الحادثة كانت تبدو عادية عندما حصلت وتناقلتها الصحف اليومية ومنها الشروق اليومي ضمن الأخبار المحلية العادية، التي مفادها أن مصالح الأمن أوقفت مراهقا اختص في خطف البورتابلات من أيدي مستعمليها من النساء خاصة، ثم يبيعها في الأسواق الموازية بثمن بخس، لكن في آخر عملية له قاومته ضحيته وهي شابة جامعية كانت ترد على مكالمة بلغتها من والدتها تسألها عن أحوالها، خاصة أنها تقطن في إقامة جامعية وهي من قرية صغيرة.. المتهم الذي جاوز سن البلوغ بعدة أشهر، ترصّد، كعادته، الضحايا قرب منحدر يسهل عبره الهروب والاختفاء في لمح البصر بعد خطف جهاز الهاتف النقال.. ولكن هذه المرة لم تسلم لا جُرّته هو ولا جُرّة الضحية، فبمجرد أن تبعها حتى لاحظت تقدمه نحوها فاحتاطت للأمر وحاولت أن تسرع في مشيتها، ولكنه تقدم منها وأمسك بهاتفها النقال فقاومت وتشبثت في ذراعه فجرّها معه في هروبه بعد أن خطف جهازها النقال وعندما لاحظ تمسكها بالمقامة قذفها بقطعة حديدية صدئة استقرت في عينها اليمنى ومع ذلك أكملت الجري إلى أن اكتشفت أن عينها تنزف فسقطت أرضا واختفت الصورة من ناظرها ولم يختف هو عن الأنظار، بل إن سقوطه أرضا جعله فريسة لشباب تدخلوا ليوقفوه، فصادف ذلك مرور دورية شرطة اقتادته إلى مخفر الشرطة، وهناك اتضح أن مشكلته ليست في السرقة عن طريق الخطف وإنما تسببه في إصابة الضحية بعاهة مستديمة، حيث فشلت عمليتان جراحيتان من إنقاذ عينها وساءت أيضا الرؤيا في عينها اليسرى فأضاعت موسمها الجامعي وقد يضيع الآن مستقبلها بالكامل. أثناء تقديم هذا الشاب الجاني للمحاكمة تقدمت الطالبة الجامعية، ولم تكن رفقة أفراد عائلتها القاطنين في قرية نائية.. سألها القاضي عن مطالبها، فقالت إنها تطلب استرجاع بصرها، ثم قالت إنها تسامح الشاب المراهق بعد أن كان محاميه يقدم نبذة عن حياته البائسة وعن يُتمه بعد أن فقد أمّه وتزوج والده من امرأة أذاقته العذاب.. ولأول مرة تتحول المحاكمة إلى جلسة لا خصام فيها بين الضحية والجاني، رغم أن ما طال الضحية من أذى في منتهى المأساوية.. الجاني أجهش بالبكاء وكان يقول للقاضي بأنه لم يكن يخطف الهواتف النقالة من أجل الاستفادة من أموالها بقدر ما كان يظن أن الفتيات يتكلمن مع أصدقائهن من الأثرياء، وقال إنه يبكي في هاته اللحظة على الضحية التي فقدت عينها وصارت مهددة بحسب الشهادة التي قدمتها بفقدانها البصر نهائيا.. حتى أن المحكمة عندما أصدرت حكمها القاضي بسجنه لمدة أربع سنوات نافذة راح يقول أمام الملأ.. والله أستحق أكثر من ذلك.. الضحية اتنقلت الربيع الماضي إلى تونس لمعالجة عينها، أما الجاني الذي لم يعرف الاستقامة إلا بعد أن تسبب في كارثة فتاة مجدة في دراستها.