إسماعيل العلوي يثني على 20 فبراير ويحذر من «مراكز قوى» تعمل لإحباط مكتسبات الدستور الجديد امحمد اكرين: الممارسة السياسية بالمغرب لم تعد ترضي أحدا نتيجة 40 سنة من تهميش العمل الحزبي عبد الأحد الفاسي الفهري: الآراء المعبر عنها ستفيد لا محالة في تدقيق وصياغة مواقف الحزب حول جل القضايا المطروحة تجشم الكثير من الأطر والفعاليات عناء شهر الصيام، واستجابوا لدعوة حزب التقدم والاشتراكية لمناقشة موضوع أصبح يحظى براهنية في المشهد السياسي والمجتمعي بمغرب ما بعد إقرار دستور 2011، والمرتبط بالبناء الديمقراطي. وضاقت قاعة مركز الاستقبال والندوات عن استيعاب كل الذين حضروا إلى اللقاء المنظم في إطار برنامج «أبواب الحزب المفتوحة» لتبادل الآراء والأفكار حول المسؤولية التي يتحملها كل طرف من أطراف المجتمع في البناء الديمقراطي. ثلة من الأطر والمتعاطفين مع الحزب بالإضافة إلى مناضليه ومناضلاته لبوا الدعوة ليلة الخميس الماضي للمشاركة في النقاش المفتوح حول تدبير المرحلة المقبلة، وكيفية التعامل معها. ورغم تباين وجهات النظر واختلاف الرؤى، إلا أن ذلك لم يفسد للقاء الذي عقده حزب التقدم والاشتراكية حول «ورش البناء الديمقراطي، مسؤولية الجميع» أي قضية، بل شكل مناسبة لتبادل الآراء والأفكار، وأظهر الحاجة إلى أن مثل هذه اللقاءات من شأنها أن تغني المشهد السياسي وتصالح المواطن مع العمل السياسي، وأن على الجميع أن يتحمل مسؤوليته في هذا الورش المقبل. وقال مولاي إسماعيل العلوي، رئيس مجلس الرئاسة، في تقديمه المدخلي إنه لم يكن ممكنا عقد مثل هذا اللقاء لولا الحراك الشعبي الذي تعرفه المنطقة العربية والزلزال الذي ضرب أجزاء مهمة من حوض المتوسط، نتيجة الظرفية المتميزة للأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها، ولكن أيضا ما استطاع الشعب المغربي تحقيقه من مكاسب في الشهور الأخيرة. وأثنى مولاي إسماعيل العلوي، بالمناسبة، على جرأة وقدوة شباب حركة 20 فبراير، الذين مكنوا بفضل الحراك الشعبي من تجاوز ما أسماه الحصار المضروب على المجتمع السياسي بالمغرب، وتحريك بركة مياهه الآسنة، وقال في مداخلته، إنه لولا مبادرة هؤلاء الشباب لما كنا استطعنا صياغة الدستور الجديد. وبالموازاة مع ذلك حذر رئيس مجلس الرئاسة لحزب التقدم والاشتراكية من الصعوبات التي تعترض تفعيل الدستور الجديد، والمتمثلة في مراكز القوى التي لن ترضى بهذا التطور الحاصل، ولا بالوعود المتضمنة بالدستور وستعمل جاهدة لإحباط الطموحات والآمال الكبيرة التي يعقدها الشعب عليه. وأكد رئيس مجلس الرئاسة على أن الدستور الجديد للمغرب حقق مكاسب مهمة على مستوى الحريات وتوزيع وتوازن السلط، وفي المجال الثقافي. ووصفه ب «الدستور الواعد» الذي فح الأبواب على مصراعيها للحصول على مكتسبات أخرى، من قبيل القضاء على الاستبداد والطغيان، وفتح الطريق أمام إمكانية تحقيق ملكية برلمانية، والقضاء على كل أشكال المحسوبية والفساد التي طبعت ولازالت تطبع الحياة اليومية للمغاربة. ورغم أن الظروف الجديدة التي سيمر منها المغرب، يقول إسماعيل العلوي، تندرج في إطار البحث لتشييد أسس وقواعد جهوية متطورة تكرس الديمقراطية المحلية، فإن ذلك لا يجب أن يدفع للسقوط في ما أسماه «التفاؤل الساذج»، داعيا في ذات الوقت إلى التحلي بالحذر واليقظة لتفادي السقوط فيما لا تحمد عواقبه. وشدد إسماعيل العلوي على أن الدستور الجديد للمملكة، من حيث هو إنتاج بشري، لا يمكن أن يرقى إلى درجة الكمال، ويبقى رهينا بمدى استعداد المواطنين والمواطنات لترجمة مضامينه على أرض الواقع. واعتبر أن الدساتير ليست وحدها الحاسمة في تطور الشعوب، وإنما طريقة تفعيلها. وأثار رئيس مجلس الرئاسة الانتباه إلى أن هناك صعوبات جمة قد تعترض تطبيق روح الدستور، محذرا في ذات الوقت مما أسماه «مراكز قوى» التي لا ترضى بالتطور الحاصل في البلاد ولا بالوعود المتضمنة في الدستور الجديد، وستعمل جاهدة من أجل إحباط الطموحات التي يحملها هذا الدستور. وأبرز إسماعيل العلوي أنه من البديهي أن تعترض تنزيل الدستور صعوبات، أهمها ما أسماه «الغولان» اللذان يتربصان بنا: الفقر والجهل، باعتبارهما العدوان اللدودان لكل عملية دمقرطة، دون إغفال طبعا ما يتعلق بتفاقم الفوارق الاجتماعية التي ستكون عنصرا في عرقلة السير المنتظم نحو البناء الديمقراطي، ناهيك عن التفرقة التي تسود في أوساط الديمقراطيين والتقدميين. ووجه إسماعيل العلوي نداء إلى كل الديمقراطيين من أجل توحيد صفوفهم والتعبئة، كل من موقعه وحسب قناعاته وميولاته، لخوض كفاحات مستمرة من أجل ترجمة المضامين المهمة للدستور على أرض الواقع، وتحقيق ما أسماه الفوز الحقيقي. وقال امحمد كرين، عضو مجلس رئاسة الحزب، في مداخلته، إن الهدف من مثل هذه اللقاءات النوعية التي دعا إليها حزب التقدم والاشتراكية، خلق فرص لتبادل الآراء وتداول الأفكار مع المواطنين على قاعدة معطيات ميدانية، والبحث عن سبل لكيفية ترجمة مضامين الدستور الجديد على أرض الواقع وتناول مجمل القضايا الأساسية والمصيرية التي تنتظر المغرب. وانطلق امحمد كرين من القول إن «أوضاع الممارسة السياسية بالمغرب لم تعد ترضي أحدا»، نتيجة 40 سنة من تهميش العمل الحزبي، ومحاولات نزع الشرعية عن أي هيئة سياسية. وهي التي أدت إلى عدم ثقة المواطن في العمل السياسي عموما وعزوف الشباب والمثقفين عنها، وعن الدفاع عن القضايا العادلة للشعب. وأوضح كرين أن الوضع الاقتصادي الوطني فوق ذلك كله، رغم الإيجابيات العديدة التي سجلها، لا زالت تعترضه نواقص عديدة، ناهيك على أن الوضع الاجتماعي، المتسم بالهشاشة والفقر، بات قاب قوسين أو أدنى من الانفجار ويهدد استقرار البلاد. وأكد عضو الرئاسة أن اللقاءات التي دأب الحزب على تنظيمها في مختلف المناطق والمدن بالمغرب، ستكون مناسبة لمناقشة كيفية إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المتعلقة على الخصوص بالاقتصاد والهشاشة الاجتماعية، وتطوير التعليم، ودعوة للاشتغال الجماعي لبلورة حلول ناجعة لكل القضايا المطروحة. وقال إن كل هذا يتطلب تغييرا، وأن الشعب المغربي لديه ما يكفي من الذكاء لإنتاج الأفكار لإيجاد الحلول لكل المعضلات التي تعاني منها البلاد، معتبرا أن اللقاء ليس دعوة حزبية ضيقة للالتحاق بصفوفه، بل فرصة لإشراك الجميع في تحمل مسؤوليته في هذا البناء. لأن هناك أوساطا تريد أن تعرقل مسار الإصلاح، لكي تحافظ على مصالحها. مداخلات واستفسارات الحاضرين تناولت مساهمة كل من موقع مسؤوليته في البناء الديمقراطي المنشود. وانتقد بعض المتدخلين ابتعاد الأحزاب التقدمية عن خطاب الجرأة الذي كانت تتميز به، وابتعدت عن قضايا المواطنين البسطاء، ودعوا إلى استعادتها المبادرة في هذا الاتجاه وتطوير وتنمية الطبقة المتوسطة بالمغرب باعتبارها القاطرة التي ستمكن من إنجاح أي تغيير. وذهب بعض المتدخلين إلى أن أكثر ما يهدد المغرب في الوقت الراهن خطران داهمان، الأول يتعلق بالفراغ السياسي، بفعل ابتعاد الأحزاب السياسية عن مهمتها في تأطير المجتمع، والثاني الفساد المستشري داخل المؤسسات بفعل تحكم لوبيات مصلحية في دواليبها. ودعا البعض إلى التفاعل مع مطالب الشارع وتبني مطالبه كبرنامج انتخابي في الاستحقاقات المقبلة. وأعلن عبد الأحد الفاسي الفهري، عضو الديوان السياسي المكلف بالإشراف على هذه اللقاءات، عن قرب تنظيم ملتقى وطني حول التغيير بحلول شهر شتنبر المقبل سيكون تتويجا لبرنامج اللقاءات الوطنية التي ينكب الحزب على تنظيمها، وقال عبد الأحد الفاسي الفهري في ختام هذا اللقاء الذي أداره الحسين الشعبي المنسق الوطني لقطاع الثقافة والاتصال وعضو اللجنة المركزية، إن الأفكار والآراء المعبر عنها ستفيد في تدقيق وصياغة ماقف الحزب حول جل القضايا، وإن كان الموقف المبدئي للحزب هو الدفاع عن المصالح العليا للوطن والشعب، والحفاظ على استقرار البلاد. واعتبر أنه بقدر ما كان النقاش مفيدا بقدر ما أظهر الحاجة إلى تعميق النقاش أكثر بسبب الطبيعة المعقدة لموضوع البناء الديمقراطي على كل المستويات، والتي يمكن أن تتطور إلى الأحسن، سواء على مستوى محاربة الفساد أو القضاء على الظلم الاجتماعي أو تحقيق الكرامة والعدالة للمواطنين.