بمنطق السلطة زمن الرصاص يبدو أن منحى تدبير ملف الحسيمة ذاهب إلى التعقيد. فبعض الجهات في جهة ما داخل الدولة ترى أن الاستجابة لمطالب سكان الحسيمة بعد الحراك سيشجع جهات أخرى في المغرب "على الدسارة على الدولة " ويجعلها تحدو حذو الحسيمة ، أي إن الدولة ستصبح عرضة للابتزاز والضغط وأقول . لقد جرب هذا المنطق زمن الرصاص وكانت نتائجه وخيمة جدا : شوهت سمعة المغرب وعطلت عمليات الاصلاح وعقدت الكثير من القضايا ومن بينها قضية الصحراء . المسألة ليست الاختيار بين الشر والخير وبين الحسن والسيئ ولكن المسألة ترجيح بين شرين أو خيرين وتسبيق الأقل سوء على الأكثر سوء والأكثر خيرية على الأقل خيرية . الاستجابة لمطالب اهلنا وإخوتنا في الريف عموما والحسيمة خصوصا ليس مس بهيبة الدولة بقدر ما هي تصحيح لاختلالات طالت لعقود آن الأوان لتجاوزها . وإذا لم تسعف الامكانات المادية للدولة في إيجاد مستشفى لائق ومدارس في المستوى وطرقات تفك العزلة عن المنطقة ومشاريع تنموية تشغل الشباب فلنطلق النفير التضامني العام وأكيد أن المغاربة لن يبخلوا في دعم نهضة المنطقة بما يعزز انتماءها للوطن وشعور سكانها بدفئ المواطنة . وإذا ترتب عن هذا الأمر قيام مناطق أخرى للمطالبة بحقوق ضائعة وبكرامة ممسوس بها فليهب الوطن حكاما ومحكومين لرفع الحيف والظلم والحگرة عن هذه المنطقة. وأجيبوني يا من يهمهم الأمر: هل إذا طلبت مناطق أخرى بمستشفيات ومدارس وطرقات وبمشاريع تنموية سيكون هذا بمثابة "ضسارة على الدولة" واش كاتصلح النيت هذه الدولة إلا ما وفراتش الوساءل الضرورية لحياة كريمة للمواطنين ؟!" . أيها المسؤولين رجاءا راجعوا تجربة سنوات الرصاص لتقفوا على أوجه الخلل فيها حتى لا نعيد انتاج التجارب الفاشلة المميتة ، رجاء خدوا العبرة من الأنظمة التي جيشت البلطجية وكتمت الأنفاس فكانت الكلفة فادحة . أيها السادة الحاكمين ببلادنا في زمن التفكيك والفوضى التدميرية لا بد من أخد الحيطة والحذر فجرح بسيط قد يتحول إلى غنغرينة قاتلة لن ينفع معها علاج سوى البتر . أيها السادة أصحاب القرار في المغرب ما قيمة المؤسسات الوسيطة الرسمية كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني الوسيطة إذا لم تكن حاضرة بقوة في الحسيمة وقادرة على لعب دور فعال في الوساطة بين الدولة ومناضلي الحراك وقادرة على الوفاء بمخرجات الحوار ؟. رجاءا شيئ من الهدوء ، شيئ من التفكير العقلاني ، شيئ من المواطنة ، شيئ من احترام حقوق المواطنين ، شيئ من احترام قانون البلاد والكثير من حب الوطن والحرص على وحدة أرضه وشعبه .