رئيس الحكومة يشرف على انطلاق جولة أبريل من الحوار الاجتماعي    الرباط: تفاصيل مباحثات عبد اللطيف حموشي مع رئيس الاستعلامات للحرس المدني الإسباني    الأردن تعلن حظر جماعة 'الإخوان المسلمين'    شباب الريف الحسيمي يراهن على جماهيره في مواجهة وداد صفرو    محكمة النقض تنتصر لابن ضحية اغتصاب بالحسيمة وتمنحه حق التعويض من والده    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    بنعلي تطلق طلب اهتمام لإنشاء أول محطة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال بالناظور    وزراء الخارجية العرب يرحبون بانتخاب المغرب لرئاسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان    بعد حوادث في طنجة ومدن أخرى.. العنف المدرسي يصل إلى البرلمان    الوقاية المدنية تواصل البحث عن تلميذ جرفته المياه في شاطئ العرائش    الابتكار في قطاع المياه في صلب نقاشات الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    التازي ينظم المناظرة الجهوية للتشجيع الرياضي    السعودية توافق على اتفاقيات تسليم المطلوبين ونقل المحكومين مع المغرب    تعزيز التعاون المغربي الفرنسي، في صلب مباحثات بوريطة ورئيسة جهة «إيل دو فرانس»    وزراء الخارجية العرب يشيدون بالجهود المتواصلة لجلالة الملك في الدفاع عن القدس    بالتعاون مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.. نقل سيدة إيفوارية من الداخلة إلى مراكش عبر طائرة طبية بعد تدهور حالتها الصحية    في حضرة الوطن... حين يُشوه المعنى باسم القيم    المغرب يجذب مزيدا من الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين الدوليين (صحيفة فرنسية)    الإتحاد الأوروبي يخاطر بإثارة غضب ترامب    وزراء الخارجية العرب يؤكدون على مركزية اتفاق الصخيرات كإطار عام للحل السياسي في ليبيا    بطلة مسلسل "سامحيني" تشكر الجمهور المغربي    الكتاب في يومه العالمي، بين عطر الورق وسرعة البكسل    "التقدم والاشتراكية" ينتقد خوف الأغلبية من لجنة للتقصي حول "دعم الماشية" ويستنكر وصف أخنوش المعارضة ب"الكذب"    إلغاء ضربة جزاء أعلنها الحكم تفجر غضب جمهور فتح الناظور    نادي "الكاك" يعتذر لجمهور القنيطرة    نادي مولودية وجدة يحفز اللاعبين    أوراش: الأزمة المالية الخانقة توقف بطولة كرة السلة بكيفية قسرية    تراجع أسعار الذهب مع انحسار التوترات التجارية    "طنجة المتوسط" يؤكد دعم الصادرات في المعرض الدولي للفلاحة بمكناس    "بي دي إس" تطالب بالتحقيق في شحنة بميناء طنجة المتوسط متجهة إلى إسرائيل    عباس يطالب "حماس" بتسليم السلاح    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب إسطنبول    وزارة التعليم العالي تدرس إمكانية صرف منحة الطلبة شهريا    البابا فرنسيس يسجى في رداء أحمر    وفاة الإعلامي الفني صبحي عطري    وزير الداخلية يحسم الجدل بخصوص موعد الانتخابات الجماعية والتقسيم الانتخابي    "مناظرة وُلدت ميتة"… انتقادات موجهة لولاية جهة الشمال من غياب التواصل حول مناظرة التشجيع الرياضي بطنجة    القضاء يستمع إلى متزوجين في برنامج تلفزيوني أسترالي    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    هذه أغذية مفيدة لحركة الأمعاء في التخلص من الإمساك    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    في الحاجة إلى مغربة دراسات الهجرة..    وكالة التنمية الفلاحية تستعرض فرص الاستثمار الفلاحي خلال ندوة دولية بمعرض مكناس    في جولة أبريل من الحوار الاجتماعي.. الاتحاد العام لمقاولات المغرب يؤكد على تجديد مدونة الشغل والتكوين    توقيع شراكة استراتيجية ومذكرة تفاهم لبحث الفرصة الواعدة في إفريقيا بين فيزا ومجموعة اتصالات المغرب    المنتخب المغربي للتايكواندو يشارك في كأس رئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو بأديس أبابا    "الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين    الغربة بين الواقع والوهم: تأملات فلسفية في رحلة الهجرة    ندوة علمية حول موضوع العرائش والدفاع عن السيادة المغربية عبر التاريخ: نماذج ومحطات    صحيفة ماركا : فينيسيوس قد يتعرض لعقوبة قاسية (إيقاف لمدة عامين    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محطات في التصوف المغربي : 4 التعريف بالطريقة الكتانية
نشر في شورى بريس يوم 11 - 07 - 2016


(محطات في التصوف المغربي: 10/ 4)
التعريف بالطريقة الكتانية :
ابتلاء مراكش والمناظرة: وحيث أقام الله تعالى لكل رائد حق زعماء من الشياطين تغلبهم الغيرة والحسد؛ فإن الشيخ – رضي الله عنه – أصيب بما أصيب به كبار الأنبياء والعارفين من الابتلاء، وذلك أن بعض أدعياء العلم لما رأوا منه ذلك النبوغ السريع والعلم الغزير، أصابهم منه الحسد، فبدأوا يمسكون عليه كلمات استعصى عليهم فك غامضها، بعضها في مجالسه العلمية، وغالبها في تائيته الشهيرة التي فاتحتها: سقتني بثغر الوصل قهوة حُسنها مُشَعشَعةً دارت بألحاظ نشأتي وألفها – رضي الله عنه – وعمره واحد وعشرون سنة، وضمنها من المعارف الكثير والكثير، وكذلك صلاته الشهيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وهي: "الصلاة الأنموذجية"، التي يأتي ذكرها بإذنه تعالى في الورد اللزومي. واستغلوا نزول مولانا الشيخ – رضي الله عنه – للدعوة إلى الله تعالى للصحراء عام 1314، فاتهموه بالعمل على انقلاب على الملك، وكان ملك المغرب إذذاك: السلطان عبد العزيز بن الحسن الأول، ووشوا به إلى الحاكم، وكان إذذاك وزيره العاقل الحاج أحمد ابن موسى، فأخبر والد المترجم الإمام الشيخ أبا المكارم عبد الكبير الكتاني بذلك، وبلغ مولانا الشيخ – رضي الله عنه – بذلك، فأنكر أشد الإنكار، ثم رغب منه الوزير أن يقدم إلى مراكش – بعد أن ثبت بطلان تهمة الانقلاب وأنها إشاعة فارغة – ويتناظر مع كبار العلماء المنكرين عليه.
وذهب مولانا الشيخ – رضي الله عنه – إلى مراكش الخامس من محرم عام 1314، واستقبله أغلب أهلها من أسوارها، وفرحوا به غاية، وأكرم السلطان وفادته، وبدأ دروسه ثمة في مختلف العلوم. ثم بدأت المناظرة بين الإمام أبي الفيض – رضي الله عنه – وبين فحول العلماء المنكرين عليه في القصر السلطاني، وبحضرة الوزير الحاج أحمد ابن موسى، وتضمن النقاش جميع المسائل التي اعترض عليه فيها الفقهاء، فكانوا كلما سألوه عن مسألة أجابهم فيها من شتى العلوم بما يدهش عقولهم، ويقمع بحججه شبهاتهم، فكانوا يحيدون عنه يمنة وشمالا، وكلما أفحمه بحججه قالوا: ما هذا الذي سألناك، إنما أردنا كذا وكذا. فيجيبهم على طلبهم بالحجج الشرعية، من كتاب وسنة، ومذهب وإجماع وأصول...وغيرها. فلا يدع لمقارِع مَقرَع، وأغلب النقاش كان من علمي الكلام والتصوف. وقد دامت مجالس المناظرة ما يقرب من شهرين، وكانت تستغرق أربع ساعات في أغلب الأحيان، وكم حاولوا فيها التغلب عليه غير ما مرة، أو ترجيح أنظارهم على أنظاره على الأقل، ولكنهم كانوا يبوؤون بالعجز، ويرجعون القهقرى حينما كان يطالبهم بالدليل أو المرجح. وفي رسالة له رضي الله عنه لبعض تلامذته بفاس قال: "وتبرأنا من كل شيء يخالف ظاهر الشرع، لا في الماضي ولا في المستقبل، وأما ما في كتبنا؛ فليس بمخالف لظاهر الشرع، وألزمتهم على ذلك إلزامات؛ فأبدوا من من عُوارات الجهل ما يُطوى ولا يحكى، ومن وجد خيرا فليحمد الله". ولما وجد مولانا الشيخ – رضي الله عنه – أن جميع أبواب التفاهم أوصدت أمام تعنت الخصوم وتصلبهم بالجهل والباطل، طالبهم أن يبحثوا عن رجل صالح عالم عامل، زاهد متورع، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا ينتصر لنفسه...إلى غير ذلك من صفات الكمال، فواعده الصدر الأعظم بتوفية ذلك، فشق ذلك على العلماء، وطالبوا بختم النقاش في جلسة ختامية. وكذلك كان. واجتمع الفقهاء في الليل يكتبون انتقاداتهم واعتراضاتهم، وفي نفس الليلة فتح الله على الإمام – قدس سره – بما أرادوا سؤاله، فألف لهم كتابه المشهور: "البحر المسجور في الرد على من أنكر فضل الله بالمأثور"(6) في ليلة واحدة، وفي الغد سرده عليهم، فأدهش منهم كل مضغة، وأسقط به حججهم. قال الشيخ الإمام الوارث أبو الهدى سيدي محمد الباقر ابن الشيخ محمد الكتاني في "أشرف الأماني في ترجمة الشيخ سيدي محمد الكتاني"(7) عقب ذلك: "وبالبحر المسجور سكنت القلاقل في الجملة"، وقال بعد ذلك: "وهو كنز في يد الطرقيين". وقد صادف الوقت مجيء الإمام البحر ماء العينين الشنقيطي إلى مراكش، ورأى الخليفة – أي: السلطان عبد العزيز – أنه أحق الناس بالفصل في المسألة؛ لتعمقه في علوم الظاهر والباطن، فطلب من مولانا الشيخ – رضي الله عنه – تأليف كتاب في شرح الصلاة الأنموذجية، فألف رضي الله عنه: "لقطة عجلان في شرح الصلاة الأنموذجية"، فقرظها الشيخ ماء العينين رحمه الله بعدما اندهش به على صغر حجمه – أي: الشرح – وضمنه مدحًا وثناء عاطرين على الشيخ رضي الله عنه، ولا يعرف الفضل لذوي الفضل إلا ذووه، والكتاب والتقريظ مطبوعان بالمطبعة الحجرية لمن أرادهما(8). وكان ذلك بعد اجتماع الشيخ ماء العينين بمولانا الشيخ أبي الفيض، رضي الله عنهما، ومناقشته، ومعرفته قدره العلمي والعرفاني.
وبعد ذلك كتب السلطان مولاي عبد العزيز ظهيره – مرسومه – في تبرئة الشيخ رضي الله عنه، وأصوبية آرائه، وضمنه ثناء الشيخ ماء العينين، ونصه: "قد أطْلَعًنا الشيخ البركة السنى الأفضل الأجل، سيدي ماء العينين على صلاته المعلومة؛ فسلمها له، حيث لم يجد فيها ما ينكر، وكتب له عليها ما نصه: "الحمد لله وحده. والسلامان على أفضل من عَبَدَه. هذا؛ وليعلم الواقف هنا من جميع أهل العلم، أني أيها الكويتب لهذه الحروف، غفر الله لي وأعاذني من كل مخوف، تصفحت كلام هذا السيد الجليل، فلم أجد ما أنقم عليه فيه مما لا يحتمل تأويلا صحيحا، وأظن أن أحد ثلاثة لا ينقم عليه شيئا مما قال؛ ""أحدهم: رجل ذاق مذاقه، وشاهد مشهده". "والثاني: رجل تبحر في لسان العربية، وعلم دقائقه من مجاز واستعارة، وعموم وخصوص...وغير ذلك من أنواع العلوم العربية التي تحتوي عليه". "والثالث: رجل طالع كتب القوم الذين يتكلمون بمثل هذا الكلام، ولو لم يتركوا لضاع الدين، وضاع كثير من الذين سلكوا هذا المسلك". "والأصوب عندي: أن لا يتعرض له من لم يفهم كلامه، بل قُصارى خبره إن لم يقبله: أن يقول له: الله أعلم بك، وبما تقول. لاسيما ما دام يجد له احتمالا ولو شاذا أو ضعيفا، لكون المومن من شأنه التماس المعاذر، والله يتولانا وأحبتنا بالتمام، على المحبة والسلام. عبد ربه ماء العينين ابن شيخه الشيخ محمد فاضل بن مامين غفر الله لهم، وللمسلمين آمين، وفي 15 رجب عام 1314". "ولأجل هذا؛ آذنا له في قراءة الصلاة المذكورة؛ لتكونوا من الإذن له على بال. وقد أجبنا ابن عمنا مولاي عرفة بمثله والسلام". وقد قال الشيخ محمد الباقر الكتاني في كتابه "أشرف الأماني"(9) إثره: وقد وقفت في رسالة لوالد المترجم، على كلمة قيمة صدرت من الوزير الأول إثر اطلاعه على التقريظ العيني، وهي أن: "جميع من أنكر على الشيخ الكتاني؛ أخرجه شيخنا من الآضاف الثلاثة، وأنه ليس له حظ ولا نصيب منها. ومثل شيخنا من يختبر!". وهكذا انتهى ابتلاء مراكش بإزالة جميع الأوهام والشكوك عن مسار الطريقة الأحمدية الكتانية، وإن شئت قلت: الحركة التجديدية للإسلام في القرن الرابع عشر، والتي مسارها إلى ظهور الإمام المهدي رضي الله عنه، بإذن الله تعالى. والمقصود من التوسع في تفاصيل ابتلاء مراكش: إبراز مخدَّرات جمال هذه الطريقة، واستمدادها من معين الكتاب المقدس والسنة المحمدية الصافية، والإجماع والقياس المستوفي للشرائط، ورد الظن الخاطيء لبعض المؤرخين الذين تأثروا ببعض الإشاعات الفانية. وهكذا استمر الشيخ رضي الله عنه في دعوة الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وهو يضرب لهم أروع الأمثال من فعل رسول الله رضي الله عنه والصحابة والسلف الصالح، وأيمة الطريق رضي الله عنهم، وأكبر مثال هو: ما يضربه في نفسه إن علمًا أوعملا. حجته رضي الله عنه: وفي عام 1321 سافر مولانا الشيخ – رضي الله عنه – لأداء مناسك الحج، ورفقته جمع من كبار العلماء من أتباع طريقته؛ كالإمام أبي الحسن علي بن عبد القادر العدلوني الدمناتي، والعلامة الكبير العارف بالله أبي بكر بن محمد التطواني، والإمام العلامة محمد الصالح العمراني، والعلامة المؤرخ الأديب عبد السلام بن محمد بن المعطي العمراني، وهو الذي دون رحلته في كتابه القيم: "اللؤلؤة الفاشية في الرحلة الحجازية". مر الشيخ – رضي الله عنه – في طريقه على الجزائر، ومرسيليا، ومصر التي التقاه علماؤها وخاصتها، وألقى في الأزهر الشريف درسًا في شرح حديث: "بني الإسلام على خمس"، المروي في البخاري وغيره، بقي علماء الأزهر يتناقلون أخباره مدة من خمسين عامًا أو أزيد، شرح فيه الحديث من أحد عشر علمًا، وهو الذي قال فيه بعض أهل العلم المصريين: والأزهر المعمور من درسِه قد كاد مِن فرحٍ به أن يطير وأخذ جمهور من المصريين عنه طريقته الربانية، والتقى به خدوي مصر عباس حلمي باشا، وفرح به، واعتنى اعتناء كبيرًا. ثم وصل للحجاز، فزار مكة المكرمة، والمدينة المنورة، واهتبل به أهل الحجاز اهتبالا قل نظيره، واجتمع عليه علماؤه، وتلمذوا له، حتى إنه كان يخيط الليل بالنهار وهو يكتب لهم الإجازات، وافتتح دروسا هو وأعيان أتباعه في الحرم المكي الشريف، كانت محل إقبال من سائر الوافدين من علماء الأرض.ثم حج على الطريقة السنية، ونوى المجاورة بالحجاز. وقد توارد الناس والعلماء وطلبة العلم على دروس مولانا الشيخ – رضي الله عنه – لما رأوه من العلوم التي لم يدركوا عليها أحدًا من أهل العلم الفطاحل، وبالأخص في تفسير القرآن الكريم، ويكفي في ذلك أن عالم الهند الإمام العارف الكبير الشيخ محمد حسين بن تفضُّل حسين العمري الفريدي الإلهأبادي الجشتي طريقة، كان يقول لبعض أولاده أثناء حضورهم لهاته الدروس التفسيرية: "اسمع يا بني هاته العلوم والمعارف التي لم يسبق لوالدك أن سمعها من أحد!". وكان – رضي الله عنه – دخل الخلوة في المسجد الحرام في العشر الأواخر من رمضان 1321، وبعد خروجه؛ صرح لتلامذته – كما في "اللؤلؤة الفاشية" – بقوله: "إن هذه الخلوة استكشفت فيها أمورًا، حتى إني وددتُ أن لو أدخلت لها كل أحد حتى النساء...".إلخ. ولم يترك مكانا مقدسا إلا وزاره، وتحدث عنه أحاديث عرفانية دونها ابن المعطي في رحلته. ثم اضطر مولانا الشيخ – قدس سره – إلى العودة إلى المغرب أواسط عام 1322 بعدما تشبع من معرفة أحوال العالم الإسلامي شرقًَا وغربا، ونشر طريقته في بلاد المشرق كما انتشرت في بلاد المغرب. ووصل مولانا الشيخ – قدس سره – فاسًا في ربيع الثاني من عام 1322، حيث وجد أبواب فاس والطرق الموصلة إليها مكتظة بأتباعه ومحبيه من أهل الطريق والعلم والعامة. مرحلة الجهاد والإصلاح السياسي: وفي هذه المرحلة توجه إلى إصلاح البلاد من النواحي الاجتماعية والسياسية، وركز في مؤلفاته على معاني الإخاء والوحدة، ومسائل الفقه البحتة، وارتباط القلوب ببارئها تعالى، وذكره سبحانه في الخلوة والعلانية. وأرسل – رضي الله عنه – رسائل إلى مختلف القبائل في أطراف المغرب، يدعوهم للجهاد ضد المستعمر الذي بدأ في إرخاء ستوره على المغرب، وبدأ يعمل على نصح السلطان المولى عبد العزيز، وإرشاده إلى طريق الخير، حيث إن سيوف العلماء ألسنتهم، وهم أولى الناس بنصح الملوك. غير أن الفتق كان قد زاد على الرتق، وكان سلطان الوقت لا في العير ولا في النفير، وثارت ثائرة الشعب – وبالأخص بعد تكاثر الديون على البلاد، واحتلال المستعمر أطرافها، مثل: شنقيط، ووجدة، والدار البيضاء – فرأى الإمام الشيخ – رضي الله عنه – وجوب خلع الحاكم، لأن حكمه أصبح غير جائز من الناحية الشرعية، واستبداله برجل يكون أصوب منه رأيًا، وأتم علما، وأقوى ذهنا. وكذلك كان؛ فكتب الشيخ الإمام – رضي الله عنه – شروط بيعة خليفة مراكش، وهو: المولى عبد الحفيظ بن الحسن العلوي، أخو الملك السابق، تلك الشروط التي كانت كلها مستمدة من روح الشريعة الإسلامية، وعرضها على علماء القرويين وهم أهل الحل والعقد حينه، فوقعوا جميعهم عليها، وأعلنوا موافقتهم لكل مضمونها، فأرسل الشيخ – رضي الله عنه – إلى قبائله بالبيعة للملك الجديد، وأعلن العلماء خلع الملك القديم، واستبداله بالسلطان الجديد في عريضة ذكروا بها الأسباب الشرعية لذلك، ونودي بها في الأسواق والمساجد والزوايا.
وما كان من الحاكم الجديد بعد استتباب الأمر له إلا أن نفض شروط البيعة شرطًا شرطا، وقرب إليه الاستعمار، وثبط الجيش عن الجهاد. فتصدى له مولانا الشيخ ناصحا، ولم ير الخروج عليه؛ لأن سياسة الوقت لم تكن تتحمل ذلك، والاستعمار يتوغل في البلاد. فعمل الشيخ على دعوة الناس للجهاد في مختلف الأطراف، وجمع قبائل البربر في الاجتماع البربري العام الذي حضره أعيان كل قبيلة، من مكناس إلى مكناسة، وتادلا والصحراء...وكذلك رجال الحل والعقد بمكناس، وفي طليعتهم قائدها إذذاك، واتفق فيه المؤتمرون على: 1- عقد الصلح بين قبائل البربر. 2- إلغاء عادة المطالبة بالدم التي كانت تحول دون الصلح. 3- التفاني خلف الائتلاف والاتحاد. 4- الاعتصام بحبل الله المتين. 5- التشبث بالدعوة الحفيظية (وكان ذلك قبل نقضها). استشهاد الشيخ أبي الفيض قدس سره: ثم بعد ذلك؛ كان ما كان مما هو مدون في كتب التاريخ المغربي الخاصة والعامة، من اعتقال الإمام الشيخ رضي الله عنه، في قصة تطول، وجلده خمسمائة جلدة انتهت باستشهاده – رضي الله عنه – وكان آخر كلمة نطق بها بصوت ملأ الفضاء بقصر أبي الخصيصات بفاس هي الاسم المفرد "الله"، تزعزعت منه أرجاء القصر، ونفدت بذلك أنفاس مجدد الإسلام وحامل لوائه على كاهله، ولا أحق بذلك منه: الإمام أبو الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني في يوم 13 من ربيع الثاني لعام 1327، وكان استشهاده كما قال المجاهد الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي: "مقرونًا باستشهاد أمة". وقد أخفي قبره، بحيث لا يعلم مكانه بالتحديد إلى الآن. ومنذ استشهد – رضي الله عنه – فتحت أبواب الفتن على المغرب، ودخل الاستعمار إلى شتى نواحيه حتى عام 1330، دخل الاستعمار فاسًا، وكانت بها المجزرة الكبرى التي قتلت بها نسبة عالية من النفسية والهوية المغربية إلى هذا الزمان. ومن جواهر كلام مولانا الإمام رضي الله عنه وهو في السجن: ما نقله شقيقه الإمام الحافظ مولانا عبد الحي الكتاني رحمه الله في كتابه "المظاهر السامية في النسبة الشريفة الكتانية": "لو لم يكن من الحكمة والتدبير الإلهي في هذه القضية الهائلة إلا ما أذكره لكان كافيا؛ وهو: أن الناس قد بالغوا في الاعتقاد في، ولست إلا كبقية الخلق من أولياء وغيرهم؛ لا نقدر على ضر ولا على نفع، ولا جلبهما ولا دفعهما، الكل بيد الله، فأرجعتنا هذه المحنة إلى عبوديتنا، وأُفرد الله بالكمال المطلق، والجلب والدفع المحقق". وقد أفرد مولانا الشيخ – قدس سره – بالترجمة فيما يدنو من أربعين مصنفًا؛ أهمها: "دائرة المعارف والعلوم الكتانية" في نحو ثمانية مجلدات؛ لابنه ووارث سره من بعده أبي الهدى محمد الباقر الكتاني، تطرق فيه إلى سيرته وعلومه ومعارفه رضي الله عنه، ومنها: "التاج المرصع بالجوهر الفريد في ترجمة الإمام الشيخ سيدي محمد الكتاني الشهيد" في ثلاثة مجلدات، و"أشرف الأماني في ترجمة الشيخ سيدي محمد الكتاني" وهو مطبوع. وقد أفردت كراماته – كذلك بالتصنيف – حتى أوصلها بعض أهل العلم إلى أكثر من ثلاثمائة، بل وكان كلما جالسَه أحد يجد له كرامة أو كرامتين على الأقل، غير أنه – رضي الله عنه – لم يكن يرى لذلك اعتبارًا، إذ الكرامة العظمى عنده رضي الله عنه هي: الاستقامة على الكتاب والسنة. وكان من شدة خشيته لله تعالى خصص مرآة يفزع إليها في الليل ينظر هل مسخ، ولا ضير؛ فقد روي مثل ذلك عن واصل بن عطاء رضي الله عنه. ومع ذلك؛ فقد أجمع أهل الدوائر الإيمانية من أهل الحل والعقد في الممالك الإلهية؛ أنه – قدس سره – كان له التصرف في أقطاب زمانه، وانتسب إلى مقام الختمية الأحمدية، ولا يكون ذلك إلا مرة في الزمان، وهو أخص من مقامات من سبقه من الأئمة العظام، بل وبلغ مقام الفردية، وظاهر حاله – كما أجمع عليه علماء عصره ممن رأوه، ومصنفاته القيمة التي تركها – شاهد على صدقه رضي الله عنه. وقال: "علوم من سبقني ومعارفهم إلى علمي كالقشرة إلى الثمرة"، وقال في تائيته الكبرى: بدايتنا فاقت نهاية غيرنا وليس الثريا للثرى بقرينةِ ولما سمع والده الإمام رباني الأمة أبو المكارم مولانا عبد الكبير الكتاني – قدس سره – قولة: "عمر بن الفارض سلطان العاشقين"، قال: "إن كان ابن الفارض سلطان العاشقين؛ فابني سيدي محمد سلطان المعشوقين"، وفي ذلك عمق عند ذوي الألباب ليس يخفى. ويكفي الإمام كرامة – رضي الله عنه – أنه استشهد وعمره سبعة وثلاثون سنة، وخلف نحو ثلاثمائة وأربعين مؤلفا، فيها من العلوم الكثير الكثير مما أعجز أكابر أهل الظاهر والباطن، ونحو العشرة آلاف رسالة، وملايين من الأتباع في المشرق والمغرب. -يتبع-
(6) طبع بدار الكتب العلمية، بتحقيق الدكتور إسماعيل المساوي وتصحيحنا. (7) ص181. (8) وهما الآن قيد التحقيق، يسر الله كل عسير بمنه وكرمه. (9) ص186. مشاركة 16‏16‏ التعليقات Chatt Kahia Chatt Kahia الابتلاء من مقام محبة الله لعبده لأن الله يبتلي عباده الأخيار 1 يوليو‏، الساعة 05:03 مساءً‏ Chatt Kahia Chatt Kahia هل هناك شروحات أخرى للصلاة الأنموذجية ؟ 1 يوليو‏، الساعة 05:07 مساءً‏ Hamza Kettani Hamza Kettani كثيرة... 1 · 1 يوليو‏، الساعة 05:22 مساءً‏ عبد المنعم إدريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.