طنجة – على غرار غيرها من جهات المملكة، لم تسلم جهة طنجة- تطوان – الحسيمة من التداعيات التي خلفتها الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19). وفي الواقع، أضر التراجع الكبير لحركة النقل الجوي بالنظر للإجراءات المتخذة في إطار حالة الطوارئ الصحية، بشدة بالنشاط السياحي على مستوى الجهة، وما نتج عن ذلك من خسائر مالية. وأفادت غرفة التجارة والصناعة والخدمات بالجهة، في دراسة حول التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة على مستوى الجهة، أن القطاع السياحي وأنشطة الخدمات التابعة له "تضررت بشدة وبمستويات شبه كارثية"، فيما تضرر قطاع الصناعة والخدمات أكثر من قطاع التجارة الذي سجل وتيرة تراجع نشاط أقل بفضل تجارة المنتجات الغذائية. وحسب نفس الدراسة، فإنه خلال الفترة ما بين 20 مارس و 20 ماي، كانت 3 من أصل 4 مقاولات توجد في وضعية توقف تام، فيما اضطرت 4 مقاولات من أصل 5 إلى تخفيض حجم نشاطها بأزيد من 50 في المائة، ما سبب تراجعا في رقم معاملات مقاولات الجهة بنحو 90 في المائة، وهو رقم غير مسبوق. وإذا كان شبح جائحة فيروس كورونا يخيم على اقتصاد الجهة مخلفا أضرارا كبيرة ومتعددة الأبعاد، فإن فترة نهاية السنة تميزت بالتوقيع على شراكات واعدة تضع أسس إقلاع جديد للجهة. وقد تم القيام بخطوة جديدة في درب التعاون الصيني المغربي إيذانا بالانطلاق الفعلي لمشروع مدينة محمد السادس "طنجة تيك"، بفضل انعقاد حفل افتراضي عن بعد للتوقيع على اتفاقيات الشراكة مع "تشاينا كومنكيشن كونستركشن كومباني" (سي سي سي سي) / "تشاينا رود أند بريدج كوربورايشن" (سي ار بي سي) من بكين، وجهة طنجة-تطوان-الحسيمة والوكالة الخاصة طنجة – المتوسط من طنجة، وبنك إفريقيا (البنك المغرب للتجارة الخارجية) من الدارالبيضاء. وخلال حفل التوقيع، أعلنت شركة "آيلون"، واحدة من الشركات العالمية الرائدة في صناعة شفرات مراوح الطاقة الريحية، عن نيتها الاستقرار بمدينة محمد السادس طنجة تيك باستثمار يصل إلى 140 مليون دولار وإحداث 2000 منصب شغل بهذه المدينة الصناعية العصرية والمستقبلية والإيكولوجية والمتصلة بالتكنولوجيات الحديثة، ورمز إفريقيا المنفتحة على العالم بأسره، تماشيا مع رؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس". وينضاف إلى ذلك تصنيف مجلة (FDI Intelligence)، التابعة للفايننشال تايمز، المنصة الصناعية طنجة المتوسط كثاني أفضل منطقة اقتصادية في العالم. ويأتي هذا الاعتراف لتعزيز الموقع التنافسي لهذه المنصة الصناعية في إعادة هيكلة سلاسل التموين العالمية، وبشكل خاص في الفضاء الأورومتوسطي في أفق ما بعد جائحة كوفيد 19. وبفضل معايير التنافسية التي توفرها ومطابقة عروضها مع متطلبات الفاعلين العالميين، أصبحت المنصة الصناعية طنجة المتوسط أول منطقة إفريقية تتمكن من احتلال مكانة جد متقدمة في هذا التصنيف العالمي، وهو ما يدل على الصعود الهائل لشبكة مناطق الأنشطة التي طورها طنجة المتوسط، أكبر مركب مينائي وصناعي في إفريقيا، المتموقع على ضفة جبل طارق. من جهة أخرى، أبرزت دراسة حديثة لمركز (بوليسي سانتر أوف ذو نيو ساوث) التدبير "الفعال للغاية" و"المهني" لست مناطق اقتصادية خاصة بطنجة من قبل الوكالة الخاصة طنجة المتوسط. وأكدت الدراسة التي حملت عنوان "المناطق الاقتصادية الخاصة: نموذج للشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، أن هذه المناطق التي تتمثل في المنطقة الحرة لطنجة، ورونو طنجة المتوسط، وطنجة أوتوموتيف سيتى، والمنطقة التجارية الحرة للفنيدق، وتطوان بارك وتطوان شور، استقطبت استثمارات وخلقت فرص شغل مهمة تستجيب لانتظارات زبنائها الصناعيين. فضلا عن ذلك، تأتي خطة الإنعاش الاقتصادي التي أعلن عنها الملك محمد السادس، التي ترتكز على "صندوق محمد السادس للاستثمار"، في صلب أولويات المرحلة الحالية، وتندرج في سياق دعم القطاعات الإنتاجية، لاسيما نسيج المقاولات الصغرى والمتوسطة. وتهدف هذه الخطة إلى تعزيز قدرة القطاعات الإنتاجية على الاستثمار وخلق مناصب الشغل والحفاظ على مصادر الدخل، فيما سيعمل صندوق محمد السادس للاستثمار على تقديم الدعم اللازم لهذه القطاعات وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى المزمع إنجازها في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص. والأكيد أن المؤهلات التي تزخر بها جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، بالإضافة إلى التدابير المتخذة في إطار خطة الإنعاش الاقتصادي وتعبئة السلطات العمومية والمرونة التي أبانت عنها عدد من القطاعات الإنتاجية خلال الأزمة، ستتيح للجهة، بما لا يدع مجالا للشك، مواصلة إقلاعها الاقتصادي وتقوية صمودها في مواجهة التغيرات.