حين كان رجب طيب أردوغان يبيع وهو صغير لفافات الخبز في شوارع اسطنبول القديمة كانت تركيا دولة محاصرة بسلسلة من انقلابات الجيش. وكان أبناؤها المتدينون مضطهدين في المجتمع. وبينما يوشك أردوغان الآن على إتمام عشر سنوات كرئيس لوزراء تركيا تبدو بلاده مختلفة تمام الاختلاف. إنها صاحبة واحد من أسرع اقتصادات العالم نموا ومرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي وقوة إقليمية لا يستهان بها كما أزاح الأتراك المتدينون النخبة العلمانية من السلطة. وأردوغان بالنسبة لأعدائه إسلامي مستبد وخطير أما في عيون معجبيه فهو بطل همام. غير أردوغان وجه هذه الدولة الديمقراطية المسلمة منذ وصل حزب العدالة والتنمية الذي يقوده إلى سدة الحكم عام 2002 على نطاق لم تشهده منذ أسس كمال أتاتورك الجمهورية التركية عام 1923 على أنقاض الامبراطورية العثمانية المهزومة. وتظهر استطلاعات للرأي أن أردوغان (57 عاما) سيفوز بسهولة بولاية ثالثة من حكم الحزب الحاكم في الانتخابات التي تجري في 12 يونيو. وفي حين أن المسألة الوحيدة غير المؤكدة بشأن الانتخابات هي الهامش الذي سيفوز به أردوغان فان النتيجة ستحدد مستقبل هذه الدولة البالغ عدد سكانها 74 مليون نسمة. كان أردوغان قد قال إنه إذا فاز حزبه فسيعيد صياغة الدستور الذي صيغ بعد انقلاب عسكري عام 1980 وتسري تكهنات الآن حول ما إذا كانت خطوته التالية ستكون نحو الرئاسة في إطار نظام رئاسي أكثر قوة. وقال هنري باركي خبير الشؤون التركية في معهد كارنيجي للسلام الدولي بواشنطن «أردوغان يريد أن يذكره الناس بوصفه الرجل الذي صنع من تركيا قوة عالمية». وأضاف «انه يريد أن يثبت للعالم أنك تستطيع أن تكون لاعبا عالميا ومسلما في نفس الوقت». وأردوغان سياسي صاحب كاريزما وقد خاض مجازفات عندما تحدى الجيش والقضاء العلمانيين في وقت شهد انتقال السلطة من أيدي النخب الحضرية التي تميل للغرب إلى طبقة جديدة من المسلمين المتدينين. وأدت سياسات السوق التي شجعها حزب العدالة والتنمية المحافظ اجتماعيا إلى زيادة نصيب الفرد من الدخل القومي إلى ثلاثة أمثاله في الأعوام الثمانية الماضية. وولى عهد برامج الإنقاذ للتخلص من الأزمات المالية والانهيارات المصرفية. بدل أردوغان مكانة تركيا في العالم. وعمقت تركيا عضو حلف شمال الأطلسي وحليفة الولاياتالمتحدة لفترة طويلة علاقاتها مع الشرق الأوسط بما فيه إيران وفتحت أسواقا جديدة في آسيا وإفريقيا. وكان العلمانيون يخشون من أن يحول حزب العدالة والتنمية الذي خرج من رحم حركات إسلامية محظورة تركيا إلى إيران أخرى لكن هذا لم يحدث. وقد كافأ المستثمرون أردوغان على نهجه البراغماتي. لكن على الرغم من قصة نجاحه فان هناك مخاوف بشأن مستقبل تركيا. فالبعض يتهم أردوغان بأنه يظهر نزعات شمولية ويقولون انه يتمتع بصلاحيات أكثر من اللازم. ويشعر البعض بالقلق من أن يسمح حصول حزب العدالة والتنمية على أغلبية الثلثين بأن يقر أردوغان تعديلات دستورية أحادية الجانب ويطلق يد رجل يعرف عنه أنه غير محب للمعارضة واعتاد القيام بالأمور بطريقته الخاصة. وأحزاب المعارضة ضعيفة وتعاني من استمرار الفوضى التي تحاصرها منذ هزيمتها في انتخابات عام 2002 التي جاءت بحزب العدالة والتنمية إلى السلطة مما يزيد من الانطباع بهيمنة أردوغان الكاملة. وإذا انتخب أردوغان فلن يسمح له بخوض الانتخابات لولاية رابعة. لكن مواد الدعاية الانتخابية تظهر أنه يعتزم البقاء على الساحة السياسية بعد ذلك. واعتمد لملصقات ونشرات الحملة صورة له وهو غير مبتسم ويبدو فيها بمظهر الأب وتعيد للأذهان صورة مؤسس الجمهورية أتاتورك ويستخدم شعار «الهدف 2023» وهي الذكرى المئوية لتأسيس تركيا الحديثة. وقال تيموثي اش المحلل في رويال بنك أوف سكوتلاند «تركيا دولة أكثر ثقة بنفسها في وجود معدل نمو مرتفع وقطاع مصرفي وأموال عامة تبدو جيدة وفي ظل طفرة في الاستهلاك والإسكان وارتفاع نسبة الشباب بين السكان لكن من الواضح أن هناك مخاوف بشأن تركز السلطة». ولد أردوغان لأب من منطقة البحر الأسود يعمل ربان زورق وهاجر حين كان طفلا إلى اسطنبول. ويقول كاتبون للسير انه كان يبيع لفافات الخبز وعصير الليمون ليتمكن من دفع تكاليف مدرسته الدينية. ويشير كاتبو السير إلى أن صفات أردوغان النضالية والشعبوية ربما ترجع إلى خصائص حي قائم باشا وهو حي قديم في اسطنبول يعيش به عمال من الريف وأصحاب المتاجر. ولا يزال ينظر إلى أردوغان في شوارع حي قاسم باشا الضيقة على أنه واحد من أبنائه. وتعلق المتاجر والمقاهي صوره بعضها من دعايته الانتخابية والبعض الآخر وهو بملابس كرة القدم حين كان لاعبا نصف محترف ويتحدث الجيران باحترام عن «رئيس وزرائنا». وعلى الرغم من شخصيته المثيرة للجدل فان حتى ألد أعداء أردوغان لا ينكرون أنه قوة يعتد بها. وقال جنكيز اكتر الأستاذ بجامعة بهجسير في اسطنبول «انه سياسي محنك لكن المشكلة أنه أصبح صانع القرار الأوحد في البلاد». وأضاف «فكرة النظام الرئاسي تبدو فكرة شديدة الاستبدادية. يريد تعزيز نفوذه بمزيد من السلطة لكن دون قيود. قد تواجه تركيا تحديات خطيرة في المستقبل إذا سرنا على هذا الدرب». ويحترم الكثير من الأتراك أردوغان لإعادته الاستقرار إلى البلاد التي عانت من عقود من الائتلافات الفوضوية والانقلابات وخطط الإنقاذ المالي الدولية الفاشلة ولمنحهم الثقة في بلادهم. ويقول باركي خبير الشؤون التركية في معهد كارنيجي للسلام بواشنطن «لا يزال بطريقة أو أخرى لاعب كرة القدم من حي قاسم باشا وهذا جزء من نجاح تركيا. قصته تشير إلى أن التقدم والارتقاء يمكن أن يحدث في تركيا».