع عن الحزب الذي يسير ويدافع عن توجهاتها، مما يجعل أفق العمل السياسي محدودا ، ويقزم الأدوار الأساسية للأحزاب السياسية، والتي لا تنحصر فقط في الدفاع على مصالح ضيقة لفئة معينة في المجتمع على حساب باقي مكوناته ،بل الحزب الذي يحترم نفسه،يقول كرين، يعالج كل القضايا المرتبطة بالأمة بشكل شمولي ويكون دوره تكوينيا وتأطيريا ،لأن الأحزاب المرجعية هي مدارس ومؤسسات للتهديب والتكوين وصنع الأجيال القادرة على مجابهة التحديات التي تواجه مجتمعاتها ،وهي أيضا أدوات لإنتاج أفكار لخدمة مشروع مجتمعي هادف. هذا،وهاجم محمد كرين المثقفين السلبيين سياسيا ،ووصفهم بالعدميين لعدم مساهمتهم في تقوية المؤسسات الحزبية في البلاد بالتزامهم الحياد السلبي، تاركين الفراغ للنكوصيين والشعبويين، يعبثون بمصير الأمة مستغلين انفرادهم بمراكز القرار ليبخسوا العمل السياسي النبيل بتحويلهم الأحزاب إلى لعب في أياديهم، يحركونها حسب أهوائهم ومزاجهم ،مستعينين في ذالك بآليات انتخابية فاسدة وكائنات، تتحكم في اللعبة الانتخابية اللاديمقراطية، كلما اقترب موعد للمحاسبة السياسية . علاقة الأحزاب السياسية بالنقابات كانت أيضا حاضرة في عرض المسؤول الحزبي خلال هذا اللقاء الذي نظمه فرع حزب التقدم والاشتراكية بأكادير، في إطار سلسلة اللقاءات الرمضانية التي تندرج ضمن الاستعدادات الجارية لتخليد الذكرى السبعين على تأسيس الحزب،حيث انتقد بشدة الأذرع النقابية الموازية للتنظيمات الحزبية بالنظر إلى الأدوار التي وجدت لأدائها والمتجلي في خدمة أجندة الحزب التابعة له ،عوضا عن مصالح العمال والطبقات الكادحة في المجتمع، وهذا، ما يشكل تناقضا صارخا بين الأدوار الحقيقية المنوطة بالعمل النقابي النزيه، والواقع المزري الذي نعيشه الآن في المغرب بسبب الموالاة والتبعية العمياء التي تكرسها هذه التنظيمات التي فرختها مجموعة من الأحزاب ،كتنظيمات موازية وكخزان للأصوات السهلة والمضمونة خلال كل الاستحقاقات. من جانب آخر ،أشار المحاضر إلى الفروق الشاسعة بين السياسيين والتكنوقراط موضحا الاختلاف بين الفئة الأولى التي تعتبر حاملة للسلطة السياسية النابعة من شرعية المجتمع، عكس الفئة الثانية التي لا تمثل نبض الشارع وهمومه،ومن هنا يضيف كرين، يكمن دور وأهمية الانخراط في الأحزاب التي شبهها ب"الصهائر الكهربائية"التي تساعد على تغيير الطاقة وتجديدها، محذرا من مغبة الخروج عن الشرعية والتغريد خارج السرب تفاديا للسيناريوهات المدمرة التي تعيش على إيقاعها العديد من البلدان العربية والتي أعادتها إلى عقود خلت، بسبب ضيق النضرة المستقبلية وتداخل المصالح الضيقة لجهات رافضة للديمقراطية، التي تعتبر التعددية ركنا من أركانها الأساسية. وفي ختام هذا اللقاء الذي احتضنته قاعة العروض بمقر الشبيبة والرياضة بأكادير وترأسه سعودي العمالكي، كاتب الفرع وعضو اللجنة المركزية للحزب ،فسح المجال للحاضرات والحاضرين لإغناء النقاش والبوح بكل ما يخالجهم من أفكار ،وكذا لطرح العديد من الاستفسارات والتساؤلات التي تؤرق بالهم ،انبرى لها الأستاذ امحمد كرين بأريحيته المعهودة وبتحليله الدقيق والمؤسس.