في خطوة غير متوقعة، أعلن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي يواجه أسوأ اضطرابات أثناء حكمه أنه لن يخوض سباق انتخابات الرئاسة في عام 2014، وتعهد بإجراء حزمة من المبادرات لدعم وحرية الإعلام والديمقراطية مثيرا بذلك مشاهد ابتهاج واحتفالات في شوارع العاصمة، وهو ما رحبت به المعارضة وطالبت بتنفيذه فعليا. وحدد بن على ثاني رئيس لتونس منذ استقلالها الذي يتولى منصبه منذ أكثر من 23 عاما موعد رحيله في كلمة مشحونة بالعواطف عبر شاشة التلفزيون الرسمي إلى الشعب مساء الخميس 13-1-2011 بعد أسابيع من الاشتباكات المميتة بين المحتجين والشرطة. وقال في كلمة هي الثالثة منذ اندلاع الاحتجاجات الاجتماعية وما رافقها من مواجهات عنيفة ودامية لم تتوقف منذ نحو ثلاثة أسابيع:”كفى عنفا كفى عنفا،وكفى اللجوء إلى الرصاص الحي،هذا أمر غير مقبول،ولا مبرر له”. وتشير تقارير إلى أن المواجهات التي تواصلت اليوم أسفرت عن سقوط نحو 21 قتيلا بحسب الأرقام الرسمية،وأكثر من 50 قتيلا بحسب منظمات حقوقية، وخسائر مادية جسيمة. وشدد على أنه متمسك برفض الرئاسة مدى الحياة، وأنه سيعمل على صون دستور البلاد واحترامه ، وقال إنه يرفض المساس بشرط السن للترشح لرئاسة الجمهورية، بما يعني أنه لن يترشح إلى الانتخابات الرئاسية المقررة في العام 2014. وتنص المادة 40 من الدستور التونسي على ضرورة أن يكون المرشح للرئاسة يوم تقديم ترشيحه بالغاً من العمر أربعين عاما على الأقل، وخمسة وسبعين عاما على الأكثر، فيما حددت المادة 57 مدة الولاية الرئاسية بخمس سنوات. ويبلغ بن علي حاليا الرابعة والسبعين، أي أن عمره سيكون 78 عاماً في العام 2014 ، ما يعني أنه لن يستطيع الترشّح لولاية رئاسية جديدة . واعتبر بن علي أن الوضع في تونس “يفرض تغييرا عميقا وشاملا، وأن التغيير الذي أعلن عنه هو استجابة لمطالب الشعب التي تفاعلت معها، وتألمت لما حدث شديد الألم”. حرية الإعلام وأشار في خطوة لإرضاء التونسيين إلى أنه كلف رئيس الوزراء محمد الغنوشي باتخاذ “الإجراءات المناسبة لتخفيض أسعار المواد والمرافق الأساسية من خبز وحليب،ورفع ميزانية الدعم”. وأكد بن علي أنه تعرض إلى عملية مغالطة فيما يتعلق بمجالي الديمقراطية والحريات،حيث لم تجر الأمور كما أرادها أن تكون. وتعهد بدعم الحرية الكاملة للإعلام بكافة وسائله، وعدم غلق مواقع الانترنت، ورفض أي شكل من أشكال الرقابة عليها ،مع الحرص على احترام الأخلاقيات ومبادئ المهنة الإعلامية. وأضاف أن المجال مفتوح من اليوم لحرية التعبير السياسي، بما في ذلك التظاهر السلمي المنظم ،التظاهر الحضاري ،مؤكدا أنه سيعمل على دعم الديمقراطية وتفعيل التعددية. المعارضة ترحب وبين مستغرب لما حدث في تونس خلال الأيام الماضية من اضطرابات وصدامات عنيفة، ومنشغل إزاء ما ستحمله الأيام القادمة من مفاجآت، تباينت الآراء والمواقف إزاء ما أعلنه الرئيس التونسي من قرارات وإجراءات جديدة لاحتواء الأزمة وامتصاص غضب الشارع. وسارع عدد من أحزاب المعارضة وبعض المنظمات الحقوقية إلى الترحيب الحذر بهذه القرارات، واعتبرت أن تنفيذها منوط بالآليات التي يتعين توفيرها حتى لا تبقى حبرا على ورق، فيما دعا أحمد نجيب الشابي الأمين العام السابق للحزب الديمقراطي التقدمي المعارض إلى البدء فورا بمشاورات لتشكيل حكومة إنقاذ وطني. واعتبر الشابي قرار بن علي بعدم خوض انتخابات الرئاسة القادمة في 2014 وباتخاذه إجراءات لتخفيف التوتر في البلاد أمر لم يكن متوقع. ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” عن الشابي أن هذا ما تطالب به المعارضة منذ فترة طويلة وأن تعهد الرئيس بعدم خوض الانتخابات أمر طيب للغاية. لكنه قال إن ما يتبقى هو كيفية تنفيذ ذلك ودعا إلى تشكيل حكومة ائتلافية، موضحا أن السياسة الجديدة التي تضمنها الخطاب جيدة وان المعارضة تنتظر التفاصيل. هدوء حذر وعقب كلمة بن علي خيّم هدوء مشوب بحذر شديد على تونس العاصمة وبقية مناطق البلاد صباح الجمعة 14-1-2011،بعد يوم من المواجهات الدامية بين المتظاهرين وقوات الأمن. وبدأت الحركة في وسط تونس العاصمة وضواحيها تستعيد وضعها الطبيعي، فيما لوحظ تراجع لحجم قوات الأمن، بينما علت وجوه بعض الشباب حيرة وإضطراب واضح ،ولا مبالاة لدى البعض الآخر، وانتظار لما قد يحدث، على ضوء تنفيذ الإتحاد العام التونسي للشغل قراره بالإضراب العام. وساهمت أثار الاشتباكات والمواجهات العنيفة التي جرت الخميس من سيارات محروقة،وتخريب لمقرات أمنية وإدارية حكومية،ومحلات تجارية مدمرة ومنهوبة،في رسم المزيد من نقاط الاستفهام والغموض الذي بدا يلف مجرى الأحداث ميدانيا وسياسيا. وكانت غالبية المدن التونسية شهدت الخميس مواجهات وصدامات عنيفة وأعمال عنف وتخريب،تواصلت ليلا،في سابقة لم تشهدها تونس منذ 23 عاما،ما دفع البعض إلى تسميتها ب”الهبة الشعبية”،و”الإنتفاضة المباركة”،”الغضبة الجماهيرية”. وشملت المواجهات تونس العاصمة وضواحيها،وحتى الأحياء الراقية منها، بالإضافة إلى وصولها إلى الضاحية الشمالية وبخاصة في الكرم الغربي الذي يبعد حوالي 15 كيلومترا عن قصر قرطاج الرئاسي الذي شهد مساءا داميا،حيث سقط فيه أربعة قتلى و22 جريحا. واندلعت المواجهات لأول مرة في مدينة سيدي بوزيد(265 كيلومترا جنوبتونس العاصمة) في التاسع عشر من الشهر الماضي على خلفية إقدام شاب على الانتحار حرقا احتجاجا على منعه من ممارسة حقه في العمل كبائع متجول للخضار وللغلال. وبدأت بعد ذلك تتدحرج ككرة الثلج ،لتشمل كافة البلاد،حيث اتخذت في بدايتها طابعا اجتماعيا أساسه المطالبة بالحق في العمل، ولكنها سرعان ما انتقلت إلى التعبير عن مطالب سياسية، كما تحولت بسرعة أيضا من مظاهرات اجتماعية إلى مواجهات وصدامات دامية تخللتها أعمال تخريب ونهب وحرق للممتلكات العامة والخاصة. ونتج عن هذه المواجهات التي أطاحت بوزير الداخلية رفيق بلحاج قاسم،بالإضافة إلى إجراء تعديل حكومي شمل أربع وزارات هي الاتصال والتجارة والشؤون الدينية والشباب والرياضة، حراكا سياسيا ملحوظا في البلاد، كانت له أصداء واسعة خارج حدود تونس. ووجدت السلطات التونسية نفسها بين أتساع رقعة الاحتجاجات رغم تزايد عدد القتلى، وبين الانتقادات الخارجية،حيث نددت فرنسا على لسان رئيس الحكومة فرانسوا فيون بما وصفه ب”الاستخدام غير المناسب لقوات الأمن” التونسية ضد المحتجين. وفي السياق ذاته، انتقد الاتحاد الأوروبي الإجراءات الأمنية الصارمة التي اتخذتها السلطات التونسية ضد المتظاهرين ووصف استخدام القوة بأنه غير مناسب وغير مقبول ،فيما أعربت أمريكا عن قلقها من الاستخدام المفرط للقوة . كما تردد صدى هذه الانتقادات في الأممالمتحدة التي أعرب أمينها العام بان كي مون، عن أسفه لتصاعد أعمال العنف في تونس.