نائب برلماني سبق للمصطفى الرميد، وزير العدل والحريات المغربي، أن عمَّمَ قراراً وزارياً على النيابات العامة بمختلف أقاليم المملكة، يحثها على "التعامل الإيجابي والاستجابة لطلبات إجراء الكشف الطبي على كل من يدعي تعرضه للتعذيب"، لأنه لا يعقل أن تسمح الدولة في مغرب ما بعد 2011 بممارسات تمس الكرامة الإنسانية، ومن أوجهها البشعة ممارسة التعذيب وترهيب المواطنين، وهو ولا شك قرار مهم يستحق كل التنويهِ والثناء، لكونه – القرار الوزاري- يتماشى مع خطابات وتوجهات جلالة الملك في هذا السياق وكذا رؤية الحكومة المنسجمة في علاقتها بالموضوع. ومناسبة تذكري بهذا القرار، هو مبادرة أقدم عليها نفس الوزير مؤخرا، تستحق الكثير من التنويه والإشادة والتحليل، رغم أن الإعلام العمومي والمكتوب مر عليها مرور الكرام بل وحتى التجاهل، إذ أنه وبتاريخ يومه الأربعاء 25 ماي 2016 وبمقر وزارة العدل والحريات بالرباط، منح الرميد، بصفته الوزارية، "درع الوزارة" للسيد عبد الفتاح صبري، نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بفاس، تنويهًا لمجهوداته وجديته على تمثل توجهات المملكة الرسمية فيما يتعلق بمناهضة ومحاربة كل أشكال التعذيب، وذلك بعدما توفق في كشف أعمال منافية للقانون قام بها بشكل فردي بعض رجال الشرطة في إحدى مخافر الأمن. الوزير وخلال كلمة له بالمناسبة أثنى على ما قام به المكرَّم، معتبراً أن هذا العمل "يستحق التنويه لكونه يتناغم مع السياسة الجنائية للدولة المغربية، والقائمة على محاربة كافة أنواع التعذيب، الذي يعد حالات معزولة خاضعة لنزوعات الأفراد، الذين لم ينخرطوا بعد في خيار الدولة"، ولم يستوعبوا بعد ما ركمته بلادنا من إنجازات على مستوى منظومة حقوق الإنسان، التي يجب أن تتعزز بكل الضمانات القانونية والإجرائية لترسيخ مقومات دولة المؤسسات التي تضمن الحقوق للجميع وتطبق القانون على الجميع، دون استثناءات. والتوقف عند كلمات الوزير التي اختارها بعناية، يقودنا لجرد رسائل مهمة، موجهة لأكثر من طرف، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، أذكرها مرتبة كما يلي: لقد كانت أول هذه الرسائل، وفق تقديري الشخصي، موجهة لرجال الشرطة بمختلف رتبهم وأساساً من لم يستوعبوا بعد المرحلة التي تعيشها بلادنا فيما يتعلق بسياسة الدولة في مجال الحقوق والحريات، والتي ترفض أي مساس بحقوق المواطنين في المحاكمة العادلة، وترفض بالضرورة أي إساءة لهذا الحق عبر ممارسة التعذيب، ومعاقبة كل من تورط في ذلك، وهذا بالمناسبة أحد أهم توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة المؤكدة على ضرورة عدم تكرار ما جرى والقطع مع "إرث سنوات الرصاص" الأليمة. الرسالة الثانية في هذا التكريم موجهة للمشرفين والمراقبين لعمل الشرطة، و هم تحديداً الوكلاء العامون لجلالة الملك ونوابهم ووكلاء جلالة الملك ونوابهم، لكونهم ملزمين بتفعيل أدوارهم المهنية وفق ما يقتضيه القانون، ومنها مراقبة مخافر الشرطة بشكل دوري، والقيام بزيارات مفاجئة للإطلاع على الوضع داخل مراكز التحقيق والإحتجاز، ليس فقط لحماية الأفراد والمواطنين من تعسفات هذا الشرطي أو ذاك الضابط، وإنما القيام بما يمليه عليهم واجبهم المهني والأخلاقي والقانوني، حمايةً لصورة المغرب التي تحاول الكثير من الجهات تشويهها لغايات وأهداف تخدم مصالحها وإستراتيجيتها في المنطقة، جاعلةَ الملف الحقوقي واستغلال بعض الثغرات والسلوكات الفردية المنحرفة مطية لذلك. الرسالة الثالثة، موجهة إلى بعض الدول وكذا منظمات من المجتمع المدني، خاصة المشتغلة على الملف الحقوقي والتي حاول البعض منها، في فترات معينة ولا تزال، أن تصور بعض الخروقات – المدانة طبعا – التي يمكن أن تقع هنا وهناك، بل والتي تقع هنا وهناك، بكونها ممارسة مُمَنْهَجَة، وتمثل توجه ومقاربة تتبناها الدولة، محاولةً استغلال بعض الحوادث لرسم صورة قاتمة عن الوضع الحقوقي بالمغرب، وهو ما قامت به مؤخرا إحدى الجمعيات الحقوقية التي أدرجت المغرب ضمن خمس دول خصصتها بحملة لمناهضة التعذيب. وفي هذا السياق يوضح الوزير في نفس اللقاء أن "بعض الدول والمنظمات الدولية لم تستوعب بعد التحول الحاصل في المغرب والإرادة التي عبر عنها جلالة الملك محمد السادس، وتلقى إجماعا وطنيا، والمتمثلة في إقرار مغرب الكرامة، مشددا على أن الجميع منشغلون بهذا الخيار لتجسيده على أرض الواقع.. فالسياسة الجنائية للدولة تعتبر محاربة التعذيب خيارا لا رجعة فيه، وأن المملكة المغربية جادة كل الجد في تجسيد استحقاقات دولة الحق والقانون". الرسائل كانت واضحة، أحسنتَ أيها الرميد.