انتهى الترقب الذي ظل سائدا في الأوساط الإعلامية بالإعلان عن التشكيلة النهائية للحكومة الثلاثين للملكة المغربية . لكن ميلاد هذه الحكومة لم يكن ليمر دون انتقادات كبيرة ومتعددة سواء منها ما هو جوهري أو دستوري. وسيبقى النقذ في القادم من الأيام مستمرا الى حين تفنيد تلك الانتقادات باعتماد إجراءات جوهرية، في تدبير الشأن العام ،وحده الكفيل بصرف انتباه المحللين عبر ترجمة الأقوال إلى أفعال. ولعل النقاش المستفيض للتشكيلة الحكومية الجديدة في الاعلام سببه كونها أول حكومة في ظل الدستور الجديد ، وأول حكومة لحزب معارض رفع شعار محاربة الفساد الاستبداد، شعار تتقاسمه جميع القوى المعارضة على مستوى الشارع والبرلمان وينتظر الجميع ترجمته من خلال التنزيل الجيد لمبادئ الدستور الجديد. ومع خروج التشكيلة الجديدة لاحظ الكثيرون من المعارضين بوادر التنازل عن بعض المبادئ التي كان حزب العدالة والتنمية يعتبرها خطوطا غير قابلة للمساومة .ويمكن تلخيص هذه المؤاخذات على الحكومة في سبع مؤاخذات ستحسب على رئيس الحكومة الجديد وتلزم حكومته لمدة غير يسيرة. 1- التأويل غير الديموقراطي للدستور :كان الخطاب السائد داخل العدالة والتنمية هو أن نجاح تجربة الاصلاح في المغرب ستتم ترجمتها الحقيقية من خلال التأويل الديمقراطي لفصول الدستور الجديد وأبسط مثال على ذلك تجلى في انخراط جميع قيادات الحزب وراء الأمين العام ودعمه لرئاسة الحكومة والتلويح بإخضاع أي اقتراح آخر غيره لموافقة المجلس الوطني للحزب ، رسالة ليست تحديا لسلطة الملك الذي من حقه أن يختار أي شخص آخر، بقدر ما هي حرص قيادات الحزب على ترسيخ العرف الديموقراطي في أول امتحان فعلي للدستور الجديد. ولكن الحكومة شكلت مجال ظهرت فيه تأويلات غير دمقراطية من خلال بقاء بعض وزراء الحكومة السابقة مما يوحي بتخلي رئيس الحكومة عن حقه في الاقتراح وهو حق غير قابل للتفويض، على اعتبار أنه ناتج عن ترجمة لسيادة شعبية ناتجة عن الصناديق وليست حقا شخصيا خاضعا لكرم رئيس الحكومة يتخلى عنه بمحض إرادته . والتأويل غير الدمقراطي أيضا تجلى في التصريح بكون مجال الاوقاف مجال خاص بأمير المؤمين وهذا تأويل خاطئ ولا يستند الى القراءة الديمقراطية للدستور ،فبنفس المنطق كان يمكن التخلي عن وزارة العدل على اعتبار أن الملك هو رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية كما الدفاع أيضا ,فالدستور وإن حدد اختصاصات الملك كأمير للمؤمنين ،فقد حدد أيضا اختصاصات رئيس الحكومة ولم يحدد إستثناءا أو حصرا لها ، فكما هو معلوم ترجع الكلمة الاخيرة للملك بصفته رئيس الدولة وهو من يمتلك الكلمة الاخيرة في التعيين في كل القطاعات بمعنى أن خضوع مجال الاوقاف لسلطة الملك تحصيل حاصل فلم يكن رئيس الحكومة مطالبا بقراءة خاصة للدستور ، فرئيس الحكومة كرس بدعة سياسية جديدة بقراءته تلك والحسم بأن مجال الأوقاف ليس من اختصاص رئيس الحكومة وهو ما يطرح سؤالا حول اعتماد وزارة الاوقاف ضمن التشكيلة الحكومية فإما أن تكون الحكومة كلها تحت سلطة رئيسها أو أن لا يظهر فيها مجال لا يدخل في اختصاصها من أساسه. فالفصل 93 من الدستور يشير الى أن الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي ويقوم الوزراء بأداء المهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة، ويطلعون مجلس الحكومة على ذلك. 2- الهيكلة الحكومية: وإن كان هناك بعض التجديد في بعض المجالات من خلال إضافة بعض التسميات لوزارتين إلا ان الكثير من القطاعات بقيت على نفس الهيكلة ، لكن الخطأ ليس في الهيكلة في حد ذاتها ،ولكن في المنهجية التي اعتمدها رئيس الحكومة من خلال اللجوء الى نفس التأويل غير الديموقراطي للدستور وطرح الهيكلة على أنظار الملك في مرحلة أولية ليتم تغييرها مجددا بعد التحفظ على بعض الاسماء المقترحة في بعض الوزارات وهو ما يعني أن ما قام به رئيس الحكومة لم يكن ذي جدوى من أصله لأنه كان يكفي اقتراح أسماء المقترحين للإستوزار مع الاشارة الى الاضافة أو التغيير في إسم الوزارة، وساعتها سيتم اعتماد الأمرين معا أو اقتراح تغيرهما ،لكن رئيس الحكومة كرس بدعة اضافية قد تصير عرفا دستوريا يلزم تقديم الهيكلة الحكومية قبل الانتقال الى اللائحة . 3- الابقاء على وزارات السيادة: شملت الحكومة الجديدة 5 وزارات سيادية وإن كانت أقل من سابقاتها إلا أنها كرست صفات الملكية التنفيذية في صورتها القديمة ولا توحي بأي تغيير دستوري جديد في الأسلوب ، فوزارات السيادة ليس لها أي معنى في ظل وجود الحكومة كلها تحت سلطة الملك باعتباره رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء، وتكريس رئيس الحكومة لهذا العرف يعطي تأويلا غير ديمقراطيا للدستور وتخل عن صلاحياته الدستورية ولا يتماشى مع الخطاب الملكي ل9 مارس ولا مع الفصل الأول من الدستور الذي يؤكد أن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية. فالحفاظ على وزرات السيادة يعني أن هناك حكومتين وهو ما يتنافى أيضا مع الفصل 89 الذي يشير الى أن الحكومة تمارس السلطة التنفيذية، و تعمل تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين. الشيء الذي يكرس ولو شكليا وجود قطاعات ليست تحت تصرف رئيس الحكومة واذا كان العكس فلا معنى لوزارات السيادة ما دام التضامن الحكومي هو المفروض . 4- الابقاء على وزارات الدولة :والتي شكلت عبر تاريخ الحكومات المغربية شكلا للترضية السياسية أكثر منها وزارة ذات أهمية وقيمة إضافية للعمل الحكومي، وكان الحزب ضد هذا النوع من الوزارات وقد يكون ذلك مقبولا لو أسندت لحزب آخر غيره ، فليس هناك معنى لحقيبة فارغة الا أن تكون رغبة رئيس الحكومة في إسناد منصب مهم لرفيقه في النضال ونائبه، والخطأ أن رئيس الحكومة فضل أن يخرج المنصب عن دائرة مسطرة المجلس الوطني التي هي شأن داخلي وتحويله إلى شأن خارجي عام ، و تكريس عرف سيئ من خلال الحفاظ على وزارات الدولة ضدا على منهجية تقليص عدد الوزارات التي رفع شعارها ، فإذا كان رئيس الحكومة في حاجة ملحة لنائبه الى جانبه فهناك طرق كثيرة يمكن اعتمادها خاصة أن كفاءته وحنكته السياسية التي أهلته ليكون نائبا للأمين العام كافية لتجاوز عقبة استوزاه بأي شكل من الاشكال وفقا للمسطرة المعتمدة. 5- تكريس الترحال السياسي،: كان الحزب من أكبر المنادين بالقطع مع الترحال السياسي وضد النزول بالمظلات في المناصب الوزارية والبرلمان ، وليس هناك أي مبرر يمكن أن يسوغ اللجوء الى ذلك في حكومته لأن الأمر يتعلق بالمبدأ وليس بالشخص أو بوزنه السياسي أو حتى بكفاءته، فإسناد وزارة الفلاحة الى وزير ظل في حزب معارض الى آخر لحظة ليست أمرا مقبولا أخلاقيا ولا سياسيا ، فإذا كانت الحقيبة من نصيب الحزب فكان يجب إخضاعها لنفس المسطرة التي خضع لها الجميع صغيرا وكبيرا ، أما اذا كانت جهات أخرى هي من اقترح الشخص ، فإنها مصيبة أكبر وهي تكريس لوزارات السيادة بشكل آخر، أما مبرر الكفاءة فهو استهانة بكفاءات الحزب وأطره ولو تعلق الأمر بالكفاءة وحدها لتولي المناصب في الحزب لما كان الأمين العام نفسه في ذلك المنصب. 6- التخلي عن القطاعات الإجتماعية: قد تكون إكراهات عقد التحالف عاملا مهما في تحديد بعض المجالات التي يسيرها كل حزب داخل الأغلبية ،إلا ان انتظارات المواطنين لبصمة الحزب كانت تخص قطاعات خاصة بعينها كقطاع التعليم الأساسي والصحة والتشغيل والمالية والسكنى، وقد كان حظ حزب التقدم والاشتراكية أفضل من خلال الوزارات التي أسندت إليه باعتباره اكبر الفائزين، لكن الحزب تخلى بلا شك مرغما على هذه القطاعات إرضاءا لحلفائه ، فغياب العدالة والتنمية عن قطاعات حيوية وتركها لغيره لتسييرها بالمناولة ستحسب عواقبه عليه ونتائجه لغيره، فهل يستطيع رئيس الحكومة فرض رؤية حزبه على وزراء أحزاب كانوا الى أمس قريب سببا في الفشل الذي عرفه تدبير قطاعات مهمة كالتعليم والصحة وغيره ، شيء ستصدقه الافعال عما قريب. 7- ضعف التمثيلية النسوية في الحكومة:سجلت الحكومة تراجعا كبيرا في التمثيلية النسوية والتي تعد الأقل مند 1990 وهو ما جلب انتقادات المنظمات النسائية وكذا أحزاب المعارضة ،وهذا التراجع وإن تحكمت فيه أسباب كثيرة إلا أنه كان يجب فرضه على أحزاب التحالف من خلال ضرورة اقتراح كل حزب على الاقل اسما واحدا نسويا كحد أدنى، ولكن تعديلات اللحظة الأخيرة ربما هي التي أسقطت الكثير من الأسماء ومن بينها بعض الاسماء النسائية بلا شك ، وهذا أمر تتحمل فيه جهة التعيين المسؤولية الكبرى، لكنه لا يمكن إعفاء رئيس الحكومة أيضا من المسؤولية حيث تخلى عن حقه الدستوري في اقتراح ابعض الوجوه النسائية المعروفة في أحزاب التحالف. هذه المؤاخذات بلا شك ستكون لها تداعيات كبيرة على المستوين الخارجي والداخلي للحزب ،فعلى المستوى الخارجي وجدت المعارضة الرسمية وغير الرسمية مماسك قوية ضد الحكومة الجديدة وهي في أيامها الأولى، مما يعني أن ما ينتظرها من معارك ليس بالقليل وقد يجعلها عرضة لضربات قاسية من خصوم لن يكونوا رحماء تجاه الحزب الاسلامي ، وحتى إذ كان النقاش النخبوي مقدورا عليه من خلال قوة وقدرة الإقناع التي يمتلكها وزراء العدالة والتنمية ، فمستوى انتظارات الشارع الذي كله أمل وترقب تحتاج إلى نتائج ملموسة تنعكس على حياة المواطن اليومية في الادارة وفي السوق والتعليم والصحة الخ... .أما على المستوى الداخلي فرئيس الحكومة تنتظره محطات حاسمة تقتضي منه تفسير تفاصيل ما جرى لقواعد حزبه وقد لا يكون لديه الوقت الكافي كما في السابق للشأن الداخلي مما قد يؤثر على شعبيته ويجعل من قيادته لسفينة الحزب وتماسكه أمرا صعبا خاصة أن الحزب في حاجة الى ذلك التماسك لتجاوز سلبيات تدبير الشأن العام حتى لا يكون مصيره كسابقيه من الاحزاب التي لم ينلها من تدبير الشأن العام غير التشرذم والانتكاس.