نشرت إحدى الجرائد الوطنية مؤخرا خبرا قصيرا على صفحاتها يتحدث عن الفائض المالي الكبير الذي حققته مختلف الجماعات المحلية، القروية منها والحضرية. الفائض المقدر بالملايير حققته هذه الجماعات في ظل مناخ دولي ووطني تخيم عليه أجواء الأزمة المالية والاقتصادية، وسياسات التقشف الحكومية في جميع الدول، ومن بينها المغرب، حيث تعاني العديد من القطاعات الحكومية من ضعف قدرتها على مواجهة ارتفاع الفاتورة الاجتماعية. وفي مقابل ذلك تفاجأ الرأي العام بتحقيق الجماعات المحلية لفائض مالي كبيرا، وهي المؤسسات الترابية المنتخبة الأقرب إلى تدبير المجالات الحيوية المرتبطة بالمعيش اليومي للمواطن، من البنيات التحتية إلى الخدمات الإدارية إلى الطرق والنظافة والصحة وكل ما يهم تدبير المجال الترابي للجماعة، وقد تتعزز هذه المهام بشكل أكبر بعد أن تشرع الحكومة في تنزيل القوانين التنظيمية للورش الواعد للجهوية. صحيح أن الفائض المالي للجماعات المحلية لا يعني أن كل الجماعات في مرتبة واحدة، إذ توجد جماعات بالكاد تتمكن من أداء أجور موظفيها، لكن بين هذا الدور الذي يفترض أن تقوم به الجماعات المحلية، وبين قراءته على ضوء هذا الخبر المشار إليه أعلاه، يمكن أن نتوصل إلى نقطتين رئيسيتين، يمكن أن تشكلان مفتاح المستقبل للجماعة الناجحة التي تهدف إلى لعب دور القائدة الرائدة للتنمية في مجالها، وتعزز لدى سكانها نوعا من الإحساس والاعتزاز بالهوية الجماعية، بشكل سيؤدي مباشرة إلى تنمية متوازنة ومتكاملة بين كل الجماعات على الصعيد الوطني، انطلاقا من المؤهلات الخاصة بكل منها وإمكانياتها وتطلعاتها المستقبلية. وأول هذه النقط، هي أن أغلبية الجماعات المحلية تحتكم على موارد مالية مهمة، ويمكنها تعبئة المزيد عن طريق الشراكات المتعددة مع القطاع الخاص وهيئات المجتمع المدني، أو عن طريق القروض والهبات. وهي يمكنها، من خلال هذه الموارد، القيام بمشاريع مهمة في البنيات والتجهيزات التحتية ومختلف المرافق العامة الضرورية، كما يمكنها توفير أرضية ملائمة للاستثمار المحلي والوطني الناجح والمنتج والمدر لفرص الشغل. غير أن ما يحد من قدرة هذه الأخيرة على لعب أدورها المنوطة بها حاليا، أو في المستقبل المنظور، هو تكلس المفاصل الإدارية والسياسية للعديد منها، بسبب ترسخ مظاهر الحكامة الرديئة لدى هيئاتها الإدارية والسياسية، التي لم تستطع مواكبة التطور الطبيعي للأشياء في هذا العالم. النقطة الثانية، وتتحدد في أن نسبة مهمة من أعباء التنمية المحلية والجهوية في المستقبل سيقع على عاتق الجماعات، بالنظر إلى إمكانياتها وقربها من المواطن، غير أن نجاح ذلك المسعى يستوجب تجديد أطرها وتزويدها بدماء جديدة في مختلف التخصصات، لتمكينها من القدرة على التحرك في محيطها بأسلوب جديد قوامه النجاعة والفعالية. ولأن التجربة المغربية في الإدارة المحلية رائدة في محيطها الإقليمي، وهي تشكل نموذجا للعديد من الدول التي تتوفر على إدارة محلية متخلفة أو لا تتوفر عليها أصلا، فإن مواصلة طريق اللامركزية الذي عرفه المغرب منذ الاستقلال، وضمان قيام الجماعات المحلية بمهامها، يتوجب الإدراك أولا بأن عددا من القابعين في مفاصل هذه الأخيرة، تحولوا مع طول المدة، كما قال أحد المفكرين في سياق آخر، إلى شيء أشبه بحفاظات الأطفال التي يتوجب تبديلها بين الفينة والأخرى .. لنفس السبب