من الصعب أن نخلص في بحث ما إلى فرضية أن تكون دولة ما بكليتها حامية للفساد و راعية له ، مثلما هو الشأن بالنسبة للجزائر ، حيث أصبح الفساد مكونا من مكونات الدولة اجتماعيا و اقتصاديا ، حتى بات "ثقافة" تسري بين شرايين المجتمع من الصعب استئصالها و اجتثاثها ، لأن ذلك يتطلب سنوات و آليات و وسائل و عوامل ، لم تنضج بعد في صفوف شعب نخرته كل عوامل الضعف خراجيا و داخليا . تباينت ردود الفعل من ترتيب الجزائر في مؤشر الفساد الذي كشفت عنه منظمة الشفافية الدولية، فبينما عدته منظمات غير حكومية مؤشرا يعكس الحقيقة، رآه آخرون فاقدا للمصداقية.وحصلت الجزائر على المرتبة ال88 من بين 168 بلدا، وهو ترتيب "متدنّ و"ليس مفاجئا"، حسب الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد.وقالت الجمعية إن التنقيط الذي حصلت عليه الجزائر، والمقدر ب3.6 من مجموع 10، وفق سلم مرقم من صفر (أي أعلى نسبة فساد) إلى مئة (أدنى نسبة فساد) وبترتيب 88، هو نفس ترتيب سنوات 2014 و2013، كما حصلت على المرتبة 17 أفريقيا والتاسعة عربيا.ورغم أن الجزائر حصلت في العام 2014 على نفس النقطة، لكن بترتيب 100 دوليا، وفي العام 2013 على نفس النقطة وبترتيب 94 عالميا، اعتبرت الجمعية في بيان حصل مصدرنا على نسخة منه أن الترتيب لا يعكس تحسنا في الوضعية، وإنما يعود السبب لتراجع عدد الدول المعنية بالإحصاء من 175 دولة في 2014 إلى 168 في 2015. غياب الإرادة
وعزت الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد مراوحة الجزائر لمكانها في مجال مكافحة الفساد إلى "غياب الإرادة السياسية للحكومة في مكافحة الظاهرة".وبيّن رئيس الجمعية جيلالي حجاج أن "تصديق الجزائر على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد عام 2014، وسنها لقانون 20 فبراير/شباط 2006 المتعلق بمكافحة الفساد لم يجديا نفعا في معالجة تنامي الظاهرة".وأكد حجاج أن الجزائر "ومنذ شملها التقرير قبل 12 عاما وهي تراوح مكانها ولا تسجل تقدما"، والسؤال المطروح حسب حديثه للجزيرة نت هو "لماذا لا تراوح مكانها في حين أن دولا أفريقية وشرق أوسطية تحقق تقدما وتبذل جهودا معتبرة في مكافحة الظاهرة؟". وشدد المتحدث على أن "المصادقة على اتفاقيات الفساد وتسنين قوانين في ظل غياب إرادة سياسية يجعلها مجرد حبر على ورق"، وأكد أن "الحكومة الجزائرية التشريعية والقضائية منها ليستا في مستوى مكافحة الفساد".ويأتي هذا رغم أن الجزائر أنشأت العديد من الأجهزة والآليات الخاصة بمكافحة الفساد، تتمثل في مجلس المحاسبة وخلية معالجة المعلومة المالية، والهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، إلى جانب الديوان الوطني لقمع الفساد والمفتشية العامة للمالية.وفي الوقت الذي تشهد فيه المحاكم الجزائرية معالجة العديد من القضايا المرتبطة بالفساد، وشملت كبرى الشركات الاقتصادية، أشهرها قضية شركة سوناطراك النفطية، يشكك متابعون في جدية السلطة في معالجة هذه القضايا.وبرأي البرلماني الأسبق العضو المؤسس للأكاديمية الجزائرية لمكافحة الفساد عز الدين جرافة، فإن "هذا الترتيب لا يشرف بلدا بحجم الجزائر"، معتبرا أن ذلك مؤشر على أن الفساد لا يزال ينخر مؤسسات الدولة الجزائرية، وتحول ل"ورم سرطاني يدمّر المجتمع الجزائري ومؤسساته".
وحسب حديثه لمصدرنا يقول جرافة إن "الفساد ببلاده تحول إلى منظومة قائمة بذاتها، تحت رعاية وحماية وتستر السلطة السياسية الحاكمة".تشويه الحقائقوعن دور البرلمان مؤسسةً رقابيةً في مكافحة الفساد، قال جرافة إن هناك "استسلاما شبه كلي للظاهرة من طرف الحكومة والبرلمان والشعب ومنظمات المجتمع المدني والطبقة السياسية، وهو ما يزيد من تفاقمها وخطرها".في المقابل يشدد رئيس اللجنة القانونية بالبرلمان الناطق الرسمي حاليا باسم حزب جبهة التحرير الوطني (حزب الأغلبية) حسين خلدون على أن "مؤشر المنظمة ليست له أي مصداقية، لأنه لا يستند إلى أي معطيات واقعية، بل استند إلى مراجع غير دقيقة ولم تصدر عن السلطات الرسمية الجزائرية". وأضاف قائلا "هذا التقييم وغيره من التقييمات الصادرة عن منظمات دولية مماثلة لا يعترف الشعب الجزائري بها لأنه يعلم أنها تقارير مشوهة للحقائق".وتابع قائلا "أذكّر معد التقرير بأن الجزائر هي أول دولة عربية انضمت بشكل طوعي إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والرشوة، وهي التي سنت أول قانون في 2006 لمكافحة الفساد في العالم العربي".وختم خلدون كلامه بقوله "نحن لسنا بحاجة إلى شهادة في مكافحة الفساد، لا من هذه المنظمة ولا من غيرها، لأن الشعب الجزائري راض عن الآليات القانونية وما تمارسه المؤسسات الرقابية في هذا المجال". فهل إلى مرد من سبيل ؟ و هل إلى استئصال شأفة الفساد من أمل ؟