لا يحتاج أي باحث بل أي مواطن كثير عناء ، ليتعرف على ماضي قبيلة غمارة المشرق ، حيث من شواطئها مثلا عبرت قوافل الفاتحين الغماريين لفتح الأندلس ، و عليها رابط علماء و متصوفة و سالكين ، و في تربتها تبتت و ترعرعت كل أنواع الخيرات من خضروات و فواكه و قطاني حتى بلغ منتوجها أكثر من الاكتفاء الذاتي ، و من ربوعها هاجرت الكوادر و الأطر بما حباها الله من ثروة بشرية قل نظيرها في القوة و العصامية و النقاء ، و فيها برزت معالم المرأة المغربية الفريدة من نوعها على مستوى الأخلاق و الصنائع و التربية و العفاف ، و كذلك تعتبر غمارة مقبرة المحتلين الغاشمين ، حيث شهدت كثير من قلاعها معارك طاحنة انتصر فيها الغماريون انتصارات باهرة ، و اعتبرت غمارة أيضا أرض استقبال لآلاف النازحين من مناطق أخراى هربا من الجوع و السيبة و الفتن ، أجزم أنني مهما حاولت سرد بعض ما تتميز به غمارة ، فلن أوفيها حقها أبدا ، لنكتفي إذن هنا بتسليط الضوء على ما ابتلاها به "خصومها" من بذر لنبتة مغنية مفقرة ، كانت السبب في تشديد الخناق على أهلها و اتهامهم بشتى التهم ، ليسهل تحجيمهم و ابتزازهم و سلب أموالهم ، بل و مصادرة حاضرهم و مستقبلهم ، من طرف "المركز" و السلطات الإقليمية و المتاجرين في الهمم و الذمم ، إن أهالي غمارة الآن أمام الاستسلام لجحيم الفقر المدقع أو الهجرة الجماعية نحو المدن . الكيف أو القنب الهندي ، أو ما يصطلح عليه بالنبتة الذهبية ، أو البترول الأخضر ، أو غيرها من الأسماء التي تطلق على مسمى واحد ، المتشخص في مادة تنبت من الأرض ، لكنها تتميز على كل نظيراتها من النباتات كونها “نبتة سحرية” خارقة للعادة ، خاصة بعد إخضاعها لتغييرات جوهرية في شكلها و طعمها و رائحتها ، عند إستكمالها للشهور المعدودة بعد البذر . هكذا تماما ، تتحول حياة المتاجرين في منتوجها النهائي ، من حالة ضعف قصوى ، إلى حالة غنى باذخ فاحش ، و المتاجرون ليسوا فقط من يحملها على ضهره نحو البحر أو نحو القصر الصغير أو نحو المراسي في البحار ، لكن المقصود بالمتاجرين ، كل من يتعاطى عمليات ترويج المحصول من الحشيش ، سواء كان مسؤولا في جهاز إداري أو أمني ما ، أو كان على رأس الإقليم أو الولاية أو الوزارة أو نائبا برلمانيا ، أو وسيطا و سمسارا ، أو حارسا مرابطا على الثغور الشاطئية ، أو قائدا أو رئيس دائرة ، أو مقدما أو شيخا ، و تلك هل أدنى حلقة من حلقات المتاجرين في الحشيش و المستفيدين الأوائل من عائداته المالية الضخمة ، هنا بالطبع لم ولن نعمم ، لأننا نعلم بشكل مرئي و مشاهد ، أن في وطننا مسؤولون نزهاء يتصفون بالنقاء و الصفاء و تطبيق القانون و بالبعد عن الشبهات . لكن و في الواجهة الأخرى من الصورة ، نرى رأي العين ، مظاهر مأساوية تنخر كل مجالات الحياة ، في قرى و مداشر و مراكز غمارة ، غمارة هذه القبيلة التي تضاهي مساحتها حسب ما يقال في المثل ، مساحة “دولة قطر” ، ظلت لقرون من الزمن معلمة شامخة في العلم و الأدب و الأخلاق و السلوك و الجهاد ، حتى أصبحت مضربا للأمثال في كل دول العالمين العربي و الإسلامي ، هي الآن بفعل النبتة “الخبيثة” متهمة و مطاردة و متعسف عليها و مقصية و مهمشة ، و غير مدرجة في جدول اهتمامات المركز الدولتي ، لا لشيئ إلا لأن الذين رخصوا و دعموا زراعة القنب الهندي بالأرض المباركة لغمارة ، فعلوا ذلك بشكل مقصود و مدبر ، كمكيدة لتمرير مخططهم الجهنمي ، القاضي بضرب الأسس العميقة التي انبنت عليها حضارة غمارة العامرة ، منذ أمد بعيد على الصعيد العلمي و الكفاحي و غيرهما . لا نشك على الإطلاق بأن مسألة السماح لأهالي غمارة بزراعة الكيف ، المادة الممنوعة المسموح بها في آن ، هو أمر خطط له بليل و بعناية ، لتظل غمارة أبد الآبدين متهمة و مطاردة ، و في نفس الوقت ليستفيد من عائدات الكيف كل مسؤول بلا استثناء ، استفادة مادية كبيرة ، و كذلك للدولة فائدة أخرى تتلخص في تخليها نهائيا عن تدبير شؤون ساكنة غمارة ، و من ذلك عدم تمكينهم من المرافق و المؤسسات الضرورية و عدم حمل هم أبناء غمارة بتشغيلهم و تأطيرهم و إدماجهم في أعلى هرم الدولة . غمارة المغبونة ، منطقة كبرى ، أريد لها أن تظل كما نرى ، دائما متهمة ، و تارة مسجونة و تارة مطاردة ، في صورة أكبر مؤامرة حيكت ضد الإنسانية في العالم ، و من لم تعجبه قراءتي فليأتيني بدليله ، آتيه بألف دليل ، يثبت تورط المركز في مخطط ضرب تاريخ و حضارة و ماضي و حاضر و مستقبل غمارة .