تتزين تعلات بجماعة تسكدلت من يومه الثلاثاء لإستقبال، أفواج من مريدي المدارس العلمية العتيقة بربوع سوس العالمة، ومن مناطق من وسط البلاد، لإحياء الليالي القرآنية والصوفية التي يشهد إقامتها هذا الموسم الذائع الصيت. ومن المنتظر أن يحل بعد غد الخميس وفد رسمي برئاسة عامل الإقليم لحضور الحفل الديني الذي سيقام بالمناسبة وتناول الغذاء بمنزل أحد كبار أعيان منطقة تسكدلت . جدير بالذكر أن هذا الموسم ينسب للولية الصالحة " تعلات " التي كانت تلقب برابعة زمانها ، انتقلت إلى جوار الخالق سنة 1207 هجرية عن عمر يناهز المائة عام ، ومنذ ذلك التاريخ ظل هذا الموعد السنوي يشكل فرصة للقاء العلماء والطلبة والزوار لتمتين التواصل وتبادل المعارف وإحياء الليالي القرآنية ، بالإضافة إلى أنه يعتبر محطة لتدارس واقع التنمية المحلية بمنطقة الحلات وتاعلات. ********** ذكرت كتب التاريخ التي تناولت سيرة هذه المرأة المشهورة بسوس ب«تعلات» أن اسمها الحقيقي هو فاطمة بنت محمد، هلالية الأصل، من بني عبلي، وبنو عبلي فرع من بني الحسن الذين ينتهي نسبهم إلى عبد الله بن جعفر. وكانت معروفة بلقب «رابعة زمانها» نسبة إلى رابعة العدوية بمصر التي عرفت بزهدها وتقواها وصلاحها. وصفت السيدة «تعلات» من طرف من أرخوا لسيرتها على أنها: «عالمة عجيبة الحال، من الصالحات القانتات الصابرات الخاشعات، الذاكرات لله كثيرا، العابدات. انتشر صيتها، وعم بلاد سوس والغرب، وأثنى عليها الناس، ذاع ذكرها بالولاية والصلاح عند الخاصة والعامة، وتحكى عنها كرامات كثيرة، وشهد لها بذلك أكابر العلماء العاملين وأهل الخير والمحبة والدين، من ذلك أن الشيخ العالم، سيدي امحمد بن الصالح، الملقب بالمُعطى البجعدي كتب إليها يسلم عليها ويطلب منها الدعاء. وقال عنها الفقيه محمد بن أحمد البوقدوري: «ومن كرامات هذه الولية الصالحة أن الفقراء الناصرين يزورونها كل عام في أول فبراير، فإن أجدبت السنة صلوا صلاة الاستسقاء، وإلا فلا. وكانوا يبيتون فيها ليلة الجمعة، ويحيون تلك الليلة بالذكر والمذاكرة.. يحكى أن السيدة تعلات كانت متزوجة برجل من أيت علا وعقد نكاحها مؤرخ تأريخا عجيبا، ففي أسفل وثيقة نكاحها كتب: «انتهى في اليوم الثاني عشر من الشهر الثاني عشر من العام الثاني عشر من القرن الثاني عشر من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. ومما حكاه الرواة عن زوجها، أنه كان على خلاف فقهي كبير خاصة ما تعلق بجواز التوسل بالأولياء ساعة الشدة والكرب، حيث يحكى أنه حين أراد أن يسافر زوجها إلى الحج، خاطبته السيدة تعلات: «إذا هاج البحر واشتدت الرياح، ولم تستقر السفينة، فنادني باسمي، فنهرها ولم يبال لكلامها، وحدث أن اشتد بهم البحر والريح ذات يوم، وتلاطمت الأمواج، وأيقنوا بالغرق، ثم تذكر تلك الكلمة التي قالتها له زوجته، فناداها باسمها، فهدأت أمواج البحر، حتى قطعت بهم السفينة بلا مشقة ولا محنة. ورد في سيرة «تعلات» أنها ماتت رحمة الله عليها سنة 1207ه، ه أي بعد وفاة السلطان المولى يزيد العلوي بسنة واحدة، وكانت معمرة ومسنة حيث عاشت قرنا كاملا، حتى تجاوز عمرها أكثر من 110 سنوات. وذكر الفقيه البوقدوري أن السيدة تاعلات تركت قصائد شعرية أمازيغية سوسية، في موضوع التوسل والإرشاد ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها هذه المنظومة الرائعة المنقولة من رسالة للباحثة الأستاذة خديجة كمايسين، وفيها حوالي 50 بيتا شعريا، وفيما يلي مطلع هذه المنظومة: «...أصالي على محمد الرسولي إيهوزا إيكنوان إيهوزا العرشي إيهوزكن أيا حبيب الرسولي نوزن تيبراتين أيي داك تلكمي أويدا رانين نرا أداون إينيخ إيدا الواصيات أمودو نراتي أتامنم سربي دنابينخ أوري لي ماتيلكمن نتان أداون مليخ...» وترجمتها إلى اللغة العربية: «الصلاة على محمد الرسول هزت السماوات وهزت العرش وهزتكم، أيها الحبيب الرسول بعثنا الرسائل للقدوم طرا إلينا، أيها المريدون نود أن نترك هذه الوصايا فمقصدنا أن تؤمنوا بالله ونبينا فليس من يدرك مقامه فاتخذوه دليلا». يقام قرب ضريحها موسم ديني يحضره جم غفير من الأئمة وحفظة كتاب الله، وأما تاريخ تأسيسه، فقد أسس عام خمسة وخمسين ومائتين وألف من الهجرة، من طرف القائد المسمى الحاج أحمد إكني الحاحي الذي نزل بتارودانت وتدسي، حيث لاتزال أطلال داره باقية بتدسي. وعلى هذا فقد كان بين موتها وبين تأسيس موسمها 48سنة. ومنذ تأسيسه وهو يشهد تدفق أعداد كبيرة من حملة الكتاب يأتون إليه من كل فج عميق، ويعكفون على قراءة القرءان ليلا ونهارا، لا سيما ليلة الجمعة، فإنهم يحيونها بترتيل القرءان ب«تحزابت» من صلاة العشاء إلى صلاة الصبح، وهي طريقة مشهورة بسوس لقراءة القرآن بشكل جماعي.