عبد الإله الوزاني التهامي كل شيئ مقلوب في المغرب رأسا ، فمع حلول شهر رمضان الأبرك ترتفع أثمنة جميع المواد الغذائية الأكثر استهلاكا من طرف المواطنين ، و يتم أيضا التهافت عليها و كأنها لم توجد من قبل و لن توجد بعد الشهر الفضيل ، أكيد أن هناك أسبابا عدة لانتشار و استمرار هذه الظاهرة ، منها الاحتكار من طرف التجار و إشاعة ثقافة الاستهلاك غير المعقلن و غيرها . كل المواطنين مستاؤون من شعارات الدولة القاضية بأن تراقب الأسعار بواسطة لجنة مختصة ، بحيث لم يروا تفعيلا لها لهذا المراقبة لتنظيم السوق و الحد من الأسعار التي ترتفع على هوى التجار ، من هنا نستحضر الدور البارز لمجلس المنافسة الذي لم تر أعماله النور منذ سنوات ، ليبقى المتضرر الأوحد و المباشر هو المواطن المغربي الذي يكدح إن وجد عملا طوال النهار ليفرغ جيبه مساء نفس اليوم ، كدليل على ضعف قدرته الشرائية . من المعقول أن يشهر التجار لائحة أثمنة كل المواد المعروضة للبيع ، و هذا من شأنه أيضا الحد من التلاعب اليومي في رفع الأسعار الممارس على هوى كل تاجر و بائع ، و سيجعل من الاسعار شانا مشورا معروفا لدى الجميع ، بل و الأجدر أن يعلن عن أثمنة جميع المواد الغذائية في المنابر الإعلامية و القنوات التلفزية ليكون أمر المواطن شفافا أكثر . من جانب آخر يستغرب الكثيرون مما بات يعرف بظاهرة التباهي و الافتخار من طرف فئة عريضة من المستهلكين ن حيث يقبلون على اقتناء كل المواد الغذائية و لو كان سعرها مرتفع جدا فقط تباهيا و عجرفة و تكبرا و تفاخرا ، و الشاهد على ذلك أنه حسب استطلاع ميداني فإن قمامات الأزبال تمتلئ بمواد غذائية لا تزال صالحة للأكل و الاستطلاع تكرر مرارا فعثر على أن ثلثي القمامات توجد بها أطعمة مختلفة لم تفسد بعد ، ما يدل على أن عملية تبضع المستهلك لا تخضع لا إلى نظام و لا إلى ذوق و لا إلى حاجة معقولة ، مع الأسف فإن أفراد ما يسمى بالطبقة المتوسطة فضلا عن العليا هي التي تشيع عمليا ثقافة الاستهلاك التفاخري الشره . هنا يمكن أن نتهم المستهلك في تشجيع التجار على الزيادة في الأسعار ، لأنه لو عقلن هذا المستهلك طريقة اقتنائه للمواد الغذائية لما ارتفعت الأثمنة بهذا الشكل الجشع المستنزف لجيوب الشرائح الاجتماعية الواسعة . لكن هذا لا يعفي الدولة على الإطلاق في قيامها باللآزم ، بمواقبة عملية توزيع المواد الغذائية و عملية تحديد أسعارها و مدى صلاحيتها للاستهلاك بواسطة أجهزتها الخاصة . و يجب ان يواكب ذلك تعبئة المستهلكين بعدم الاستهلاك المفرط مع تبيان أضراه المادية و المعنوية ، و التأكيد على أن التوازن في المعيشة مطلوب ، أي انه ليس الأكل و الشرب فقط هما سبب العيش و الحياة ن و إنما تقوم الحياة على جوانب عدة تضمن للإنسان توازنه المادي و الروحي و النفسي ن و بهذا ستكون للمواطن المناعة الكافية لعقلة مصاريفه و نفقاته دون أن يسقط في أحضان تناقضات السوق و فتنه و تلاعباته في البضائع شكلا و نوعا و تسعيرا . و مهما كانت حرية التجار في تسعير بضائعهم و تحديد أثمنتها ، فإن هذه الحرية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون مفتوحة بلا قيد أخلاقي و قانوني ، و إلا فالرد عليها سيكون سريعا من طرف المستهلكين بمقاطعتها أو النقص في استهلاكها و من ثم سيضطر التجار إلى خفظ أثمنتها رغما عنهم ، لأن المستهلك هو محور عملية التجارة ، كلما ارتفع وعيه الاستهلاكي إلا و هبط السوق إلى المستويات المعقولة التي تناسب جيوب الغالبية العظمى من الطبقات الشعبية . و فضلا عن قفة رمضان و مستلزماته المختلفة المكلفة ، فإنه أمام المواطن فصل الصيف و مصاريفه و عيد الاضحة و كبشه و الدخول المدرسي الجديد و محفظته و ملابسه و ميزانيته ، و عليه فإن الوضعية العامة التي يعيشها المغاربة تبعث على القلق الكبير جراء المخاطر التي تتهددهم المغاربة على مستوى قوتهم اليومي ، مما أفرز ظواهر خطيرة مست الجانب الأخلاقي و القيمي لهذه الفئات المتضررة و هي السواد الأعظم من المغاربة ، فمن غير المستبعد إن طغت الأسعار من جديد فوق طاقتهم من جديد فسوف يكون ذلك بمثابة صب الزيت على النار ، و ممكن أن نرى تجاوز مقاطعة بعض المواد الغذائية كشكل احتجاجي معروف ، إلى أشكال احتجاجية أخرى قد لا يتنبأ بها أحد لأنها ستكون من وحي الواقع المر المخبئ للقنابل الموقوتة .