وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه
رفعا للشرعية عن الفساد والاستبداد ورفضا لتزكية مؤسسات شكلية.. تدعو جماعة العدل والإحسان إلى مقاطعة انتخابات 7 أكتوبر
من المفترض أن تشكل الانتخابات محطة دورية لتقييم عمل الحاكمين وفرصة لاختيار النخب الحاكمة وآلية للتداول على السلطة. لكن يلاحظ أن الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها يوم 7 أكتوبر 2016، لا تختلف عن سابقاتها، ليس فقط فيما يتعلق بإطارها القانوني والتنظيمي، ولكن أيضا، وأساسا، فيما يتعلق بوظيفتها المتمثلة في تزيين صورة الاستبداد وإطالة عمره. وإذا كانت جماعة العدل والإحسان قد عبرت في المحطات الانتخابية السابقة عن موقفها الرافض لانتخابات صورية، ودعت الشعب المغربي والهيئات السياسية والمدنية الغيورة إلى مقاطعتها، فإنها اليوم بعد دراسة وتمحيص للسياق الدستوري والسياسي والإطار القانوني والتنظيمي لهذه الانتخابات تؤكد على موقف مقاطعة هذه الانتخابات، وتدعو إلى مقاطعتها، للاعتبارات الدستورية والسياسية والقانونية الآتية:
أولا- عبثية العملية الانتخابية على أساس دستور يكرس الاستبداد نصا وممارسة لا يخفى أن طبيعة الانتخابات تكون من طبيعة الدستور الذي نُظمت على أساسه. فدستور يكرس الاستبداد لا يفضي إلا إلى انتخابات شكلية تزين صورة المستبدين، وتحاول إخفاء استبدادهم البشع. فرغم أن دستور 2011 كان نتيجة حراك محلي وإقليمي اضطر معه نظام الحكم إلى مناورة سياسية، وتنازل عن قليل من السلطة، وسمح بهامش من الصلاحيات، فإنه ظل على مستوى جوهره دستور استبداد - كما سبق ووضحنا ذلك في وثيقة خاصة - يستحيل معه إجراء انتخابات ديمقراطية تتصف بحرية ونزاهة وتنافسية فعلية. ويتضح ذلك فيما يلي: 1- يفتقد الدستور المغربي للشرعية، باعتباره دستورا ممنوحا، أُقر باستفتاء يفتقد لمعياري الحرية والنزاهة. وبالنتيجة، فقد رسخ هذا الدستور الممنوح ميل وجنوح الكفة لصالح المؤسسة الملكية؛ وثَبَّتَ بذلك قاعدة من قواعد أصول الدستور الملكي المغربي لا تقبل النقاش ألا وهي احتكار الملكية لأهم السلط والصلاحيات [1]، لتصبح المؤسسات الأخرى، كما كانت في السابق، تابعة للمؤسسة الملكية، تأتمر بأمرها، وتنتهي بنهيها، بل تستنكف عن ممارسة حتى تلك الصلاحيات المحدودة التي أقرها لها هذا الدستور. ورغم محاولات تهريب النقاش لينصب على ما اصطلح عليه بتأويل الدستور وضرورة ارتقاء الطبقة السياسية إلى حسن تنزيل مقتضياته من خلال الممارسة الديمقراطية، ظل الاختلال الأساسي في المتن الدستوري والنص نفسه، وهو ما برز بشكل واضح من خلال تنامي الأصوات التي تسائل الكثير من مواد الدستور وفصوله (كتعارض صفة "البرلمانية" التي منحها الدستور للملكية مع رئاسة الملك لمجلس الوزراء الذي يحسم في القضايا والمشاريع الاستراتيجية وحتى القطاعية أحيانا، ومن خلال التمييز بين السياسة العامة والسياسات العمومية، حيث احتفظ الدستور للملك بالصلاحيات المتعلقة بالتوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة، موضحا في الفصل 92 أن مجلس الحكومة "يتداول في السياسة العامة قبل عرضها على المجلس الوزاري" ، والفصل 70 الذي أعطى السلطة التشريعية صلاحية "التصويت على القوانين، ومراقبة عمل الحكومة، وتقييم السياسات العمومية" ، دون الحديث عن صلاحيتها في مراقبة السياسة العامة. وكذا اختيار الملك لنصف أعضاء المحكمة الدستورية الستة ورئيسها...). 2- إذا كان مبدأ الفصل بين السلطات يعتبر من المبادئ الأساسية داخل الدول الديمقراطية، فإن هذا المبدأ يُفسَّر في المغرب رسميا بطريقة غريبة تجعل من الملك فوق السلط الثلاث؛ ويعني ذلك أن الملك غير معني بهذا المبدإ، ومن ثم لا ضير من أن تكون لديه سلط مهمة وقوية في علاقته بالبرلمان والحكومة والقضاء ومؤسسات الحكامة والمؤسسات العمومية... فبخصوص علاقته بالبرلمان مثلا له الحق في حل مجلسيه أو أحدهما (الفصل 51)، وله أن يخاطب البرلمان من دون أن يكون مضمون خطابه الذي يتلى أمام كلا المجلسين موضوع أي نقاش داخلهما رغم أن موضوعه يكون غالبا تدخلا وتوجيها في ما يخص السياسات العمومية (الفصل 52)، إضافة إلى احتكاره المجال التشريعي الواسع في المجال الديني والعسكري والأمني... وبخصوص علاقته بالحكومة، فهو من يقوم بتعيين رئيس الحكومة وأعضائها وله أن يعفيهم أو يعفي بعضهم من دون ضوابط دستورية دقيقة (الفصل 47)، وهو من يرأس المجلس الوزاري الذي يكون فيه التداول في القرارات الاستراتيجية (الفصل 48)؛ أما بخصوص علاقته بالقضاء، فعلاوة على رئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 56)، وتعيينه لغالبية أعضائه (الفصل 115)، فإن الأحكام القضائية تصدر وتنفذ باسمه (الفصل 124). هكذا إذن وبهذه الطريقة يتم ضرب مبدإ فصل السلط الذي يعتبر من الأسس الهامة في الدساتير الديمقراطية. 3- يمسك الملك أيضا بسلطات كثيرة تصب دائما في علاقاته بالسلط الثلاث، فهو يرأس الكثير من المجالس، كالمجلس الأعلى للأمن (الفصل 54)، والمجلس العلمي الأعلى (الفصل 41)؛ وهو يعين في كثير من المناصب، نذكر من ذلك: التعيين في الوظائف المدنية والعسكرية، وتعيين ستة أعضاء من اثني عشر عضوا المكونين للمحكمة الدستورية، وتعيين رئيسها (الفصل 130)، وتعيين رئيس المجلس الأعلى للحسابات، وتعيين رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي... وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة (الفصل 53)، وهو الذي يعتمد السفراء لدى الدول الأجنبية والمنظمات الدولية ولديه يعتمد السفراء وممثلو المنظمات الدولية، ويوقع على المعاهدات ويصادق عليها (الفصل 55)، وله ممارسة حق العفو (الفصل 58)، وهو من يتولى الإعلان عن حالة الاستثناء وحالة الحصار... 4- ولم يكتف واضعو الدستور الممنوح بإقرار سلطات كثيرة لمانحه، بل أبوا إلا أن يمنحوه أيضا صفة الحَكم الأسمى وصفة الساهر على احترام الدستور وهو ما يمكنه من سلطة تقديرية واسعة في تأويل الدستور. ناهيك أن الملك بإمكانه مراجعة الدستور بصفة فردية، وعرض مشروع المراجعة على استفتاء شعبي، بل أصبح من حقه عرض مراجعة بعض مقتضيات الدستور على البرلمان بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية الذي يعينه، و"يصادق البرلمان" بأغلبية ثلثي الأعضاء على ذلك (الفصلان 172 و174). 5- حتى بالوقوف عند فكرة تفعيل وتأويل الدستور بما يتلاءم مع التنزيل الديمقراطي السليم نفسها، فإن الممارسة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن التأويل والتنزيل يذهبان في اتجاه الإبقاء على ما كان عليه الوضع قبل 2011 من إفراغ للمؤسسات المنتخبة من مضمونها السياسي والإعلاء من شأن مؤسسة القصر لترتقي فوق الدستور والمؤسسات ولتبقى في صلب العملية السياسية بكلياتها وتفاصليها. وتكفي الإشارة هنا إلى اتخاذ الملك العديد من المبادرات بشكل انفرادي تتجاوز صريح ما ينص عليه الدستور كتعيين بعض العمال والولاة والمدراء المركزيين في بعض الوزارات ولا يكون لرئيس الحكومة إلا دور شكلي في ذلك، وكمثال أيضا إعلان المشاركة في الحرب على اليمن دون العودة إلى مجلس الوزراء والبرلمان في مخالفة صريحة للدستور. ويمكن التذكير في الأخير بمضامين مجموعة من القوانين التنظيمية التي كشفت إعادة انتشار السلطوية والاستبداد، كالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية التي حافظت على آليات تدخل الولاة والعمال في سير الجماعات والأقاليم والجهات، بل حتى القانون التنظيمي الخاص بالتعيين في المناصب السامية رقم 02.12 ورغم ما طاله من انتقادات إبان إقراره في بداية الولاية الحكومية وقع تعديله لتوسيع المؤسسات التي يعين فيها الملك. إن ما سبق يؤكد أن نصا دستوريا غير ديمقراطي، وأن تأويلا وتفعيلا ينهلان من نفس المعين ويُداران بنفس العقلية الاستبدادية، تؤدي إلى نتيجة واحدة مفادها أن المؤسسات المنتخبة لا تعدو أن تكون مؤسسات صورية تُحال إليها أدوار ثانوية وتكميلية في مشهد سياسي رسمي مغرق في العبث.
ثانيا- اختلالات سياسية واجتماعية تنزع عن الانتخابات طابعها التنافسي ترتبط الانتخابات أشد الارتباط بالجو السياسي الذي تمر فيه. وإن المناخ السياسي المغربي مند الاستقلال إلى اليوم يعاني من اختلالات سياسية بنيوية كبرى باعتبارها نتيجة منطقية لنظام حكم استبدادي. وقد أكدت تجربة الخمس سنوات الماضية تزايد تلك الاختلالات وتفاقمها مما يؤثر سلبا على كل عملية انتخابية ويفرغها من تنافسيتها وفاعليتها وجدواها. وفيما يلي غيض من فيض لتوضيح ذلك: 6- أفرزت قواعد اللعبة السياسية "ديمقراطية" مغربية جد موجهة وجد مقننة، كرّست بشكل قانوني وسياسي غير سليم هيمنةً سلطويةً للمخزن داخل النسق السياسي المغربي على باقي الفاعلين؛ حيث لا يوجه النقد للمؤسسة الملكية، ولا حتى لمحيطها، وإنما لسلوك الحكومة وحدها، علما بأن الصلاحيات الحقيقية هي بيد البلاط الملكي لا بيدها. أما الأحزاب السياسية فهي لا تسعى إلى الحكم لكي تحكم كما هو الشأن في البلاد الديمقراطية، وإنما لتشارك فقط في هامش من السلطة ضيق جدا وفي نطاق مؤسسات دستورية صورية. وقد لاحظ الجميع أن الحكومة التي تشكلت عقب إقرار الدستور الجديد زهدت حتى في بعض صلاحياتها المحدودة أصلا، واستغرقت مدة طويلة واستفرغت جهدا كبيرا في ترميم أغلبيتها الحزبية وفي التغطية على فضائح بعض وزرائها، في مقابل ضعف أدائها التنفيذي والتشريعي. إضافة إلى أن تعدد أحزابها فرض عليها الاشتغال بمنطق التوافقات والترضيات، مما أضعف من موقفها وأدى إلى فشل على مستوى أدائها العام. وأما البرلمان، الذي خوله الدستور ممارسة السلطة التشريعية ومراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية، فلم يستطع الارتقاء بوظائفه الدستورية، بل على العكس من ذلك أصبح ساحة للتهريج والتنابز بالألقاب والشتم والقذف أمام مرآى ومسمع الإعلام الوطني والدولي، مع استمرار ظاهرة غياب النواب والمستشارين. إن طبيعة هذه المؤسسات لا يمكن إلا أن تكون منسجمة مع طبيعة الانتخابات الصورية التي تفرزها. 7- إن احتكار المخزن للسلطة والمال والجاه والنفوذ أدى إلى تسخير الإعلام الرسمي واستعمال الإعلام المشبوه للتسويق للرأي الواحد وتسفيه الرأي المخالف وإلى الإصرار على إقصاء ممنهج للجزء الأكبر من الشعب، ولقواه السياسية الحية. وإن إصرار رفض المخزن لحق مقاطعة الانتخابات الذي تكفله كل الديمقراطيات، من خلال عدم السماح للمقاطعين بإسماع صوتهم ومنعهم من حقهم في الاستفادة من الإعلام السمعي البصري الرسمي، بل وترهيب الداعين إلى المقاطعة، لدليل على أننا بصدد انتخابات شكلية لا تستجيب لأدنى المعايير الديمقراطية من حرية ونزاهة وتنافسية. 8- تجري الانتخابات في ظل إقصاء سياسي عام وتضييق ومنع طال كل المعارضين من سياسيين وحقوقيين وأكاديميين، وشمل حتى الاعتكافات بالمساجد في شهر رمضان المبارك ومخيمات الأطفال، بل عرفت الفترة الأخيرة استمرارا في قمع الاحتجاجات السلمية؛ كقمع المحتجين على تدبير شركة أمانديس بطنجة وقمع الطلبة الأطباء والممرضين والطلبة الأساتذة والأطر التربوية (البرنامج الحكومي 10000 إطار تربوي)... وأيضا استمرارا في التضييق على حرية الصحافة وتعرض بعض الصحفيين إلى الاعتداءات الجسدية أثناء أداء مهامهم المهنية واعتقالهم ومحاكمتهم، إضافة إلى انتهاك الحق في التنظيم من خلال الامتناع عن الاعتراف بالوجود القانوني لعدد من الهيئات السياسية والمدنية؛ منها على سبيل المثال لا الحصر جمعية الحرية الآن وحزب الأمة والبديل الحضاري، والعديد من جمعيات المجتمع المدني، مع الإصرار على استمرار الإفلات من العقاب، سواء البدني أو المالي، على الجرائم التي ارتكبها من تحملوا مسؤولية إدارة الشأن العام (عدم محاسبة قتلة الشهيد كمال عماري على سبيل المثال). كل هذه الاختلالات تؤدي إلى إجراء الانتخابات في جو يكرس الشك والريبة وفقدان الثقة. 9- بعد مرور خمس سنوات على دستور زعم مؤيدوه أنه فاتحة خير اقتصادي واجتماعي على الشعب، لا تزال مجموعة من التقارير، بما فيها تقارير مؤسسات رسمية، تتحدث عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فالبطالة عرفت تزايدا واضحا، ومديونية الدولة بلغت مستويات تنذر بالخطر، وأسعار الكثير من المواد عرفت ارتفاعا صاروخيا في ظل قدرة شرائية ضعيفة لأغلب المواطنين. وزاد من حدة ذلك الاقتطاعات الشهرية للموظفين والعمال بسبب ممارستهم لحقهم في الإضراب، وتوالي مظاهر انتهاك حقوق الشغيلة وإغلاق المعامل وتسريح العمال، وغياب شروط السلامة والصحة واحترام الحق في الحماية الاجتماعية والقانونية. وتراجع بشكل واضح دور الدولة في تحسين الخدمات العمومية في كثير من المجالات، واستمرت معاناة المواطنين بسبب أزمات السكن الخانقة، فضلا عن انهيار المباني القديمة في مجموعة من المدن. وفي مقابل ذلك، استمر الريع بكل أشكاله ضاربا عرض الحائط بكل الوعود والشعارات التي رفعت منذ خمس سنوات. ولعل فضيحة ما عرف بأراضي خدام الدولة مثال واحد من العديد الأمثلة، التي لا يظهر للرأي العام منها إلا القليل في حين يتم التستر على أكثرها. ونسجل أيضا استمرار إهمال المدرسة العمومية التي تحولت إلى حقل تجارب فاشلة، فيما لا تزال الجامعة المغربية هي الأخرى متخبطة في مشاكلها التي تستفحل سنة بعد أخرى. إن هذا التردي العام يؤكد أن إجراء الانتخابات في ظل شروط استبدادية لا يغير من معاناة المواطنين شيئا. والأدهى من ذلك أن يستغل هذا الظلم الاقتصادي والعوز الاجتماعي في إفساد العملية الانتخابية، ليضاف فساد المجريات إلى فساد المنطلقات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. إن الاستقراء الدقيق للمحطات الانتخابية بالمغرب يظهر أن النظام السياسي ينحصر دوره في إدارة مراحل متعاقبة من الاستقرار القصير المدى، تصاحبها إصلاحات تسكينية ليتفادى النظام بذلك مباشرة الإصلاح الحقيقي المطلوب.
ثالثا- ضبط قانوني قبلي لهندسة خارطة انتخابية على المقاس: ليس المهم في الانتخابات المغربية سؤال "من يفوز؟" رغم كل أشكال البهرجة التي لا علاقة لها بالتنافس الانتخابي السليم الذي يكون على أساس الاختيارات والبرامج، ولكن السؤال المهم يرتبط بالإرادة والقدرة، أي هل تتوفر في الفائز انتخابيا إرادة التغيير أم لا تتوفر؟ وحتى إذا توفرت الإرادة هل باستطاعة ذلك الفائز أن يغيِّر من البؤس الاقتصادي والاجتماعي للمغاربة أم لا يستطيع؟ لقد تأكد من خلال تجربة ما يزيد عن نصف قرن من الانتخابات الصورية بالمغرب أنها لا تفضي إلى السلطة وامتلاك القرار السياسي الضروري لكل تغيير ثقافي واقتصادي واجتماعي، وإنما تفضي إلى خارطة انتخابية متحكم فيها تكرّس الاستبداد والفساد رغم ما يبدو من تغيير في الوجوه والأشكال والشعارات والوعود. ومن أهم ما يضمن تحقيق ذلك بالإضافة إلى الضبط الدستوري والسياسي الضبطُ القانوني والتنظيمي. ومن المعلوم أن الانتخابات المقبلة لم تعرف على مستوى إطارها القانوني والتنظيمي تغييرات كبيرة مما يؤكد استمرار نفس الملاحظات السابقة [2]، بل إن التغييرات الأخيرة رغم قلتها وجزئيتها زادت من حدة بعض الاختلالات، وفيما يلي تذكير بأهم الملاحظات: 10- رغم أن الانتخابات الجماعية والجهوية، بشهادة العديد من تقارير ملاحظة الانتخابات والعديد من التقارير الإعلامية، عرفت تزايدا كبيرا في حجم الفساد وأشكاله، فإن مرحلة الإعداد القانوني لم تعرف أي نقاش جدي لمحاصرة ذلك الفساد، مما يجعلنا نؤكد من الآن أن الانتخابات المقبلة ستعرف فسادا مهولا. ولعل ما ساد في الفترة الأخيرة من خطاب سياسي متسامح مع الفساد ومطبع معه يؤكد بالملموس غياب إرادة سياسية حقيقية لمواجهته، سواء في الانتخابات أو غيرها، بل يمكن أن نقول إن الفساد الانتخابي أصبح آلية من آليات ضبط المشهد الانتخابي. 11- لا تزال وزارة الداخلية تحتكر إدارة العملية الانتخابية في كل مراحلها (إعداد مشاريع القوانين، إعداد أغلب مشاريع المراسيم والقرارات، التقسيم الانتخابي، تعيين مكاتب التصويت، التحكم في المعطيات والمعلومات المتعلقة بالانتخابات...). فرغم الحديث عن إشراك وزارة العدل في متابعة العملية الانتخابية، فإن انتخابات 4 شتنبر 2015 أكدت أن ذلك الإشراك كان صوريا، كما كان الإشراف السياسي لرئيس الحكومة شكليا كذلك ودون أدنى أثر إيجابي. وخير دليل على ذلك المماطلة المتكررة لوزير الداخلية بخصوص بعض طلبات رئيس الحكومة، ولعل أوضح مثال في هذا السياق ما يتعلق بنشر النتائج التفصيلية للانتخابات الجماعية والجهوية السابقة، والتي لم تنشر إلا بعد ما يزيد عن 8 أشهر من إجرائها. ومما يزيد في هيمنة وزارة الداخلية وتحكمها في المعلومة الانتخابية تطويق ملاحظة الانتخابات بجعل المجلس الوطني لحقوق الإنسان هو المنظم لها، رغم أنه لا يتوفر على خاصيتي الاستقلال والحياد، وأيضا التضييق على الإعلام ومنع استطلاعات الرأي كما أكد ذلك قرار أخير لوزارة الداخلية. 12- عدم مراجعة اللوائح الانتخابية مراجعة شاملة، وعدم الانتقال من التسجيل بطلب في اللوائح الانتخابية إلى التسجيل التلقائي، مما يسهل التلاعب باللوائح الانتخابية وبنسبة المشاركة من جهة أولى، ويعكس غياب إرادة حقيقية لتحقيق مشاركة انتخابية فعالة من جهة ثانية. ونسجل في هذا الصدد الضعف الكبير في طلبات قيد التسجيل بمناسبة الانتخابات القادمة، إذ ظلت في حدود نصف مليون طلب قيد، ليبقى حسب بعض التقديرات حوالي 10 ملايين ناخب تقريبا غير مسجلين في اللوائح الانتخابية. 13- عدم مراجعة نمط الاقتراع المعتمد رغم أنه لم يحقق منذ اعتماده سنة 2002 وإلى حدود الساعة أهدافه المعلنة (عقلنة المشهد الحزبي، الحد من الفساد، التصويت على أساس البرامج)، بل يلاحظ المزيد من الإصرار على بلقنة المشهد الحزبي وإضعاف الأحزاب السياسية بتخفيض العتبة على المستوى المحلي، الضعيفة أصلا بالمقارنة مع ما كانت تطالب به مجموعة من الأحزاب السياسية في البداية، من 6 في المائة إلى 3 في المائة. 14- الاستمرار في جعل التقسيم الانتخابي بمقتضى مرسوم مما يجعله غير خاضع لأية رقابة بعدية، ويجعله آلية أساسية لضبط الخارطة الانتخابية من قبل وزارة الداخلية. كما نسجل عدم عدالة التقسيم الانتخابي المعتمد نظرا للتفاوت الديمغرافي والجغرافي الكبير بين بعض الدوائر الانتخابية. 15- استمرار العمل بالتصويت عن طريق الوكالة بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، رغم أن تلك الطريقة في التصويت تتناقض مع مبدأي سرية التصويت وشخصيته. وبخلاف ما يتم الترويج له في كون المانع من إحداث دوائر انتخابية في المهجر يعود لأسباب مادية ولوجستية، فإن أهم الأسباب تبقى ذات طبيعة سياسية وتتمثل أساسا في الخوف من انفلاتات الكتلة الناخبة بالخارج وخروجها عن المسار الانتخابي المرسوم. وفي هذا السياق نستغرب تصريح وزير الداخلية عند دفاعه لبقاء الوضع كما هو عليه بخصوص المغاربة المقيمين بالخارج، بحجة صعوبة إحداث دوائر انتخابية في "إسرائيل"، والحال أنه لا توجد جالية مغربية بإسرائيل، ولا يمكن أن توجد إلا في عقل الوزير، نظرا لرفض المغاربة القاطع للاحتلال الصهيوني. 16- يضاف إلى تلك الملاحظات الجوهرية بعض الملاحظات الشكلية والتقنية، والتي لا شك أن لها هي الأخرى تأثيرا سلبيا واضحا على العملية الانتخابية؛ من ذلك على سبيل المثال لا الحصر التأخر في إصدار القوانين والمراسيم والقرارات المنظمة للانتخابات، إذ لم تتجاوز المدة الفاصلة بين نشر أغلبها في الجريدة الرسمية وبين تاريخ الاقتراع شهرين تقريبا، وهي مدة تبقى أقل بكثير مما هو متعارف عليه دوليا، بل تبقى أقل من المدة التي أوصى بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والتي هي ستة أشهر. ومن الملاحظات أيضا في هذا السياق العودة إلى التنصيص القانوني على إمكانية إشعار الناخبين، مما قد يفسح المجال واسعا للتأثير على إرادة الناخبين، خاصة والقانون رقم 02.16 الذي يتضمن ذلك ينص على الإشعار بأي "وسيلة من الوسائل المتاحة". كانت هذه بعض الملاحظات المتعلقة بالإطار القانوني والتنظيمي للانتخابات، وهي ملاحظات تنضاف إلى ما سبق تسجيله بخصوص السياق الدستوري والسياسي، لتكون النتيجة في رأينا لعبة انتخابية مصنوعة على المقاس تصب في تكريس الاستبداد وما يرتبط به من فساد. إنه إصرار واضح على حرمان المواطنة المغربية والمواطن المغربي من حقهما في انتخابات ديمقراطية حقيقية تفرز مؤسسات لها سلطة ومصداقية. لذلك وانسجاما مع مبادئنا ومواقفنا، ورفعا لأية شرعية عن قوى الفساد الاستبداد، ورفضا لتزكية مؤسسات الأقلية التي تنبثق عن انتخابات شكلية يقاطعها السواد الأعظم من المغاربة، واستمرارا في العمل والضغط لتوسيع هامش الحرية، واصطفافا مع أغلبية المغاربة، نتحمل المسؤولية كاملة في رفضنا لهذا العبث، ونعلن مقاطعتنا لانتخابات 7 أكتوبر 2016، وندعو الشعب المغربي وكل القوى الحية إلى مقاطعتها.
عن الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان الأحد 16 ذي الحجة 1437 الموافق 18 شتنبر