صحيح ألا وجود لمناضلين حزبيين سياسيين متغلغلين بين صفوف المواطنين في الحياة العامة ، و لا أثر نضالي أو تعبوي لهم البتة ، حسب تحليلات كثيرة ، بل هناك استخفاف سافر بعقول الناس و استحمار لإرادتهم ، تصرفات تنتهجها الأحزاب السياسية في تعاملها مع المواطنين ، إذ كيف يعقل أن تظل غائبة تماما طوال أشهر السنة و تحضر في الموسم الانتخابوي “الخبثي” فقط ؟ ألاحظ كما يلاحظ عامة ساكنة غمارة مثلا ، الغياب الكلي لما يسمى أعضاء و كوادر الأحزاب السياسية المغربية المحلية ، فلا أنشطة تأطيرية أو تعبوية أو تثقيفية ، سواء في المدن الكبرى أو الصغرى ، أو المراكز أو في عموم القرى و المداشر ، إلى حد أننا سألنا مرارا مواطنين عن العمل الحزبي و عن المناضلين ، أجابونا أجوبة مقنعة تصب في عدم معرفتهم لما يسمى بالحزب السياسي ، و لا لما يسمى بالمناضل السياسي ، و هذه الحقيقة ليست مبالغة بل هي ملموسة و مرئية في المشهد الجماعي ، باستثناء حالات قليلة جدا . إذن لا داعي لنتحدث عن قيام حزب معين بتنظيم ةرشات تأطيرية و حاضرات و ندوات ، أو تنظيم وقفة احتجاجية مطلبية ، أو قيام حزب بمسيرة نحو إدارة أو مؤسسة معينة تابعة للدولة ، أو اقتراح أفكار في إطار حزبي ، كترجمة لرؤية الحزب لكيفية تدبيره للشأن العام و قضايا المواطنين . الحزب في القرى و المداشر و المراكز كما في المدن ، مجرد لافتة “باهتة” ، يستخدمها القائد و رئيس الدائرة و الأجهزة الأخرى التابعة للدولة ، لخدمة أجندتها ، و تبادل الخدمات ، بعيدا كل البعد عن خدمة مصالح المواطنين ، و إن طالبنا أحد بسوق دليل فلن تعوزنا ذاكرتنا الحمالة للدليل الألف ، لأننا أبناء الوطن و لنا احتكاك مباشر مع ما يفترض أنهم رؤوس الأحزاب ، صراحة و بدون تحفظ إن أغلب الممارسين للعمل الحزبي السياسي عندنا ، هم سماسرة الانتخابات و عملاء أجهزة الداخلية و مصاصو “مصالح” العباد و المتاجرين فيها ، ليس إلا ، و أما الاستثناء النادر ، فإن صاحبه لا يحضر و لا يتواجد بين المواطنين ، و لا يعايش الناس و لا يقاسمهم ظروفهم و معاناتهم ، بله أن يتجاوب مع مطالبهم ، و يدافع عنها و يعمل على جلبها و تحصيلها خدمة لهم و لأبنائهم . و أكثر من هذا فإن جل المترشحين يتلونون على فترات ثلهم مثل الحرباء ، تارة يلبسون لبوس اليمين و تارة يصبحون يسارا أو العكس ، و بعضهم يجاهر على مرآى و مسمع بأن مصلحته لها الأولوية على إديولوجية الحزي و توجهه السياسي و مواقفه و برامجه ، قليلة هي الأحزاب في وطننا من ينضوي تحت لوائها مناضلون حقيقيون يعرفون معنى الحزبية و معنى النضال و العمل السياسيين . و أما في الحملات الانتخابوية “الخبيثة”، فلا يبدو سوى اللعاب السائل من أفواه أشباه السياسيين ، لهثا وراء صوت المواطن الساذج العادي ، و فرصة للانتهازيين و النفعيين لحصد مزيد من المبالغ المالية المخصصة لكل حزب ، و يظل المواطن بعد مرور الفترة الولائية في معاناته السرمدية دون تغيير و لا تحسن ، في حين تظهر على المترشح سواء نجح أو رسب تخمة الكعكة و دلائل السمنة الانتخابوية .