لا يختلف اثنان على أن هذه المرحلة التي يعيشها وطننا ومختلف بلدان العالم تتسم بكثير من الصعوبة وتعتمد أساسا على سرعة ونجاعة القرارات التي يتخذها كل بلد على حدى. وإذ يجمع الكل على أن المغرب بتوجيهات من عاهل البلاد الملك محمد السادس نصره الله وأيده أحسن التصرف بشكل كبير مع مجريات تفشي الوباء في المعمورة من خلال حزمة من التدابير الوقائية كما العلاجية ، فتمكن من الحد بشكل كبير من تفشي الفيروس في صفوف المغاربة. هؤلاء الذين اصطفوا جميعا وراء ملكهم في تجاوي تام مع الخطة الرشيدة للمملكة للحد من تداعيات وباء قهر دولا عظمى وأصاب اقتصاداتها وقبلها أنظمتها الصحية بوهن لم تشهده من قبل … وإذ وجب الاستمرار في التعبئة الوطنية من إجل الخروج بأقل الخسائر الممكنة جراء هذه الجائحة ، فإن التفكير فيما بعد وباء كوفيد 19 يبدوا هو النهج السليم والإكثر نجاعة وطمأنة للمواطنين والمواطنات ، في لحظة تبين إبانها للمغاربة أن هناك دروسا عظيمة وجب استخلاصها ونواقص يمكن تداركها وفرص وكفاءات بل وإيجابيات وجب استثمارها وتثمينها ، من أجل مواصلة مسلسل المغرب من أجل البناء المتين والأسرع في ظل أهداب العرش الملكي المجيد. ويبدو أن موازين قياس مكانة الحكومات والدول يختلف تماما في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البشرة ، فلأول مرة نجد المحللين كما كبار الساسة يعترفون بأن الأمر تخطى كل المقاييس المحددة للقوة قبل ظهور فيروس covid19 من حيث الترسانات الحربية أو حتى درجة الرفاهية الاقتصادية .. بعد أن برزت محددات جديدة لقوة البلدان كمؤشر القيم ومنظومة التكافل الاجتماعي ودرجة توافق إرادات الحكومة ومختلف مؤسسات كل بلد على حدى من جهة و حاجيات المواطنين ومتطلبات المرحلة من جهة أخرى. مما أظهر للعيان خللا كبيرا يعتري الكثير من أنظمة تدبير الشأن العام في كثير من الدول المتقدمة ، وركنها في زاوية الفشل في نظر المحللين والمتتبعين. وبالمقابل تجد دولا أقل قوة وفق معايير ما قبل “كوفيد19” تبلي البلاء الحسن على ضعف امكانياتها الاقتصادية معتمدتا في ذلك على رجاحة قرارات حكامها والمعتمدة أساسا على التدبير المعقلن لمواردها المادية والبشرية مع تعزيز دور منظومة القيم المؤطرة لمجتمعاتها كالتكافل والتطوع والخلق والابداع … وهنا يمكن تصنيف المغرب في هذه الخانة الأخيرة في تناغم تام لمختلف مكونات المجتمع قمة وقاعدة. ويبقى الرهان الكبير وإلى جانب استمرار التعبئة الشاملة من أجل تخطي هذه المرحلة الصعبة هو استخلاص العبر ومن تم اقتراح أفكار يجب أن يتعبأ الجميع لإنجازها تحت يافطة “الأوراش الوطنية الاستراتيجية للنهضة التنموية المواطنة ” بالنظر إلى أن هذا الوطن قيادة ورجالات وشعبا يستحق أن ينال مراتب أعلى ويلعب أدوارا أكبر في محيطه كبوابة إفريقيا نحو الجوار الأوروبي وكذلك قطب تنموي للامتداد الافريقي .. ولأن اليوم فقط يجمع الكل على أن أوراشا عظمى تكتسي الطابع الاستراتيجي كالتعليم والصحة وما يمكن أن نطلق عليه “الاقتصاد السوسيومالي” ، دون أن نغفل ورش إدكاء دور الثقافة المغربية المواطنة في تعزيز منظومة القيم الوطنية كإطار عام للعمل بعيدا عن أي تقليد للآخر أو استنساخ لتجارب كابحة لإرادتنا في وطن يؤمن بحظوظه كاملة في تكريس نموذج تنموي متجدد وفريد. ولأن الاقتصاد الوطني لا شك سيتأثر جراء تداعيات هذه الجائحة فالرهان كله في مرحلة أولى ؛ هو تظافر كل الجهود من أجل الحفاظ على مؤسساته قائمة بمختلف مكوناتها الأساسية وخاصة منها البشرية. فالمغربة الطامح لتطوير اقتصاده بعد كوفيد19 لا شك أنه في حاجة لكل شركاته ومعامله وكل المؤسسات المواطنة الاقتصادية على اختلاف مجالات عملها أوحجمها ، شريطة أن تبقة محتفظة بكل مواردها البشرية. وهنا يبرز دور توجيهات ملك البلاد الداعية إلى دعم المقاولات وتتعزيز قدراتها في الحفاظ على كل مقومات البقاء وبالتالي النماء بعد هذه الأيام العصيبة. وهذا كله من خلال “ورش وطني مواطن” لمواكبة المقاولات المغربية وتعزيز قدراتها ماديا وبشريا في مرحلة أولى وتقنيا فيما بعد ، لتعزيز دورها المستقبلي في الرفع من وثيرة التنمية المنشودة في ظروف مواتية تراعي مصالح مستخدميها وعمالها في حفاظ تام على القدرة الشرائية للمواطنين وحقوقهم في العيش الكريم. ولأن قطاع الصحة يكتسي أهمية كبرى قبل وإبان وخصوصا بعد زوال “محنة كورونا ” ، فإن ربح رهان ورش الصحة أصبح ضرورة ملحة. من خلال خلق و تأهيل الفضاءات الصحية في تناسب تام مع طبيعة التوزيع الجغرافي للساكنة وعلى مختلف المستويات محليا وإقليميا جهويا ، مع ضرورة تعزيز مبادئ وآليات الحكامة المالية واللوجتيكية للمؤسسات الصحية العمومية أو الخاصة وفق تصور شمولي يبتغي التكامل بين الخاص والعام في خدمة المواطن ، وعلى أساس مبادئ نبل مهمة ” جنود السترة البيضاء ” وتعزيز مكانتهم الاعتبارية والمادية في المجتمع في حفظ تام لكرامة المواطن المرتفق للمرفق الصحي. كما يبدوا للعيان أن منظومة التربية والتكوين بالبلاد تستطيع الانعتاق من مجموع المشاكل التي تتخبط فيها ، ومن تم بلوغ المجد المنشود من قبل قطاع التربية والتعليم . وذلك من خلال تعزيز الثقة في مختلف مكوناتها من رجال تعليم ومؤسسات علاوة عن تثمين التجارب الناجحة ، على غرار التجربة الحالية والمنبنية أساسا على تسخير كل الامكانات المتاحة كالأنترنيت وقنوات الاعلام العمومية من أجل التعلم عن بعد مع الحرص على ابتكار آليات ورصد موارد تهم تقوية قدرات المتعلمين خاصة منهم أولائك المنحدرين من أسر في وضعية هشاشة وإكسابهم القدرة على التعلم الجيد .. كما يبدوا مهما ضرورة العناية بمجالات التعلم الأخرى كالتربية غير النظامية ومحو الأمية كمدخل مهم لبناء مجتمع مغربي يتفاعل بايجابية مع منظومة التربية والتكوين .. هذا مع تخصيص حيز مهم من اهتمام مؤسساتنا التعليمية وبمختلف مستوياتها للخلق والابتكار والبحث العلمي ، كبوابة مهمة لاندماج ومساهمة خريجي مدارسنا في منظومتنا الاقتصادية والانتاجية المواطنة والفاعلة .. ولأن القطاع الاجتماعي قطاع النبل والكرامة في ارتباط وطيد مع أسمى صور “الحق في العيش الكريم ” بعيدا عن أي مزايدات أو أية محاولات للاستثمار السياساوي أو منطق المن أو حتى المفاضلة ، و كقطاع استراتيجي مهم لمغرب ما بعد كورونا ، فإن الرهان يبقى هو إخراج “السجل الاجتماعي ” لحيز الوجود مستنيرين بما قد نستخلصه من عبر ومعطيات خلال تدبير الترسبات الاجتماعية لهذا الوباء. إذ لا بد من رقمنة المعطيات وجعلها قابلة للتحيين ومن تم للاستثمار الايجابي وفق مبادئ الاستحقاق والرقي بالفرد إلى مراتب أقلها حفظ الكرامة والشعور بالأمان المنشود في كل زمان ومكان في هذا الوطن الحبيب ..