في الندوة الوطنية حول موضوع الهجرات الدولية والتغيرات الاجتماعية بالمغرب، الواقع و الآفاق. تناولت الأوراق البحثية الموضوع من مختلف الجوانب والزوايا . والسؤال الذي ظل يراودني طيلة الندوة هو، ألم يحن الوقت بعد لتسليط الضوء على الهجرة الرقمية / الإلكترونية/ الافتراضية ؟. فمختلف وسائل التواصل الاجتماعي صارت تشكل مجتمعات متباينة أو دويلات رقمية إن صح التعبير. أصبح المهاجر يقضي قسطا كبيرا من وقته متنقلا بين هذه المجتمعات، مجتمعات الفايسبوك، مجتمعات اليوتيوب ومجتمعات الأنستغرام إلخ . إنها هجرة عقلية وجدانية. يغادر من خلالها الإنسان حياته الحقيقة ليعيش حياة افتراضية؛ حياة يستطيع التنقل فيها بكل أريحية، حياة لا تعترف لا بالزمن ولا بالحدود الجغرافية، حياة يستطيع أن يخلق فيها الإنسان الرقمي إمبراطورية تزداد قوتها بتزايد عدد المتابعين وعدد الجيمات _أتحدث هنا عن المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي _ . القارة الإفتراضية هي مجتمعات تمارس فيها السياسة، الاقتصاد، ويمارس فيها كل ما هو اجتماعي. ستطيع الفاعلون الإفتراضيون الاستثمار في محتوى إلكتروني يوفر دخلا يصل أحيانا إلى ثروات هائلة. كما أن الكثير من المشاريع التقطت شرارة الإلهام من الإفتراضي ونسقت فيه وبحثت عن شركاء واقترحت واستشارت فيه واستفادت من آراء واقتراحات الآخرين. في الافتراضي، أيضا يشتغل السياسي عن مكانته في تمثلات أفراد المجتمع الافتراضي ويحاول كسب ثقتهم من خلال الخطاب السياسي الافتراضي . في هذه القارة تناقش المشاغل المشتركة ويحاول الأفراد تكوين رأي عام باحثين عن حلول لمشاكلهم ليشكلو جماعات كامنة _كما عرفتها سوسيولوجا الحركات الاجتماعية_ جماعات قادرة على المثول أمام الجهات المسؤولة والتصريح عن مطالبها، وثورات الربيع العربي أكبر مثال على ذالك. فالفضاء الرقمي أصبح فضاء عموميا بالمعنى الهابرمارسي يتيح إمكانية النقاش الفوري والديمقراطي . تحدث أنتوني غيدنز عن الهجرة الأثيرية. وهي هجرة العقل دون الجسد، حيث أن تمثلات الإنسان عن الضفة الأخرى تجعله يتصورها فردوسا بإمكانه الحصول فيها على القليل السعادة و الكثير من الإستقرار المادي. ما حصل منذ الطفرة الرقمية وتطور وسائل التواصل الاجتماعي و ما يحصل في الوقت الحالي، أن الذات الإنسانية أصبحت تعاني من تمزق وجداني و انفصام يدعو للقلق، فمعاييرنا للجمال وللسعادة نستمدها من صور ومقاطع فيديو للمؤثرين (les influenceurs ) على الانستغرام والفايسبوك. وأيضا أصبح تقييم الحياة اليومية ينطلق من تعاريف مستمدة من الافتراضي. إنها هجرة من نوع آخر نحو مفهوم جديد للهجرة.