الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ، وبعد : فعلى الرغم من إقرار “الحجر الصحي” الشامل، وما سبقه وصاحبه وتلاه من الجهود التوعوية التي قامت بها الجهات المختصة مشكورة، عبر وسائل الإعلام المختلفة، من أجل تعريف الناس بطبيعة هذا الفيروس المعدي (كورونا المستجد كوفيد- 19) ، وكيفية انتقاله، وبيان خطورته، ومحاولة إقناعهم بأهمية الالتزام بمقتضيات “الحجر الصحي” للحد من انتشار الوباء الفتاك في أفق تطويقه بشكل نهائي … وعلى الرغم من التذكير المتواصل بالقرارات الصادرة عن الجهات الرسمية ببلادنا ، والقاضية بملازمة البيوت وعدم مغادرتها إلا لضرورة قصوى … وعلى الرغم من كثرة التحذير من سوء مغبة تعمد انتهاك حالة الطوارئ المفروضة لصالح الجميع … على الرغم من كل ذلك، فإننا نجد عددا من المواطنين في مختلف جهات المملكة ما زلوا – للأسف الشديد- يستهينون بخطورة هذا الوباء القاتل ، وبكل الإجراءات الاحترازية التي أقرت لمنع تفشيه ، ولا يأبهون بالتوصيات والقرارات الصادرة عن السلطات المختصة ، فيتمادون في عنادهم وغيهم ، ويتعمدون خرق “الحجر الصحي” بمغادرة منازلهم لغير ضرورة قاهرة ، بل وجدنا شرذمة من الشباب واليافعين يقيمون تجمعات صغيرة في بعض الأحياء الشعبية ، وكأنهم في ظروف عادية ، فيعرضون أنفسهم وأفراد أسرهم وغيرهم من الناس للتهلكة ‼ . وقد تمكنت دوريات الشرطة، الساهرة على التطبيق السليم والحازم لحالة الطوارئ الصحية من إيقاف الآلاف من المتمردين على القرارات الصادرة عن الجهات المسؤولة بالبلاد، والمتعلقة ب”الحجر الصحي” الشامل ، وإحالتهم على النيابة العامة لينالوا الجزاء المناسب المقرّر على مخالفاتهم … وأمام هذا الاستهتار بكل الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية التي اتخذتها السلطات بكل وطنية ومسؤولية من طرف بعض الأغرار الرعاع من مواطنينا – هداهم الله- ، أرى أنه من الواجب أن أذكر بموقف ديننا الحنيف من “الحجر الصحي” المفروض ، فأقول مستعينا بالله تعالى : تعتبر المحافظة على النفس الإنسانية المعصومة من أهم مقاصد ديننا الحنيف، ومن الضروريات الخمس التي لا بد منها لقيام مصالح الناس الدينية والدنيوية . لذلك، وجدنا الشريعة الإسلامية حافلة بالنصوص الداعية إلى المحافظة على النفس ، وعدم إيذائها وإلقائها إلى التهلكة ، وإلى وجوب أخذ الحيطة والحذر من جميع المضار المظنونة والمتيقنة . قال تعالى : ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ [البقرة: 195] . وقال سبحانه : ﴿ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما﴾ [النساء: 29] . وقال عز وجل : ﴿ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم﴾ [النساء: 71] ومن أهم الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية المشروعة التي يتحقق بها مقصد المحافظة على النفس عند انتشار وباء معدٍ في بلدةٍ ما : “الحجر الصحي المنزلي”، الذي يعني منع كل أشكال الاختلاط والتّماس والاحتكاك بين الناس، وقاية وخشية من ازدياد تفشي الوباء وما يترتب عليه من إهلاك للأنفس، وغير ذلك من الأضرار على مختلف المستويات … – ومما ينبغي أن يدركه الجميع أن نبي الإسلام محمدا صلى الله عليه وسلم هو أول من وضع نظام “الحجر الصحي” وأرسى مبادئه وأمر به ونفذه ، بينما لم يعرفه الغرب إلا في أواسط القرن الرابع عشر الميلادي ، حيث اعتمد في مواجهة الطاعون الفتاك الذي سمي ب(الموت الأسود) ، والذي اجتاح أوربا بين 1347 – 1351م، وتسبب في مقتل ما لا يقل عن ثلث سكان القارة الأوربية … ويتمثل الأمر النبوي باعتماد “الحجر الصحي” في ذلكم التوجيه العام العابر للحدود بعدم الدخول إلى الأراضي الموبوءة التي ينتشر فيها الوباء المعدي، وعدم الخروج منها بالنسبة لمن كان مقيما بها إبّان انتشاره . ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأن الطاعون : « إذا سمعتم به بأرض، فلا تقدَموا عليه، وإذا وقع بأرض، وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارا منه » [ رواه البخاري برقم : 3473 ، ومسلم برقم : 2218] . وهنا قد يرد على أذهان البعض سؤال، يبدو في الظاهر منطقيا، وهو أن منع الشخص الصحيح من الدخول إلى البلدة الموبوءة أمر مفهوم ومعقول ، أما منع الشخص الصحيح في الظاهر، والذي يعيش في البلدة الموبوءة من مغادرتها، فإنه غير مفهوم ، فكيف إذن يمنع من الخروج منها في هذا الحديث ؟! ، مع أن المنطق يفرض أن يسارع إلى مغادرتها إلى البلدة السليمة حتى لا يصاب بالوباء . ويجاب عن هذا السؤال بما قرره الطب الحديث من أن الشخص الذي يبدو سليما في الظاهر في بلدة موبوءة، قد يكون حاملا ل(لميكروب/الفيروس)، وهو لا يدري، بحيث لا يبدو عليه أي أثر من آثار المرض الناجم عن هذا الميكروب الذي يحمله، وذلك في الفترة التي يسمونها بفترة حضانة الميكروب، وهي الفترة الواقعة بين التعرض الأولي له وظهور أعراضه ، وهي فترة قد تطول وقد تقصر بحسب نوع المرض المعدي .. فإذا سمح لهذا الشخص بالخروج من بلدته الموبوءة إلى بلدة أخرى غير موبوءة، فإنه بعد فترة انتهاء فترة حضانة الميكروب يكتشف أنه مصاب بالمرض المعدي ، ويكون قد نقله لمن خالطوه، ولمن التقوا بهم خلال تلك المدة ، مما يتسبب في انتشار العدوى بشكل سريع . ويلحق ب”الطاعون” مختلف الأوبة المعدية، وعلى رأسها هذا الوباء الفتاك “كورونا المستجد /كوفيد-19” ؛ لأن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين المتماثلات … وعليه، فيكون الحديث النبوي المذكور والمؤصل لمبدإ “الحجر الصحي” من دلائل نبوة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ‼. ومما يترتب على “الحجر الصحي”، الذي يفرض حال انتشار الوباء المعدي، النأي عن مخالطة الناس والمكوث في البيوت … – وثمة نصوص شرعية أخرى كثيرة تؤصل لهذا المبدإ ، المعمول به في كل دول العالم التي تنتشر بها الأوبئة المعدية، وما يستلزمه من المكوث في البيوت . منها : أولا : ما رواه البخاري في صحيحه (رقم 5771) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يورِدَنّ مُمْرٍضٌ على مُصِحٍّ » . وفي رواية عند مسلم (رقم 2221) : « لا توردوا المُمْرِض على المُصِحِّ» والمُمْرِض: من له إبل مرضى . والمُصِحّ: من له إبل صحاح . فنهى النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الإبل المصابة بمرض مُعْدٍ أن يوردها على الإبل الصحيحة، خشية أن تعديها بقدر الله الذي أجرى به العادة، لا بطبعها . وإذا كان هذا الإجراء الوقائي يتعين الأخذ به في علاقة المواشي ببعضها البعض ، فمن باب أولى وأحرى أن يؤخذ به في علاقة الناس بعضهم ببعض ، فيُمنع المصابون منهم بأي مرض من الأمراض المعدية من مخالطة الأصحاء . ولما كان الاختلاط بين الناس مظنة انتقال الوباء وانتشاره، كان منعهم من كل أشكال الاختلاط أمرا مطلوبا شرعا ، وإنما يتحقق ذلك بالمكوث في المنازل وعدم الخروج منها إلا لضرورة قصوى، مع الأخذ بكل الاحتياطات اللازمة … ثانيا : ما صح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فرّ من المجذوم فرارك من الأسد » [أخرجه البخاري في صحيحه تعليقا برقم 5707 ، ووصله أبو داود الطيالسي في مسنده، رقم 2724 ، وابن أبي شيبة في مصنفه، رقم 24543 ، وأحمد في المسند، رقم 9722 ، والبيهقي في السنن الكبرى، رقم 13772 ، وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة” رقم 783 ] . ففي الحديث أمر باتقاء المجذوم والفرار منه، وتشبيه فتك الجذام بصاحبه بفتك الأسد لفريسته! . ويقاس على المجذوم كل من أصيب بمرض معدٍ ، فينبغي أن يُتّقى وأن يُفَر منه ، وذلك يقتضي منع اختلاط الناس بعضهم ببعض في الأوساط التي ينتشر فيها الوباء المعدي ، ومكوثهم في بيوتهم . ثالثا : ما رواه مسلم في صحيحه (رقم 2231) عن عمرو بن الشريد قال : كان في وفد ثقيف رجل مجذوم ، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم : « إنا قد بايعناك فارجع » . فامتناعه صلى الله عليه وسلم عن مبايعة الرجل المجذوم مصافحة ، وأَمْرُه له بالرجوع ، إنما هو لاتقاء انتقال عدوى مرضه ، مما يدل على وجوب اجتناب كل مصاب بمرض معدٍ ، والأخذ بكل الأسباب الاحتياطية والتدابير الوقائية لعدم الاختلاط به ، ومن أهمها وأنجعها : ملازمة البيوت وعدم مغادرتها إلا للضرورة القصوى … رابعا : ما ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام في ربيع الآخر سنة ثماني عشرة للهجرة ، فلما وصل إلى (سَرْغ) – وهي قرية في طرف الشام مما يلي الحجاز- أخبره أمراء الأجناد : أبو عبيدة بن الجراح ومن معه أن بها طاعونا قد تفشى ، فاستشار من كان معه من الصحابة ، ثم قرّر أن لا يدخلها ، فقال له أبو عبيدة – وهو إذ ذاك أمير الشام-: « أفراراً من قدر الله يا أمير المؤمنين؟! فقال عمر : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ! ، نعم نَفِرُّ من قدر الله إلى قدر الله» ، ثم ضرب له مثالاً وقال: « لو كانت لك إبل، فهبطت وادياً له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيتَ الخصبة رعيتها بقدر الله، وإذا رعيت الجذبة رعيتها بقدر الله ؟! .. فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيِّبا في بعض حاجته، فقال : إن عندي في هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه”.. فحمد الله عمر، ثم انصرف » .[أخرجه البخاري برقم 5729 ، ومسلم برقم 2219] . خامسا : ما رواه مالك بسند رجاله ثقات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ بامرأة مجذومة، وهي تطوف بالبيت، فقال لها: «يا أمة الله، لا تؤذي الناس، لو جلست في بيتك»، فجلست في بيتها . [الموطأ بتحقيق محمد مصطفى الأعظمي، حديث رقم 1603] . قال الحافظ ابن عبد البر في “الاستذكار : 4/407” : « وفي هذا الحديث من الفقه: الحكم بأن يُحال بين المجذومين وبين اختلاطهم بالناس، لما في ذلك من الأذى لهم … وإذا كان آكل الثوم يؤمر باجتناب المسجد، وكان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما أُخرج إلى البقيع، فما ظنك بالجذام ! … وأما قول عمر للمرأة : “لو جلست في بيتك” بعد أن أخبرها أنها تؤذي الناس ، فإن ذلك منه والله أعلم من لِين القول لها … ورَحِمها بالبلاء الذي نزل بها فَرَقَّ لها » . ومما يؤصّل به أيضا لوجوب الأخذ ب”الحجر الصحي” وما يقتضيه من ملازمة البيوت، إبّان انتشار الأوبئة المعدية : جملة من قواعد الشريعة العامة، المتعلقة برفع الضرر ، وتحقيق المصلحة ، وأخذ الوسائل حكم المقاصد … منها على سبيل المثال لا الحصر : – قاعدة “لا ضرر ولا ضرار” ، وهذه قاعدة كلية كبرى ، وهي بلفظها في الأصل حديث نبوي شريف، رواه عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا ضرر ولا ضرار » . [أخرجه أحمد في المسند برقم 2865 ، وابن ماجه برقم 2340 ، والدار قطني برقم 288 ، والحاكم في المستدرك برقم 2345 وقال : “هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه” ، وصححه الألباني في “الصحيحة”، رقم 250 ، وحسنه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند، رقم : 2867 .] و(الحديث/القاعدة) نص صريح واضح في منع كل أنواع الضرر ؛ لأن النكرة المنفية تعم . وعليه، فلا يجوز لأحد أن يضرّ غيره ابتداء ، أو أن يقابل الضّرر بالضّرر على وجه غير مشروع . وتحريم الضّرر يشمل دفعه قبل وقوعه بالوسائل المناسبة المتمثلة في مختلف التدابير الوقائية، كما يشمل رفعه بعد وقوعه بالوسائل التي ترفع أثره . ويتخرج على هذه القاعدة العامة الكلية قواعد أخرى فرعية، منها : “الضّرر يزال”، و “تحمّل الضّرر الخاص بدفع الضّرر العام”، و”تحمّل الضّرر الأخفّ لدفع الضرر الأشد” … ناهيك عما لا يحصى من الفرروع الفقهية . – ومن الأحاديث الصريحة في التحذير من مضارّة الغير كذلك : حديث أبي صرمة الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من ضارَّ ضارَّ الله به … » [أخرجه الترمذي برقم 1940 ، وقال: “هذا حديث حسن غريب” ، والطبراني في “الكبير” برقم 830 ، والبيهقي في “السنن الكبرى” برقم 11386 ، وحسنه الألباني في “الإرواء” رقم 896 وفي “صحيح الجامع الصغير” رقم 6372 … ] . ولما كان “الحجر الصحي” المفروض يترتب عليه الإضرار بالنفس وبالغير ، وقد يؤدي إلى التهلكة، بسبب تفشّي الفيروس المعدي، كان محرّما، وكان التقيد به واجبا . ولما كان الخروج من البيت مظنة حمل الفيروس وانتقاله وتفشّيه، كان المكوث في البيت لغير ضرورة قصوى واجبا . – قاعدة “المصلحة” : وتشمل “المصلحة” جلب المنفعة ودفع المضرة ، والشريعة الإسلامية كلها مبنية على هذا الأساس . فكل تصرف يحصل به النفع للإنسان في نفسه أو دينه أو عقله أو نسله أو ماله، أو تُدفع به المضارّ عنه، فهو مصلحة واجبة التحقق . بل إن “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح” عند اجتماعهما وتساويهما، وبالأحرى عند رجحان المفاسد على المصالح؛ لأن اعتناء الشريعة بالمنهيات أشد من اعتنائها بالمأمورات . ومن المؤكد أن “الحجر الصحي” المفروض حاليا فيه مصلحة معتبرة، خاصة وعامة، تتمثل في وقاية الفرد والمجتمع من الإصابة بفيروس كورونا الفتاك “كوفيد-19” ، وحماية البلاد من التداعيات الخطرة لانتشاره وتفشيه ، وهي مصلحة ضرورية؛ لأنه يتوقف عليها حفظ أصل من الأصول الخمسة المعلومة (النفس) ، ولما كان حفظ هذا الأصل إنما يتحقق أساسا في هذه الظرفية الاستثنائية بالالتزام بحالة الطوارئ الصحية القائمة والمكوث في البيوت ، كان التقيد بذلك واجبا شرعا … – قاعدة “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب” : أي ما لا يتم الواجب إلا بفعله، وهو مقدور عليه للمكلف، فهو واجب . وهذه قاعدة أصولية عظيمة، متفرعة عن قاعدة “الوسائل لها حكم المقاصد” ، ويتخرج عليه فروع فقهية كثيرة في مختلف أبواب الشريعة ومجالاتها . وقد تقرر سلفا أن حفظ النفوس من الهلاك مقصد من مقاصد الشريعة الضرورية . ومن ثم، كان واجب التحقّق . ولما كان “الحجر الصحي المنزلي” هو الوسيلة الأنجع لتحقيق واجب حفظ النفس من وباء “كورونا المستجد” ، أخذ حكمه، وكان واجبا . – وبناء على كل ما سبق أقول : إن التقيّد ب”الحجر الصحي”، وما يستلزمه من المكوث في البيوت في هذه الظرفية الاستثنائية، هو استجابة لأمر الشارع الحكيم ، ومن ثم فهو عبادة، شريطة صلاح النية والقصد . وعدم التقيّد به مخالفة لأمر الشارع موجبة للإثم العظيم ، ثم إنه تطبيق لقرار سياسي حكيم، وطاعة واجبة لأولي الأمر في معروف ، وتلبية لنداء الوطن . ومن (المبشرات النبوية) لمن التزم “الحجر الصحي”، وقعد في بيته، وقت انتشار الوباء المعدي، صابرا ، محتسبا، راضيا بقضاء الله وقدره، أن له مثل أجر الشهيد ، ولو بقي معافى، لم يصبه الوباء قط‼ . ففي صحيح البخاري (رقم 3474) من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « … ليس من أحد يقع الطاعون ، فيمكث في بلده، صابرا محتسبا ، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له ، إلا كان له مثل أجر الشهيد » . وفي رواية عند أحمد في المسند رقم 25608 : « فليس من رجل يقع الطاعون، فيمكث في بيته …الخ …» . فاشترط صلى الله عليه وسلم في الماكث في بيته الذي ينال أجر الشهيد ثلاثة شروط : الأول : أن يكون مؤمنا مستسلما لأمر الله، راضيا بقضائه وقدره، موقنا أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له . والثاني : أن يكون صابرا، غير منزعج ولا قلق ولا متضجر من مكوثه في بيته ، بل يكون صبره خالصا لوجه الله تعالى، لا حظّ للنفس أو غيرها فيه، كما قال تعالى : ﴿والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم … ﴾ [الرعد: 22] ، وكما قال سبحانه : ﴿ولربك فاصبر ﴾ [المدثر: 7] . الثالث أن يكون محتسبا ، أي طالبا دفع البلاء والمثوبة من ربه تبارك وتعالى . فمن اتصف بذلك نال أجر الشهيد ، وإن لم يصب بالوباء، كما سلف . ومن لم يتصف بذلك لم ينل أجر الشهيد ، ولو مات بالوباء المعدي … ألا فلنتحمل مسؤولياتنا جميعا في هذه الظرفية الاستثنائية ، ولنحافظ على سلامتنا وسلامة أسرنا ومجتمعنا ودولتنا، بمكوثنا في بيوتنا وعدم مغادرتها إلا لضرورة قاهرة ، مع توخي الحذر المطلوب … فإن هذا من أولى وأهم (واجبات الوقت) التي يقتضيها الظرف الحالي، ومن أخَلَّ بهذا الواجب كان آثما شرعا . وينبغي أن يكون لنا في الواقع المزي والمأساوي الذي تعرفه الدول التي تراخت وتساهلت في التعامل مع هذا الوباء الفتاك في بداية انتشاره أعظم معتبر ، فنتحلى باليقظة والتعقل والانضباط ، ونلزم بيوتنا، مستثمرين مكوثنا فيها بما يعود علينا بالنفع في ديننا ودنيانا وآخرتنا ، ونغلّب المصلحة العامة للبلاد على المصالح الخاصة ، ونعلي قيم التضامن والتآزر والتآخي والتكافل والتعاون … فإن فعلنا ذلك على الوجه المطلوب ، نكون قد استجبنا فعلا لأمر الشارع ، ولبينا نداء الوطن ، وحظينا بالأجر العظيم والثواب الجزيل … حفظنا الله جميعا من كل سوء ومكروه ، وفرّج عنا هذه الكربة الشديدة من كرب الدنيا ، ورفع عنا وعن البشرية جمعاء هذا الوباء والبلاء في القريب العاجل ، آمين آمين . والحمد لله في البدء والختام، وصلى الله على نبينا محمد وآله …