أعلن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي مساء أمس أنه لا يعتزم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس وأنه أمر بوقف إطلاق النار على المتظاهرين واعدا بالحرية " الكاملة " للإعلام والانترنت في تونس . وقال بن علي (74 عاما) في كلمة وجهها عبر التلفزيون للشعب التونسي بعد نحو شهر من الاحتجاجات الدامية " إنني أجدد التأكيد على التعهد منذ السابع من نونبر1987 (تاريخ توليه السلطة) بأنه لا رئاسة مدى الحياة " ، مشددا على " عدم المساس بشرط السن للترشح لرئاسة الجمهورية " المحدد وفق الدستور ب75 عاما ، إذ أن عمره سيكون 77 عاما في حال ترشح لانتخابات 2014 كما طلب منه أنصاره بعيد فوزه بانتخابات 2009 " . وأعلن في هذا السياق تشكيل " لجنة وطنية تترأسها شخصية وطنية مستقلة لها المصداقية " لدى كل الأطراف السياسيين والاجتماعيين للنظر في مراجعة المجلة الانتخابية ومجلة الصحافة وقانون الجمعيات وغيرها من النصوص المنظمة للحياة السياسية في تونس . كما أعلن بن علي أنه قرر إعطاء " الحرية الكاملة للإعلام بكل وسائله والانترنت " في تونس، مؤكدا أن "العديد من الأمور لم تسر" كما أرادها وخصوصا " في مجالي الديمقراطية والإعلام " . وقال في كلمته " قررت الحرية الكاملة للإعلام بكل وسائله وعدم غلق مواقع الانترنت ورفض أي شكل من أشكال الرقابة عليها مع الحرص على احترام أخلاقيات المجتمع ومبادئ المهنة الإعلامية " . وأكد الرئيس التونسي في كلمته التي جاء قسم منها باللهجة التونسية " لقد فهمتكم ، فهمت الجميع العاطل عن العمل والمحتاج والسياسي " مؤكدا أن " الوضع يفرض تغييرا عميقا وشاملا " . وأكد في هذا الإطار أنه سيتم " فتح المجال من الآن لحرية التعبير السياسي (...) ومزيد من العمل على دعم الديمقراطية وتفعيل التعددية " . وأضاف في ثالث خطاب يلقيه منذ انطلاق حركة احتجاج غير مسبوقة في تونس ضد البطالة والفساد بدأت منتصف يناير الماضي في سيدي بوزيد (وسط غرب) وشملت في الساعات ال 48 الأخيرة العديد من المدن التونسية وخصوصا العاصمة وضواحيها التي أعلن فيها الأربعاء حظر تجول ليلي ، إن " العديد من الأمور لم تسر كما أردتها أن تكون خصوصا في مجالي الإعلام والديمقراطية " ، مشيرا إلى أنه تعرض " للمغالطة " ومشددا على أن من " حجبوا الحقائق سيحاسبون " . وأكد الرئيس التونسي من جهة أخرى أنه أمر بالتوقف فورا عن إطلاق النار على المتظاهرين ، مشددا على حرصه على " كل نقطة دم تونسية " . وقال " لا أقبل أن تسيل قطرة دم واحدة في تونس " . وأضاف " كفى عنفا ، لقد أعطيت تعليمات لوزير الداخلية ، كفى لجوءا للرصاص الحي إلا في حالة هجوم (...) والانجبار على الدفاع عن النفس " من جانب قوات الأمن " . وأكد بن علي من جهة أخرى أنه أعطى تعليمات للحكومة ب " تخفيض أسعار المواد الأساسية والمرافق مثل السكر والحليب والخبز " . وفور انتهاء كلمة بن علي انطلقت مجموعات من التونسيين في مسيرة دعم للرئيس التونسي في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة التونسية وأطلقت هتافات وأبواق السيارات ترحيبا ، وبدا كأن حظر التجول الليلي الذي فرض في العاصمة وضواحيها لم يعد قائما . ونزلت النساء إلى الشارع في منطقة العمران في تحد لحظر التجول وهتفن قائلات "يحيا ابن علي" وأطلقوا الزغاريد. ولم يتضح بعد كيف سيكون رد الفعل على وعد بن على بالتنحي عن الرئاسة خلال ثلاثة أعوام في معاقل الاحتجاج في الأقاليم أو هل سيحاول معارضون إرغامه على التنحي على الفور. وليس هناك أيضا مرشح واضح لخلافة ابن على الذي هيمن على الحياة السياسية في تونس وهمش منافسيه. ورحب زعيم حزب المعارضة الرئيسي في تونس نجيب الشابي بقرارات بن علي لكنه قال إنه يتبقى معرفة كيفية تنفيذها ودعا إلى تشكيل حكومة ائتلافية . ويوم الخميس كانت جميع المتاجر مغلقة في قلب العاصمة. ووقف جنود مسلحون من الجيش - جرى استدعاؤهم لتعزيز قوات الشرطة - للحراسة خارج المباني الحكومية خلف صفوف من الأسلاك الشائكة. وفي حي " لافايات " وهو منطقة التسوق الرئيسية بالعاصمة دوت أصوات طلقات نارية وشوهد مدنيان مصابان يسقطان أرضا في حين فر ثلاثة آخرون من المكان بعدما أصيبوا بجروح في السيقان. وشوهد دخان أسود يتصاعد من منطقة قريبة وغطى الناس أفواههم لتجنب استنشاق الدخان وأغلقت الشرطة المنطقة في حين سمع المزيد من أصوات الأعيرة النارية. وقال شاهد عيان في شارع قريب " كان هناك احتجاج واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع وإطلاق النار لتفريق الحشود " . وكانت الاضطرابات التي دخلت أسبوعها الرابع مقتصرة أصلا على البلدات في الأقاليم والضواحي التي تقطنها الطبقة العاملة في العاصمة . وانتقدت فرنسا المستعمر السابق لتونس بصورة لاذعة أسلوب تعامل الحكومة التونسية مع الاحتجاجات. وقال رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون أثناء زيارة رسمية إلى لندن " نصر على أن تظهر كل الأطراف ضبط النفس وان تختار طريق الحوار... لا يمكن أن نستمر مع هذا الاستخدام غير المتناسب للقوة " . والعدد الرسمي للقتلى المدنيين في الاحتجاجات هو 23 شخصا لكن شهودا قالوا لرويترز يوم الأربعاء إن خمسة آخرين قتلوا. وقالت الأممالمتحدة إن جماعات معنية بحقوق الإنسان تقدر عدد القتلى بنحو 40 . وقالت مفوضة الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي إن مقتل أشخاص في الاحتجاجات جاء " نتيجة اللجوء إلى بعض الإجراءات المفرطة مثل الاستعانة بالقناصة والقتل بلا تمييز لمشاركين في احتجاجات سلمية " . وتقول الحكومة إن الشرطة لم تطلق النار إلا دفاعا عن نفسها حين هاجمها مثيرو شغب بالقنابل الحارقة والعصي . وتقول إن أعداد القتلى التي تعلن عنها الجماعات المعنية بالحقوق مبالغ فيها . وأقال ابن علي وزير الداخلية يوم الأربعاء وأمر بالإفراج عمن اعتقلوا في أحداث الشغب إلا أن محتجين قالوا إن هذا ليس كافيا لتلبية مطالبهم . وبدأ حظر تجول في العاصمة تونس وضواحيها في الثامنة مساء (19:00 بتوقيت غرينتش) يوم الأربعاء . وتراقب الدول العربية عن كثب الاحتجاجات في تونس خشية امتداد الاضطرابات الاجتماعية إليها لاسيما بعد ارتفاع أسعار الغذاء العالمية . وقد تكون السياحة التي ساهمت بنسبة 11 في المائة من إيرادات العملة الصعبة في تونس العام الماضي عرضة للتأثر بشكل خاص . وتأثرت الأسواق المالية بالاضطرابات في تونس صاحبة أحد أكثر الاقتصادات انفتاحا في المنطقة والتي أخذت في الفترة الماضية تجذب اهتماما متناميا من المستثمرين الأجانب . وتراجع المؤشر الرئيسي لبورصة تونس 3.78 في المائة ليسجل خسائر لليوم الرابع على التوالي ويهبط إلى أدنى مستوى في 12 شهرا . وقفزت تكلفة تأمين ديون تونس من العجز عن السداد إلى أعلى مستوى في 18 شهرا . من جانب آخر ، أُلغيت مساء الخميس في تونس الرقابة التي كانت مفروضة على مواقع الانترنت، وذلك بعيد أن وعد الرئيس زين العابدين بن علي بضمان الحرية " الكاملة " للإعلام والانترنت. وكتب مستخدمون للإنترنت قاموا بدور كبير في الإعلام عن الاحتجاجات الاجتماعية الدامية في تونس على موقع "فيسبوك" تعبيراً عن الفرح بإلغاء رقيب وزارة الداخلية الذي يطلقون عليه " عمار 404 "، "عمار 404 أصبح عاطلا عن العمل" و" وداعا (باي باي) عمار 404 " . وكان الرئيس بن علي الذي تتعرض بلاده لانتقادات واسعة بشان حرية الإعلام ، أعلن في خطاب له مساء الخميس الحرية " الكاملة " للإعلام والانترنت. وقد بدأ عدد من المتصفحين على موقع فيسبوك في تداول كتاب ممنوع في تونس عنوانه "حاكمة قرطاج " الذي كتبه صحافيان فرنسيان تحدثا فيه عن دور لحرم الرئيس ليلى بن علي ومقربين منه في الفساد في قطاعات أساسية في الاقتصاد التونسي .