قناة عمومية توجه بلاغا تحريضيا إلى النيابة العامة من أمام مبنى وزارة العدل ضاق الخناق بشكل واضح على تيارات الاستئصال المناوئة للعدالة والتنمية بعد ما لقيه هذا الحزب من سند شعبي غير مسبوق خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة , والذي حارت أمامه آليات التحكم والضبط التي سيطرت على المشهد السياسي والإعلامي في السنوات الأخيرة. هذه التيارات لم تجد سبيلا إلى مواصلة المواجهة مع هذا الحزب إلا باعتماد أسلوب المؤامرة الدنيئة وهي كل يوم تبحث عن حجج للإيقاع به في مجالات ذات حساسية مفرطة وعلى رأسها مسألة الحريات الفردية وتبنت في ذلك منطق تعامل الذئب مع الأغنام…( الذئب مصمم على افتراس الغنم …كيفما كان ردها على حججه…). فهؤلاء يطلقون دعوات خطيرة وشاذة تتجاوز حدود الدين والقيم والأعراف وأخلاق المغاربة … تتناقض مع ما جمع لحمة هذا الشعب منذ قرون … تخرج عن الفطرة السليمة وعن الخلق السوي والمروءة التي كانت و لاتزال من أبرز شيم المغاربة…وذلك من اجل استدراج الإسلاميين وإثارة مشاعرهم…ودفعهم إلى القيام بردود الفعل لتبدأ الحرب ضدهم من جديد… تحدثوا اليوم عن حرية الجنس بشكل عام ودون شك سيكونون غدا أكثر وضوحا ويرفعون مطلب تقنين الشذود الجنسي…وتمكين الشواذ من الجنسين مما يسمونه حقوقهم…( ومقدمات ذلك بدأت بالفعل) متناسين أنهم يلعبون بالنار باستفزازهم لشعور كل المغاربة وتحفيزهم لنشوء ردود أفعال غير مرغوب فيها…ويضربون في الصميم المقتضى الدستوري الأساسي –إسلامية الدولة- وما تقوم عليه أمارة المؤمنين من أسس دينية راسخة وما يجمع المغاربة ويمسك لحمة مجتمعهم من روابط وعرى توثقت بمرور الأزمنة والعصور… وسيستمرون في هذا النهج وينتظرون بشوق كبير أن يحدث رد فعل من العدالة والتنمية أو حركة التوحيد والإصلاح لتقوم معه القيامة… ويقولوا للناس أن هؤلاء الإسلاميين كشفوا أخيرا عن أجندتهم وأبانوا عن حقيقتهم وكشروا عن أنيابهم وأنهم وصلوا إلى الحكومة لاستغلال المؤسسات للإجهاز على الحريات ووأد الحقوق والعودة بالمغرب إلى القرون الوسطى.. سيعودون بقوة إلى تفعيل قاموسهم المعتاد بمصطلحاته المألوفة من قبيل الظلامية والرجعية والماضوية والطالبانية والافغانية والطرابورية… ويشتد بكاؤهم على الديموقراطية وحقوق الإنسان ويبدون حسرتهم على ما فات من عهود الأنوار وأزمنة الحقوق … بكاء ذئاب كانت بالأمس القريب أدوات استخدمها الإستئصاليون ضد شرفاء البلد. ولعبوا كل الأدوار الدنيئة في مجال البوليس الإعلامي العميل المأجور لدى من كانوا قاب قوس أو أدنى من إحراق المغرب لولا أن تداركه الله برحمته وانقده أخيار الأمة بقيادة صاحب الجلالة من الوقوع في المجهول… إن هذه المؤامرة تتخذ أوجها عديدة وتتوزع على مستويات مختلفة: - مستوى المنظرين لها ممن يعرفون مآلاتها وعواقبها الخطيرة الراغبين في واد تجربة التغيير ولو على حساب آمال شعب بأكمله … وهم يدركون أن إثارة قضايا الحقوق الفردية أمام العدالة والتنمية سيلقى دعما كبيرا من لدن أعداء المغرب في الخارج وسيمثل ذلك ورقة للضغط عليه وابتزازه وكل هذا أملا في إجهاض تجربة هذا الحزب في التدبير الحكومي ولو تطلب ذلك الاستعانة بالعدو الخارجي ولو بلغ الأمر الإجهاز على المغرب كل المغرب… - مستوى الخصوم السياسيين للعدالة والتنمية ممن لم يستسيغوا الصعود الشعبي لهذا الحزب وهم كما أبانوا في المدة الأخيرة مستعدون لفعل أي شيء للتصدي لهذا الصعود. وهم يعملون على اصطناع قضايا وهمية لصرف النظر عن القضايا الحقيقية للشعب المغربي التي يتطلع الجميع أن تتمكن الحكومة الجديدة من معالجتها كأولويات أساسية – الشغل والصحة والسكن…- وخلق المعارك الهامشية لتبديد مجهودات الحكومة وتشتيت تركيزها في أفق إفشالها وشل قدراتها… - مستوى الأشخاص أو *الدميات* المستعملة في المؤامرة ونجد منهم المأجورين لفعل ذلك ومنهم الراغبين في تحقيق الشهرة والخروج من دائرة النكرة المحبين للظهور على القنوات الأجنبية والمتطلعين إلى نيل بعض المكاسب الشخصية ولو على حساب أعراضهم وأعراض عائلاتهم… ولو اقتضى الحال أن يناموا فوق القمامة كما فعل بعضهم أو الظهور عريانا فوق الخشبات كما فعل آخرون . فكم يؤسفني أن أرى القنوات الأجنبية تذكر المغرب في مجال القضايا الدنيئة وتظهرنا أمام العالم كشعب فاقد للأخلاق والشيم والقيم التي ناضل لإقرارها الأجداد وحافظوا عليها بالغالي والنفيس وتمسكوا بها في أزمنة الحرب والمجاعة و الأزمات… - مستوى المؤسسات التي ترسخت أقدامها في محاربة الإسلاميين المعتدلين المشاركين في العملية السياسية من قبيل القناة المعروفة والتي رفض مسؤولوها دفاتر تحملات الوزير الخلفي وقد بدؤوا من جديد حملاتهم المغرضة ويلعبون الكل للكل في مواجهة الحكومة …استعدادا للجولة المقبلة من حرب دفاتر التحملات…مؤسسات لا يستسيغ مسؤولوها مفهوم الخدمة العمومية للإعلام لأنه سيقلص مجال المناورة أمامهم وسيحرمهم من التحكم المعتاد في الفضاء الإعلامي ويضعف قدراتهم في ممارسة دور البوليس الإعلامي… في هذا الإطار يندرج الروبورطاج الأخير لهذه القناة الذي جاء مهللا للرأي العلماني الشاذ في موضوع الحريات الجنسية وأمال الكفة لجهة معينة بشكل غير حرفي وغير موضوعي وبأسلوب مفعم بالحقد الدفين وموسوم بالعمى الايديولوجي الشامل.. . وبخصوص هذا الروبورطاج لا بد من تسجيل الملاحظات التالية: - أن من أنجزوه لم يكلفوا أنفسهم عناء عرض الرأي الأخر واكتفوا باستعراض أراء أعضاء الجوقة المعروفة ذات التوجه المناقض لتواثب الشعب المغربي وثقافته الراسخة. - نقل صورة من اليوتوب تم انتقاؤها بعناية وعزلها عن سياقها العام والخاص … حيث لم نعتد أن تنقل مثل هذه الصور في الإعلام العمومي( وكأنها صورة مسجلة من دمشق أو حماة المكلومتين) وفي المقابل لم يتم نقل المقطع المقابل للشخص الذي تدعمه القناة والموجود بدوره على اليوتوب. - إستغفال المشاهدين بعدم توضيح أصل المشكل وموضوع الخلاف وصرف النظر عنه بشكل يفتقد إلى الموضوعية. حيث لم تبرز القناة أن أصل المشكل هو صراع نشب بين أقلية معزولة دعت إلى إلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي الذي ينص على معاقبة جريمة الفساد، وإقامة علاقة جنسية بين رجل وامرأة، لا تربط بينهما العلاقة الزوجية، …وبين أغلبية الشعب المغربي المسلم الرافض لذلك… لأنه لو تم توضيح ذلك لحسم الرأي العام موقفه تجاه النازلة وتجاه القناة وتجاه تلك الأقلية…دون أدنى تردد…انه أسلوب التمويه و الاستغفال الذي تمارسه هذه القناة… - محاولة التأثير على القضاء وتلفيق كل التهم وإصدار الأحكام القبلية الجاهزة في النازلة. حيث هنا بلغ استغرابي منتهاه حينما شاهدت القناة توفد مبعوثها إلى أمام مبنى وزارة العدل ، حيث ظننت أنه سيسأل وزير العدل أو أحد مسؤولي الوزارة عن حيثيات النازلة والتكييف القانوني لها … ولكنه لم يفعل شيئا من ذلك إلا استفزاز العدالة ومحاولة توجيهها حيث قال مبعوث القناة من أمام مبنى الوزارة..أنه ينتظر ماذا ستفعل النيابة العامة في النازلة…وكأن القناة أرسلته إلى تقديم بلاغ على الهواء مباشرة إلى هذه النيابة من اجل متابعة المعني بالأمر والقبض عليه…وكأني أمام قناة تبث فيلما هوليوديا موضوعه المؤامرة والانتقام…وليس أمام قناة يقتطع لفائدتها من جيوب المغاربة …ومنهم هذا المتهم…وليس أمام قناة عمومية من المطلوب أن تلتزم بواجب التحفظ وأسس المهنية وشروط المصداقية الإعلامية… حسرتي شديدة على ما وصلت إليه هذه القناة من درجة الانحطاط و استغرابي كل استغرابي ممن تركوا هذه الخدمة العمومية أداة طيعة في أيدي التيار الإستئصالي من جوقة البوليس الإعلامي…تركوها تلعب بالنار…وتستفز المشاعر وتطعن من الخلف وتفتك بمقومات الأمة… في الأخير أقول لجميع هؤلاء أنكم تلعبون بالنار والفتنة التي تحركونها أشد من القتل بمنطوق القرآن الكريم. وقد علمت وأنا انهي كتابة هذه الأسطر أن النيابة العامة استدعت المعني بالأمر لاستجوابه…وذلك عبر روبورطاج أخر لنفس القناة بثته وهي في حالة انتشاء واضح بعد ان تحقق المراد وتم بلوغ المرام… غيبت فيه من جديد الطرف الأخر والرأي الأخر وأحضرت إلى الأستوديو الطرف المآزر في جلسة محاكمة حقيقية…أصدرت الأحكام وأغلقت الملف… وكان روبورطاجا مقززا أكثر من الأول..وفي أوج الانحياز وقمة الاستهتار بالمشاهدين وعموم المغاربة… هنيئا لقناتنا بهذا الانجاز الكبير….والحذر كل الحذر أيها المواطنون من سطوتها..فمن كان منكم موضوعا لأحد روبورطاجاتها فسيكون السجن مثواه لا محالة… أتساءل من جديد عن موقف المؤسسات المعنية…وزارة الإعلام…الهاكا…وزارة العدل والحريات…مؤسسات العلماء… من هذا التجبر والطغيان…فان كان الأمر يتجاوزها فلتعلن ذلك صراحة… انه السؤال الحقيقي للحريات الفردية وليس السؤال المصطنع من طرف الأقلية العلمانية… في الأخير أؤكد أن هذا موقفي من طبيعة معالجة القناة لهذا الموضوع فقط وليس موقفي في مضمون النقاش المثار… برلماني عن حزب العدالة والتنمية