الجزء 7: 2- أين تمظهرت أزمة خطاب الإجماع الوطنية؟ وكيف قطع الوصال بين المسلسل الديمقراطي وقضية الصحراء؟ سوقت المؤسسة الملكية لخطاب تقليداني في مواجهة القانوني الدولي، لكن مبررات هذا الخطاب المتمثلة في البيعة وإمارة المؤمنين لم تستطيع إقناع الأطراف الدولية المؤمنة أكثر بالثقافة الكونية للحقوق والحريات، وأول امتحان عرفه الخطاب التقليداني تجلى في اعتبار محكمة العدل الدولية لآلية البيعة بأنها يمكن أن تؤسس لعلاقة سلطة رابطة بين الحاكم والمحكوم، لكن تبقى بمثابة سلطة روحية لا يمكن بأي حال أي تؤدي وظيفة السلطة السياسية، كما أن قرار مجلس الأمن بعد سيطرة القوات المسلحة الملكية على وادي الذهب بعد خروج موريتانيا منه قد بين مدى هشاشة شرعية بيعة وادي الذهب وصعوبة تسويقها لغايات الاعتراف بالدولي. فقبول مسلسل التسوية منذ بداية ثمانينات القرن الماضي عبر قناة الاستفتاء أو عبر التفاوض للوصول إلى حل سياسي يعني في نهاية المطاف انتصار أولوية القانون الدولي على الخطاب التقليداني المنتكس، حيث قال وزير الأوقاف سابقا عبد الكبير العلوي المدغري في ندوة بالعيون "... وأن المسألة مسألة دين قبل أن تكون مسألة أرض أو سياسة... وأن كل من ينازع المغرب في صحراءه أو يشكك في قيمة رابطة البيعة التي تربط الصحراء بعاهلها إنما ينازع في شرع الله ويشكك في المبادئ الشرعية التي جاء بها الإسلام... إن مغربية الصحراء أمانة في عنق الأمة الإسلامية بأسرها ...". فذات الخطاب هو الذي يؤسس شرعية المؤسسة الملكية التي لم تطرح بديلا حداثيا يحاج مقولة "حق الشعب في تقرير مصيره". -رغم أن قضية الصحراء قد روجت في المشهد السياسي المغربي لتعبيرات، مثل: "الوحدة الترابية، الاستقلال، استكمال الوحدة..."، إلا أنه طفت في السطح مطالب وانتفاضات جديدة اجتماعية واقتصادية حظيت بدورها بالأولوية إلى جانب قضية الصحراء التي شمخت أجندة الخطاب الرسمي، وظهرت منذ التجربة البرلمانية لسنة 1977 نخب وخريطة سياسية جديدتين تمثلتا في تغيير اسم "الكتلة الوطنية" ب "الكتلة الديمقراطية" وتفريخ أحزاب جديدة سميت بالإدارية، إضافة إلى تسويق مفاهيم من قبيل: "دولة القانون، التراضي، التناوب ...". - منذ تولي إدريس البصري زمام وزارة الداخلية وبدل اتباع سياسة "الإدماج" دبر ملف الصحراء من زاويتي "المقاربة الأمنية" القائمة على حضور الهاجس الأمني و "المقاربة التسويقية" لمغربية الصحراء من خلال توظيف رمزي لاستضافة رالي باري–دكار والاحتفال بعيد العرش بالعيون سنة 1985 وزيارة وزير الداخلية الفرنسي "شارل باسكوا" للعيون سنة 1994، وهذا ما ولد لدى الصحراوي خلفية "المثلث النافع" المتمثل في مناجم الفوسفاط وأهم المدن والصيد البحري، إضافة إلى توالي الاحتجاجات كما حدث نهاية شتنبر 1999 والتدخل الأمني لقمعها، و اطلعت لجنة التحكيم الملكي في عهد الملك محمد السادس على حجم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالصحراء منذ المسيرة الخضراء وهذا ما أشعل الضوء الأحمر لتوقف مسار قطار السيد الوزير البصري، لكن نمط تدبير الملف تم توارثه فرغم أن ظاهرة الاحتجاجات تميز بطبيعته الاجتماعية والاقتصادية، إلا أنه يخفي في باطنه دلالات "الاستقلال" و "الانفصال"، أما الدولة فقد اختزلت الاحتجاجات في معدلات مثل "الأزمة الاجتماعية" و "البطالة"، فتولد عن ذلك إحداث "وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية". لم تبق "جبهة البوليساريو" مكتوفة الأيدي، بل احتجت في المنتظم الدولي بدعم من الجزائر على هذه الممارسات المغربية بدعوى أن منطقة الصحراء هي موضوع نزاع وليس كمجال ترابي تحت سيادة الدولة المغربية، وهذا ما أدى بأمريكا إلى استثناء "إقليم الصحراء" من نطاق اتفاقية التبادل الحر مع المغرب. لكن وفي إطار ماراتون اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي سنة 2005 استطاع المفاوضون المغاربة كسب هذه المعركة وذلك بإمكانية صيد الأوروبيين في سواحل الصحراء.