أبهر السيد الحراق المسؤول الأول في التنسيقية الوطنية للدفاع عن حرية الصحافة و الإعلام أبهر محاوريه الذين حضروا فقط لتزكية قانون صحافة جائر وضع خصيصا لخدمة أجندة واضعيه . وقف السيد المنسق العام نقطة نقطة على كل الثغرات التي تعتري القانون سيئ الذكر ، مقرنا كلامه بدلائل نصية توضح بجلاء التناقض الحاصل ما بين ما هو مسطور في دستور المملكة و قانون الصحافة ذاته و ما بين بعض بنود القانون الجديد المفروض الذي مرر في ظروف مشبوهة. كما ظهر على الحاضرين من المشاركين علامات الارتباك في عدة محطات أقحمهم فيها السيد الحراق دون أن يجدوا لأنفسهم مخارج منطقية منها ، مما يؤكد تخبط النخبة الوطنية صحافة و مثقفين و قانونيين في متاهات التناقضات المذكورة ، التي تزيد في تعريتها المواثيق الدولية و القوانين الوطنية الضامنة لكل المواطنين الحق و الحرية في الرأي و التعبير بطبيعة الحال بضوابط عقلانية و دون قيود قاتلة لحرية المبادرة و الإبداع . و في معرض حديث السيد المنسق العام ، ثمن كثير من بنود القانون الجديد و اعتبرها محصنة بالفعل للصحافي و لحرية الرأي و التعبير و للصحافة عموما ، مستنكرا في ذات الوقت بنود بعينها التي من شأنها إقبار آلاف المواقع التي وجدت في الساحة منذ عقود من الزمن يشتغل فيها عدد مهم من أبناء الوطن أغلبهم لهم تجربة غنية في الميدان الإعلامي ، وجدت هذه المواقع قبل وضع القانون بمدة طويلة. و من تلك الشروط التي اعتبرت مجحفة حصول مدير نشر الجريدة الإلكترونية على شهادة الإجازة و البطاقة المهنية و تشغيل عدد من الصحافيين بمبالغ تزيد عن 6000 درهم للفرد مع التسجيل في الضمان الاجتماعي و توفير مكتب ممتاز بمواصفات خاصة ، الشيئ الذي يضفي على الصحافة طابع "الفئوية" و المحدودية الشرائحية ، مما لا يمكن أن نجد له تفسيرا في ظل الثورة الرقمية التي اقتحمت كل البيوت و بات يمارسها كل إنسان بغض النظر عن مستواه الدراسي أو المعيشي ، هنا يبدو أن واضعي القانون لا يواكبون هذا التطور المذهل ، و بالتالي عجزوا عن صياغة قانون مواز و مواكب لهذه الطفرة النوعية الضخمية في مجال انتشار المعلومة و تلقيها ، و هذا يتسوجب نقاشا وطنيا شاملا و موسعا ، لا أن تصاغ في سياقه قوانين على مزاج فئة مستفيدة من دعم الدولة أرادت تحصين ما تعتبره مكتسبا لها لا ينبغي لأحد سواها التمتع به . في القانون الجديد كثير من نقط الضوء المنيرة يقول السيد الحراق ، إلا أنه في ذات الوقت يحتوي على بنود جائرة مجحفة من شأنها ضرب حرية الرأي و التعبير في مقتل ، و من شأنها أيضا وأد مجهودات آلاف المواقع تحتضن آلاف الأطر و الكتاب ، ومن تلك المواقع ما هو حاصل على وصلات إيداع قانونية ، الشيئ الذي قد تنجم عنه حالات غير طبيعية على مستوى السلم "الإعلامي" و كذا السلم الاجتماعي ، خاصة و أن واضعي هذا القانون لم يستحضروا البتة مآل و مصير هذه الطاقات بعد حجب مواقعها و منعها من تصريف قناعاتها بالطرق الحضارية ، إذ كان الأجدر على الوزارة الوصية و معها وزارات أخرى أن تقوم بإعادة تأطير و تكوير أصحاب هذه المواقع حتى يتهيؤوا لاندماج مقبول في عالم الصحافة الرقمية وفق الضوابط و الاخلاقيات القانونية المعمول بها كونيا و وطنيا . السيد الحراق أضاف الكثير للمشاهدين و للمثقفين و للعاملين في قطاع الصحافة ، بوقوفه على النقط السوداء في قانون الصحافة الجديد المتناقضة مع الدستور و مع قوانين موجودة أصلا و مع مواثيق دولية تهم الإعلام و حقوق الإنسان و غيرها . فكيف لطغمة معزولة أن تقرر للمغاربة مصيرهم في مجال من أكثر المجالات حساسية و خطورة يتعلق بمجال مهنة المتاعب "صاحبة الجلالة" على انفراد و في غياب رأي آلاف المواقع ، دون أن تلقي نظرة استقرائية استباقية لعواقب "قانونها" التي قد يتسبب في زعزعة السلم الاجتماعي برمته بشكل لم يعهده المغرب قط ؟! باختصار إن التنسيقية الوطنية للدفاع عن حرية الصحافة و الإعلام بقيادة السيد الحراق ، تعمل المستحيل لإعادة قطار الصحافة إلى سكته الصائبة ، و من خلال ذلك تعمل على فرض توازن منطقي في المشهد الصحافي و نزع فتيل ما قد يتسبب في فرض قيود جائرة على المواطنين و قمع الحريات العامة .