الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد، يقول الله تبارك وتعالى:(شهر رمضان الذي انزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) البقرة 185 القرءان والصيام مرتبطان ومتلازمان في التشريع وفي الجزاء الأعظم الذي أعده الله لأهل القرءان والصيام ،فالقرآن ن الكريم نزل في شهر الصيام، والصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة،والصيام من أقوى الأسباب والعبادات المعينة على الارتباط القرءان ، وحالة الصوم هي انسب حالات الاستعداد النفسي لتلقي هدايات القرءان، ولا عجب أن يقال إن رمضان شهر القرءان . إن أجواء رمضان وظروفه، وإحساس الصائم بلذة الطاعة والاحتساب،يجعل المسلم يقبل بقلب خاشع وإرادة صادقة على كتاب الله تلاوة وحفظا وتدبرا.وإنها لفرصة مواتية لنعمر ألسنتنا وبيوتنا بأنوار القرءان ، وتدارس أهميته وفضله في حياتنا ،وفرصة أخرى لنتجاوز حاله الهجر التي طبعت حياتنا مع هذا الكتاب العظيم . وقديما وعى علماؤنا وسلفنا الصالح أن من وظائف رمضان الكبرى الاعتناء القرءان والقيام بواجباته والمجاهدة في سبيله، فقد(نقل عن الإمام الثوري انه كان إذا دخل رمضان ترك جميع العبادات غير الواجبة واقبل على تلاوة القرءان)(1). وعليه فالمسلم يبلغ به القرءان ما بلغت عنايته به،إذ إن علاقة المسلمين هي درجات متفاوتة - كما اشرنا قبل -، فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ، فظالم لنفسه من هجر القرءان واستنكف عن تلاوته ولم يقف عند حلاله وحرامه ولا عند أمره ونهيه ، ورب حامل للقرآن والقرءان يلعنه ، والمقتصد من تلاه ووقف عند حدوده واحل حلاله وحرم حرامه، والسابق بالخيرات وهو المسارع مجتهد في الأعمال الصالحة, فَرْضِها ونفلها..... أن المعنى الذي نريد ترسيخه ونحن نتحدث عن القرءان هو دوام استحضار عظمته وأحكامه وقيمه في رمضان وفي غير رمضان ، وإذا تعلق الأمر بالتلاوة فلتكن بقصد التدبر لمعانيه ومقاصده وتعلم حلاله وحرامه .قال تعالى واصفا عباده المؤمنين:( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ) (2). فمن التلاوة ما لا يتجاوز الحناجر ومنها ما يكون لقصد الحفظ، ومنها ما يكون لغرض القراءة والتعلم، ومنها ما يكون بهدف التدبر والمدارسة، وهذه الأخيرة هي الأصل الذي سار عليه السلف.كان الحسن بن علي رضي الله عنه يقول:(إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقدونها بالنهار)(3). وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتدارس القرءان مع جبريل كل ليلة من رمضان إلا ليبين أهمية هذا المستوى من التعامل مع القرءان الذي يفضي بلا ريب إلى التطهر المنشود والتفقه المطلوب. أخي الصائم / أختي الصائمة :إن اهتمامنا بالقرآن العظيم في رمضان تلاوة ومدارسة، ينبغي أن يكون بداية لتصحيح مسارنا معه حتى نكون من أهله الذين هم أهل الله وخاصته ،وكي لا نكون من الهاجرين له،ولتكن لنا في رمضان أوراد للقراءة ،وأخرى للحفظ والمراجعة، وثالثة للتدبر والمدارسة،وان لياليه هي الأنسب لذلك وارق في الشعور وأدق في التدبر حيث يتواطأ القلب مع باللسان وتجتمع فيه الهمة مع راحة البال . فاللهم اجعل القرءان العظيم ربيع قلوبنا ،ونور صدورنا، وذهاب غمنا وحزننا، وذكرنا منه ما نسينا ، وعلمنا منه ما جهلنا آمين. والحمد لله رب العالمين. .................................... (1) روح الصيام ص52 (2) سورة البقرة (3) التبيان في اداب حمله القرءان للنووي