يتجدد العدوان الاسرائيلي على غزة، وتتجدد عمليات الابادة الجماعية للمدنيين أمام مرأى ومسمع كل الطوائف الدينية وكل المؤسسات الدولية المتخصصة والعامة التي تجعل من حماية حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني أولى أولوياتها، وكذا في ظل وجود معاهدات وإتفاقيات وبرامج وتعهدات في مجال حقوق الطفل وحماية المدنيين وطواقم الاغاثة الطبية، وحماية العمليات الانسانية التي تروم التخفيف من وطأة الضربات الجوية والبرية والبحرية من الدول التي توجد في حالة حرب، حيث تسارع هذه المنظمات الاممية الى التدخل لوقف الحرب او لمعاقبة هذا الطرف او ذاك على استعماله لاسلحة محرمة دوليا أو لإستهدافه مرافق ذات طبيعة معينة. كما أن هذه الهيآت الاممية تتدخل حتى في الشؤون الداخلية للدول تحت غطاء حماية الشرعية من الارهاب الذي تمارسه بعض الجماعات والتنظيمات ضد السلطة السياسية الحاكمة او تتدخل مع هذه الجماعات والتنظيمات بعدما تمنحها او تصادق لها على صفة تجعلها جماعة شرعية تقاتل معها او تمنحها الحماية من اجل القضاء على جبروت السلطة السياسية الحاكمة، وهي بهذا المعنى تبحث عن مصلحة الشعوب سواء ان كانت مع بقاء السلطة السياسية او مع الانفتاح على هيئات أخرى تحقق الديمقراطية ومنها الرفاهية لساكنة الاقليم، هذا على الاقل ما تروجه وسائل الاعلام للدول التي تتحرك هذه المنظمات الاممية لصالحها ومن اجل اجتتات اي خطر قد يتهددها آنيا أو مستقبليا. لكن هذا الوصف لا ينطبق ان كان احد طرفي النزاع هو اسرائيل، وخصوصا ان كان الطرف الثاني هو جهة عربية او بشكل أكثر تركيز عربية اسلامية، وهو ما ثتبته دائما العمليات الهمجية الدورية التي تقوم بها اسرائيل ضد ساكنة قطاع غزة العزل والتي تتعامل معها هذه المنظمات الاممية بمنطق خاص يجعل من الهمجية الاسرائيلية عمليات للدفاع الشرعي ضد صواريخ حركة حماس، او تستعمل عبارات ضد الكيان الصهيوني لا تدغدغ بها حتى انامله مثل "استعمال القوة المفرطة من طرف اسرائيل" او " بعث المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة قصد التوصل الى وقف اطلاق النار بين الطرفين أو لمناقشة المبادرة المصرية أو القطرية...". وفي هذا الوقت وحتى يصل هذا المبعوث تكون غزة المحاصرة منذ ازيد من سبع سنوات حصار على جميع الجبهات تحت رحمة اسرائيل وبين يديها تفعل بها ان شاءت وبغطاء من بعض المتآمرين وقوى كبرى تملك من وسائل القوة والسيطرة ما يجعل اي قوة تحركت ضد اسرائيل تحت رحمتها، والرحمة في هذا السياق تعني وجود طرف لا يعترف بأي مبادئ اممية لحقوق الانسان، وليس له اي قيم انسانية ولا يخضع لاي سلطة سوى سلطة قتل الاطفال الرضع والنساء وتدمير منشآت طبية وأخرى لممارسة الشعائر الدينية، بل ايضا مدارس لتلقين النشء مبادئ الانسانية التي تفتقر اليها اسرائيل بحربها ضد شعب اعزل سرقت بيته واحلام صغاره، وتمارس عليه حربا نفسية واستفزازية ببناء المستوطنات وطرد الفلسطينيين من بيوتهم غصبا، لتختلق الاعذار لابادة شعب بأكمله، فترتكب المجازر بدم بارد، ضاربة بعرض الحائط كل الاعراف الدولية والقيم الانسانية، ليبرر المتحدث بإسم جيشها بالقصاصة المملة من كثرة تكرارها أن حماس تبني الانفاق وتهرب السلاح، وغير ذلك من الكلمات التي يرددها اينما حل والتي لا يصدقها حتى طفل رضيع من الاطفال الرضع الذين قتلتهم الآلة الحربية الاسرائيلية بدم بارد. ويعد الجيش الإسرائيلي من أقوى الجيوش في العالم الذي لا تقهره إلا المقاومة الفلسطينية واللبنانية بإمكاناتهما الهزيلة المباركة بالمقارنة مع امكانيات الجيش الصهيوني وتكبده في كل قرار طائش منه لشن الحرب الخسائر في الارواح والعتاد وبعمليات نوعية، ودائما تنتصر المقاومة بتحقيق نتائج تكتسي طابعا استراتيجيا بفرض شروطها على المحتل الصهيوني، لينجح هذا الاخير بعشوائيته المعهودة بإبادة الاطفال الرضع والمرضى في المستشفيات، والمتعبدين في بيوت العبادة، ليتحجج ان تلك الاماكن تستعملها المقاومة لضرب الداخل الاسرائيلي حتى وسط تل أبيب، وليبقى العالم يشاهد بصمت مخزي جرائم هذا الكيان الغاشم الذي لم تنجح معه كل مساعي السلم والهدنة، ومحاولة العيش جنبا إلى جنب داخل أرض مقدسة عانى فيها أصحابها الشرعيين الامرين مع كيان لا تعرف الرحمة إلى قلبه منفذا. إن هذا الكيان يستطيع ان يفعل ما لن تستوعبه العقول، لاسيما أنه يعد لكل قرار يعتزم تنزيله الارضية المناسبة لتقبله بل ولمباركته رغما أن أنف الجميع، إذ قد تتخذ تلك المباركة الصورة الحاصلة الآن وهي الصمت الرهيب والمفزع عن الجرائم ضد الانسانية المرتكبة أو إستعمال عبارات الشجب والإدانة، وموازاة مع هذا الاعداد وجس النبض قبل اي عملية همجية من عملياتها تقوم إسرائيل بحرب اعلامية تضليلية نجحت في هذه الحرب في كسب المزيد من المؤيدين، الذين اصبحوا يتكلمون بلسانها ويرددون روايتها حتى داخل بعض الاوساط التي عرف عنها الدعم اللامشروط للمقاومة، هذه الروايات التي تحوم حول أن حركة حماس تستعمل ساكنة غزة كدروع بشرية، وأن هذه الحركة هي التي إستفزت الكيان الصهيوني للحرب الهمجية الحالية بقتلها لثلاث مستوطنين إسرائليين. ان الذي لا تعرفه هذه الابواق التي نصبت نفسها ساعية للسلام مع كيان لا يعرف السلام، والتي لم تكلف نفسها عناء البحث والتقصي فيما تعانيه غزة منذ ازيد من 7 سنوات من الحصار القاتل على مختلف الجبهات إن على المستوى البري او البحري او الجوي، وإغلاق للمعابر التي تربط فلسطين بالعالم الخارجي، والتضييق على الساكنة وإستفزازها اليومي، وفرض شروط العدو الصهيوني وأخذ تصريحه، والتعرض الدائم للتفتيش المهين والمعاملة بكثير من الاذلال في اي إجراء ينوي احد الساكنة الفلسطينية القيام به، وبناء آلاف المستوطنات، وكل ذلك مبرر قوي لصمود المقاومة الفلسطينية ورفضها لأي مبادرة لوقف إطلاق النار لا تجعل في بنودها مطلب رفع للحصار الكامل على قطاع غزة والتحقيق في مجازر إسرائيل في الشجاعية وفي باقي المناطق التي دمرت بكاملها فوق رؤوس أصحابها، لأن الموت ان لم يحصل بالغارات الهمجية فهو حاصل بالحصار المقيت على قطاع غزة، لذلك فالمقاومة هي خيار من أجل الحياة ولإسترجاع الكرامة والعزة، ولسان حال رجال المقاومة يقول الآن لن تنعم اسرائيل بالأمن الا بعد ان ينعم به ساكنة قطاع غزة وباقي التراب الفلسطيني...